تعتبر
"نظرية المُباريات" (Game Theory) من أهم الأدوات في التخطيط الاستراتيجي وإدارة
الحروب، ونظرا لأهميتها، ومنهجياتها وأدواتها المتعددة، تلقفتها منذ ظهورها مطابخ
القرار في الولايات المتحدة الأمريكية ومعظم دول الغرب.
وتكمن
أهمية هذه النظرية، كمثال مبسط، في قدرتها الكبيرة في صناعة نموذج محاكاة للنظام
العالمي ككل، ودراسة التأثير المباشر وغير المباشر (الاقتصادي، السياسي، العسكري، الاجتماعي،
التقني..) للسياسات والقرارات الخارجية الأمريكية، بمنتهى الدقة والفاعلية، على الخصوم
والمنافسين الدوليين، وبالتالي تحقيق المكاسب على حساب الخصم أو المنافس، وتوليد
سيناريوهات لمحاكاة ردود فعله وصياغة، وتعديل السياسات والقرارات التي تعظم
المنافع للولايات المتحدة تقلل من خسائرها.
وتفترض
نظرية المباريات الرشد في صانعي السياسات ومتخذي القرار، وتتكامل النماذج الرياضية
الكمية حاليا مع نماذج الذكاء الاصطناعي والنماذج المعرفية وعلم البيانات لتوليد
السيناريوهات المتعددة وليس سيناريو أحاديا لمستقبل واحد، مما يمهد الطريق أمام
صانعي السياسات ومتخذي القرار للتعامل بالتخطيط المسبق (Proactive
manner)، حيث اختبار السياسات وتقييمها بأساليب النمذجة والمحاكاة (Modeling
and Simulation)، وليس الانتظار والتعامل بردود الفعل (Reactive
manner) والارتجال في أزمات تحتاج لجودة وسرعة معا في اتخاذ القرار.
تكمن أهمية هذه النظرية، كمثال مبسط، في قدرتها الكبيرة في صناعة نموذج محاكاة للنظام العالمي ككل، ودراسة التأثير المباشر وغير المباشر (الاقتصادي، السياسي، العسكري، الاجتماعي، التقني..) للسياسات والقرارات الخارجية الأمريكية، بمنتهى الدقة والفاعلية، على الخصوم والمنافسين الدوليين
فلم
يكن التخطيط الاستراتيجي واستشراف المستقبل في مطابخ القرار الأمريكي، أو الغربي
عامة، دربا من دروب التنجيم والفهلوة، أو مبنيا على نظرة أحادية لمتخذ القرار
الملهم، كما عالمنا العربي.
فمهما
تغيرت الرؤية وسياسة الولايات المتحدة في العالم بتغير آراء الحكماء المهيمنين على
مطابخ القرار الأمريكي، فقليل منهم يحب الانعزالية والغالبية يقدسون الإمبريالية،
لذا تطورت السياسة الأمريكية في العالم من الانعزالية إلى قيادة النظام العالمي
ككل، وذلك حسب ما تقتضيه المصلحة الأمريكية. ولكن تفرد الولايات المتحدة لعقود في
قمرة قيادة النظام الدولي، جعل شهوة الحفاظ على هذا التفرد هي المسيطرة على رؤية
مطابخ القرار وصياغة السياسات والاستراتيجيات لخدمة هذا التفرد والحفاظ عليها. لذا
تم تكريس نظرية المباريات ونظريات ومنهجيات أخرى لدعم القرار، كأدوات الذكاء الاصطناعي
والمحاكاة وعلوم البيانات، أداة حيوية لا غنى عنها لصياغة السياسات المرتبطة
بتحقيق أهداف الولايات المتحدة والدفاع عن مصالحها في النظام الدولي.
مرة تظهر هذه السياسات والاستراتيجيات بمظهر القوى الناعمة التحالفية، حيث تتبنى الولايات المتحدة تحالفات دولية، ومنظمات أمنية إقليمية، ومعايير سياسية ليبرالية وآليات عامة لخدمة أهدافها، ولكن حين تُظهر نظرية المباريات وأدواتها في مطابخ صنع القرار عدم جدوى سياسة القوى الناعمة أمام منافس شرس متحدّ كالشركات التقنية الصينية مثلا، يظهر الوجه الخشن العقابي لهذه السياسات
ولكن
الملاحظ في هذه السياسات هو التعدد، فمرة تظهر هذه السياسات والاستراتيجيات بمظهر
القوى الناعمة التحالفية، حيث تتبنى الولايات المتحدة تحالفات دولية، ومنظمات
أمنية إقليمية، ومعايير سياسية ليبرالية وآليات عامة لخدمة أهدافها، ولكن حين
تُظهر نظرية المباريات وأدواتها في مطابخ صنع القرار عدم جدوى سياسة القوى الناعمة
أمام منافس شرس متحدّ كالشركات التقنية
الصينية مثلا، يظهر الوجه الخشن العقابي
لهذه السياسات (انظر إلى ما تفعله الولايات المتحدة مع الشركات التكنولوجية
الصينية العملاقة مثل هواووي Huawei أو شاومي وشركات الذكاء الاصطناعي
المنافسة).
وكذلك،
يأتي الوجه الحقيقي الشيطاني لهذه السياسات حين تخبر نظرية المباريات ونظريات صنع
القرار وأدواته مطابخ القرار الأمريكية بأن المنافس سيشاركنا، عما قريب، قمرة
القيادة للنظام الدولي، ولن تجدي معه كل سياسات الوجوه الناعمة أو الخشنة، ولا
نستطيع إيقافه إلا بإشعال نار حرب عسكرية عالمية وجره إليها. وما أراه الآن من
توريط
روسيا في حرب أوكرانيا، تفجير نقاط ملتهبة في العالم بين الهند وباكستان،
العرب وإيران، الصين وتايوان، تركيا واليونان.. إلا خطوة لإعداد أَتُون كبير يليق
كمقبرة أخيرة للتنين الصيني وكل المنافسين للمشروع الأمريكي الإمبريالي.