مقابلات

خبير عسكري: بوتين لن يوقف حرب أوكرانيا مهما بلغت الخسائر

توفيق: بوتين سيجرّب حظه في الربيع المقبل ويدفع قواته في أعماق أوكرانيا- عربي21
أكد الخبير العسكري، العميد الركن الدكتور صبحي ناظم توفيق، أن "الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، لن يوقف الحرب في أوكرانيا مهما بلغت التضحيات والخسائر، وسيجرّب حظوظه في جعل أوروبا تعاني الأمَرّين في هذا الشتاء جراء أزمة الطاقة، ويبدو أنه توفّق في هذا المسار حتى الآن".

وأشار، في مقابلة خاصة مع "عربي21"، إلى أن "بوتين -خلال الأشهر المقبلة- سيجمع قواه ويعيد تنظيم جيشه، وسيُشكّل العشرات من التشكيلات القتالية والمساندة من احتياطه المُستدعى، ويجرّب حظه في الربيع المقبل، ويدفع قواته في أعماق أوكرانيا، يرافق ذلك هجوم عنيف نحو كييف من الأرض البيلاروسية".

وقال توفيق، وهو مؤرخ وضابط سابق في الجيش العراقي وحاصل على شهادة الدكتوراه في التأريخ، إن "الصراع الروسي- الأوكراني قد يتحوّل إلى حرب استنزاف، ربما تستمر لسنوات، إذا لم تحسم موسكو أو كييف هذه الحرب خلال أواخر صيف عام 2023".

بينما رأى توفيق أن "هذه الحرب ستنتهي في حال اقتنع بوتين بأن البقاع التي سيطر عليها في إقليم دونباس كافية لطموحاته، أو إذا جازف أحد كبار القادة الروس وانقلب على بوتين وخلّص روسيا من حكمه، أو إذا وقع انقلاب على الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، وقرّر المنقلبون إيقاف الحرب، ورضخوا لشروط روسيا".

وتاليا نص المقابلة الخاصة مع "عربي21":

كيف تقرأ واقع الحرب الروسية الأوكرانية اليوم؟

واقع هذه الحرب، أسوة بكل الحروب، لمّا يطل أمدها، هناك عنف متصاعد وقساوة غير مسبوقة من الطرف الروسي على الجانب الأوكراني، في محاولة لإرغام كييف على التراجع والرضوخ لشروط موسكو المُذِلّة والمُهينة.

لماذا لم يتمكن أي طرف من حسم الصراع لصالحه حتى الآن؟

نظرا لعدم الأخذ بنظر الاعتبار بمبدأ "التحشّد"، وهو أحد مبادئ الحرب العشرة الرئيسة، بتشتيت القوات الروسية على ثلاثة محاور رئيسة وخمسة أخرى ثانوية في وقت واحد عند المباشرة بالغزو.

كما أن بدء الهجوم في موسم الشتاء القارس والثلوج والأوحال أبطأ التقدم الروسي، وجعل الدبابات والمدرعات تتباطأ في مسيرتها، فأضحت أهدافا سهلة لأسلحة مقاومة الدبابات الأوكرانية الدقيقة.

وبالتالي فشل الروس في تحقيق هدفهم الإستراتيجي الأعظم، والمتمثّل في السيطرة على كييف وإسقاط نظامها السياسي، واضطروا لسحب تشكيلاتهم من محيط العاصمة المستهدفة إلى جبهات إقليم دونباس في أقاصي شرق أوكرانيا.

وينبغي الإشارة هنا إلى أهمية الدعم الأمريكي والغربي لأوكرانيا بأسلحة حديثة ودقيقة وسهلة الاستخدام لمقاومة الدبابات والطائرات والبعض من الصواريخ والمقذوفات، فضلا عن الدعم المالي بعشرات المليارات، الأمر الذي جعل أوكرانيا تصمد أمام هذا الغزو، ناهيك عن استقبال العديد من دول الاتحاد الأوروبي عدة ملايين من المهاجرين الأوكرانيين، ومراعاتهم بأقصى القدرات المتاحة.

ولقد كسبت أوكرانيا تأييد الغالبية العظمى من دول العالم، باعتبارها قد ظُلِمَت وأصابها الحَيف على أيدي الروس.

ولا يمكننا تجاهل إيمان الأوكرانيين بأنهم على حق في الدفاع عن أنفسهم ووطنهم، مقابل ضعف إيمان القوات الروسية في غزوهم لدولة جارة لم تتعدّ عليهم.

بوتين لوّح سابقا باستخدام الأسلحة النووية للدفاع عن بلاده.. فهل هذه التصريحات محاولة لخداع الغرب، أم أنها مجرد خطوة يائسة؟

نعم، الرئيس بوتين لوَّح بذلك تحت ذريعة الدفاع عن بلاده، لكنه استجلب بذلك سخريةً واستهزاءً على ذاته، لكون الأسلحة النووية هي أداة هجومية وليست دفاعية بالمُطلق.

ورغم أن معظم إستراتيجيي العالم البارزين يعتقدون ويجزمون بأن السلاح النووي قد صُنِعَ لأغراض الردع فحسب، وليس للاستخدام، إلا أنني أرى هذا الأمر واردا بقرار فوري ربما يتخذه رئيس قوي الشكيمة تحوّل إلى ديكتاتور مغرور، لا أحد من مستشاريه يجرؤ على التحدث أمامه بما لا يرتضيه، ولا أحد من كبار قادته يقوى على عدم تنفيذ أوامره.

ولكن يحتمل أن تكون تصريحات بوتين محاولة لخداع خصومه ورفع معنويات مؤيديه بعرض عضلاته، كما العادة منذ عقد الخمسينيات الماضي، ولكن لا يمكن اعتبارها خطوة يائسة، بل إصراراً على مواصلة الحرب حتى تحقيق مآربه وأحلامه.

وبالتالي ماذا لو لجأ بوتين إلى السلاح النووي، أو ما تُعرف بـ"الأسلحة النووية التكتيكية"؟

من المسلّم به أن بوتين لن يلجأ إلى السلاح النووي العملياتي أو الإستراتيجي، بل إلى السلاح التكتيكي في أول الأمر، ولربما على موقع غير مأهول في سبيل إبراز العين الحمراء، ولكن ذلك سيُعتبر تصعيدا في غاية الخطورة، حيث يكمن الاحتمال الأبرز أن تردّ الولايات المتحدة أو إحدى دول الناتو إلى إجراء مقابل؛ فتُقدِم موسكو على خطوة ثانية فتتصاعد الأمور نحو الهاوية، وليست مجرد التقرب من حافّتها.

هل كانت موسكو بحاجة ماسة لإعلان التعبئة الجزئية؟ وكيف استقبلتَ هذه الخطوة؟

استقبلتُ هذا الإعلان بكل استغراب، لأن الجيش الروسي يحتضن ما يزيد على مليون مقاتل متطوّع (موظف عسكري) تحت السلاح؛ فمن غير المعقول أن يحتاج إلى 300.000 مُجنّدا، أي حوالي ثلث تعداد الجيش الأصل.

ولا يعقل كذلك أن تكون خسائر الروس بعد سبعة أشهر من القتال قبالة أوكرانيا المتواضعة داعية لاستدعاء هذا العدد الضخم من الاحتياط، بل باستطاعتهم استجلاب العشرات من وحداتهم القتالية المستقرة في العمق الروسي الشاسع للاستعاضة عن وحداتهم المتضررة.

ويُذكر في هذا الشأن أن خسائر الجيش الروسي الرسمية المُعلَنة من الأرواح والمصابين في هذه الحرب لا تتعدى المئات، من مجموع 125.000 مقاتلا غزوا أوكرانيا أواخر شباط/ فبراير الماضي... فهل كانت وزارة الدفاع الروسية تكذب، بحيث لم يَفِد معه إجراءات التعويض من الوحدات البعيدة. ولذلك نستنتج أن موسكو لم تكن بحاجة لهذه الخطوة، إلا في حالة كون ضحاياها بأعداد هائلة، أو أن الرئيس بوتين عازم على خطوات خطيرة.

وهل هناك احتمالات أخرى تقف خلف إعلان التعبئة الجزئية في روسيا؟

هناك احتمال آخر، وهو أن يكون الرئيس بوتين قد استهدف تحقيق أغراض أخرى من قرار التعبئة، وفي مقدمتها استثمار موسم الأمطار والثلوج والأوحال، والهدوء النسبي الذي سيسود ميادين القتال، ليُشكّل وحدات قتالية جديدة ومنتعشة، ليفتح بها جبهات عديدة بحلول ربيع 2023، ليفضّ الحرب سريعا لصالح روسيا، حسب قناعته.

كذلك هو يرغب في جعل شعوب روسيا الاتحادية تستشعر بإرهاصات الحرب، وقتما ينخرط أبناؤهم في أتونها ومطحنتها، على عكس مشاعرهم الهادئة وهم بعيدون عن ميادينها.

ما احتمالية تدخل واشنطن والناتو بشكل مباشر في الحرب؟ ومتى يمكن أن يحدث ذلك؟

لا احتمال قريب في اقتحام واشنطن ومنظمة الناتو في أتون هذه الحرب بشكل مباشر بالوقت الراهن؛ فهما ستظلان تديران الحرب عن بُعد، وتستنزفان روسيا بدعم أوكرانيا لأطول مدة ممكنة بسخاء نسبي وأسلحة حديثة ورخيصة الثمن ودقيقة وفتاكة وسهلة الاستخدام.

ولكن الخطر الكامن فيما إذا أخطأ أحد القادة الميدانيين الروس أو مَن يتعاون معهم في خضمّ المواجهات، وأقدم على تصرّف قد يودي إلى إلحاق أضرار بحق جنود أو أهداف أمريكية أو للناتو، يُرَدُّ عليه بالمقابل بتصرف مشابه.

وكذلك الحال فيما إذا تعرّضت روسيا بهجوم مباشر على إحدى الدول التي انضمت إلى الناتو تباعا، وبالأخص دول البلطيق الصغيرة، أو على جزء من فنلندا أو السويد في حالة القرار النهائي على ضمّهما للناتو. أو إذا أقدمت السويد أو الدنمارك أو النرويج على حرمان الأسطول البحري الروسي من مغادرة بحر البلطيق عبر مضائقها المتحكمة نحو بحر الشمال والمحيط الأطلسي.

وفق تقديرك، متى ستنتهي حرب أوكرانيا؟

هذه الحرب ستنتهي في حال اقتنع الرئيس بوتين أن البقاع التي سيطر عليها في إقليم "دونباس" كافية لطموحاته، أو إذا جازف أحد كبار القادة الروس وانقلب على بوتين وخلّص روسيا من حكمه، أو إذا وقع انقلاب على الرئيس فولوديمير زيلينسكي، وقرّر المنقلبون إيقاف الحرب، ورضخوا لشروط روسيا.

كما أن الحرب ربما تنتهي إذا اقتنع القادة الأوكرانيون أن خسائرهم أضحت هائلة لا تُطاق، وأن بنيتهم التحتية دُمِّرت، ولم تعد كييف قادرة على مواصلة الحرب، أو إذا قطعت واشنطن والناتو مساعداتهما لأوكرانيا، أو خفّضتاها بشكل لا تكفي لمواصلة الحرب، أو إذا حلّ الشتاء القارس على أوروبا وبدأت شعوبها تعاني الأمَرّين من معاضل التدفئة والغلاء، وضغطت الجماهير الغاضبة على حكوماتهم بشكل يجعل قياداتهم السياسية تتراجع عن مشاركاتها لدعم أوكرانيا.

ونخشى ما نخشاه أن يتحوّل الصراع الروسي- الأوكراني إلى حرب استنزاف ربما تستمر لسنوات، إذا لم تحسم موسكو أو كييف هذه الحرب خلال أواخر صيف عام 2023 المقبل.

هناك مَن يرى أن هذه الحرب كانت منذ البداية "فَخّا غربيا" للرئيس الروسي فلاديمير بوتين.. ما تعقيبكم؟

من حيث الأساس فإن الرئيس بوتين استشعر بذاته أنه حقق إنجازات هائلة بحق بلاده، واستطاع إعادتها قطبا ثانيا قبالة الولايات المتحدة الأمريكية والعالم، أسوة بما كان عليه الاتحاد السوفييتي قبل تفكّكه، وبذلك أصابه الغرور لا سيّما وأن الغرب لم يقدِم على إجراء مؤثّر وقتما سيطر على شبه جزيرة القرم في عام 2014، وتلاه سيطرته على مقاطعتَي "دونيتسك ولوغانيتسك" سنة 2015 من دون ردود أفعال غربية قوية، وبذلك تشجّع على غزو أوكرانيا.

أما مصطلح "الفخ الغربي" للرئيس بوتين فهو رؤية الذين يتفلسفون في تحليلاتهم، ويؤمنون بنظرية المؤامرة التي لا أؤمن بها من حيث الأساس.

برأيكم، إلى أي مدى تمثّل حرب أوكرانيا نقطة تحوّل في النظام الدولي مستقبلا؟

إذا ما حققت روسيا الاتحادية نصرا كاسحا، ورضخت كييف، واشنطن، والناتو، والاتحاد الأوروبي لشروط بوتين، فإن نظاماً دولياً ثنائيا سيعود ليحلّ محل النظام الأحادي السائر منذ ثلاثة عقود.

بينما النظام الأحادي سيظلّ سيّد الموقف إما إذا تراجعت روسيا وأوقفت هذه الحرب من دون أن تستحصل غاياتها.

ولكن في كلا الحالتين، فإن واشنطن والغرب مضطران من بعد الآن، أن يحسبا حسابا مغايرا نحو روسيا الاتحادية.

ما ملامح التحركات العسكرية المقبلة في أزمة الحرب الروسية- الأوكرانية؟

شخصياً أتوقع أن الرئيس فلاديمير بوتين ليس بالزعيم السهل في ثقته فوق اللازم بشخصه، لذلك لن يوقف هذه الحرب مهما بلغت التضحيات والخسائر، وسيجرّب حظوظه في جعل أوروبا تعاني الأمَرّين في هذا الشتاء جراء أزمة الطاقة، ويبدو أنه توفّق فيها لغاية يومنا الراهن.

وأكرر القول إنه في الأشهر القادمة ولغاية حلول الربيع القادم، فإنه سيجمع قواه ويعيد تنظيم جيشه، ويُشكّل العشرات من التشكيلات القتالية والمساندة من احتياطه المستدعى، ويجرّب حظه في الربيع ويدفعها في أعماق أوكرانيا، يرافقه هجوم عنيف نحو كييف من الأرض البيلاروسية.

وخلال الشتاء كذلك، سوف ينزل جام غضبه على البنى التحتية الأوكرانية، وبالأخص محطات توليد الكهرباء والوقود والتدفئة، ناهيك عن محاولاته لقطع الطرق الداخلة إلى أوكرانيا؛ للحد من المساعدات الآتية إلى أوكرانيا من بولندا وسلوفاكيا.

أما الرئيس زيلينسكي، فلا يقل عن بوتين في صرامته، بل يفوق عليه في وقوف شعبه إلى جانبه، فإنه يعتمد على الصمود بإسناد الغرب له، وتزويد جيشه بما يلزمه من أسلحة ومعلومات موثوقة، سيحاول بها عدم فسح المجال للقوات الغازية بأخذ قسط طويل من الراحة، بل يزعجها بهجمات من هذا الاتجاه أو ذاك، كما حصل في خاركييف، وخيرسون مؤخراً.

أما تحقيق الجيش الأوكراني لنصر حاسم يُخرِج الجيش الروسي من شبه جزيرة القرم والمقاطعات الأربع المحتلّة، فإنه محض خيال في الوقت الراهن.