يتوالى مرور الليل
والنهار وازدياد مأساة قرابة 60 ألف معتقل في
سجون الجنرال عبد الفتاح
السيسي، لا
لشيء، إلا لمعارضتهم لحكمه الظالم، وخوفه على نفسه ومنصبه إن خرجوا وودعوا الزنازين.
ولعل من أبرزهم القيادي الطبيب
عبد المنعم أبو الفتوح، رئيس حزب مصر القوية، والأمين
العام الأسبق لاتحاد الأطباء العرب.
فقد كتب نجله أحمد على
صفحته في تويتر منذ أسابيع قليلة: "أبويا في جواب النهاردة كتب وصيته، وقال؛ إن حالته الصحية كما هي، داعيا الله بحسن الختام. إحنا أخذنا بكل الأسباب والسبل
لرفع الظلم عنك ووقف الانتقام منك وقتلك بدم بارد من ناس متعرفش الشرف، فاستودعناك
الله أرحم الراحمين، ربنا يلطف بك وينجيك".
كما أكد ابنه أن نوبة
قلبية رابعة واجهت والده، وأنه في كل مرة لم يكن يلقى الاهتمام الطبي الكافي، عقب
الحكم عليه بالسجن المشدد لـ15 عاما ظلما في نهايات أيار/ مايو الماضي؛ إذ واجه
تهما بالانضمام لجماعة الإخوان التي أسمتها المحكمة إرهابية كعادة القضاء المصري
منذ 3 تموز/ يوليو 2013م، وتسهيل إيصال السلاح إليها، وتهما أخرى مثلت القضية الأولى
التي سجن على ذمتها احتياطيا منذ شباط/ فبراير 2018م، فضلا عن الزج به في قائمة
اتهامات بقضية جديدة تحسبا لانتهاء فترة الحبس الاحتياطي، وبالنهاية تم الحكم
القاسي عليه وعمره يقارب 71 عاما، أي القضاء على حياته بمعنى أصح لو لم تتداركه
رحمة الله، خاصة مع تعدد أمراض الشيخوخة المبتلى الرجل بها، وذلك نتيجة رغبة
أساسية مباشرة من الجنرال عبد الفتاح السيسي بالقضاء عليه، لعدم استجابة أبو
الفتوح لرغبة الجنرال باتباعه من بداية الانقلاب، فضلا عن الترشح أمامه
كـ"دوبرلير" أو خصم ورقي ينجح على حسابه جريا على عادة الطغاة في تزوير
شكل الانتخابات، حتى الرئاسية والفوز بها، تحت تهديد الرصاص وأزيز المدافع
والدبابات، خاصة أن القيادي بجبهة الإنقاذ وصديق أبو الفتوح (سابقا) حمدين صباحي
فعلها وأرضى السيسي، وقام بالدور على أكمل وجه في انتخابات 2014م الرئاسية
المفترضة.
يبقى أن لأبو الفتوح خاصة ثأرا قديما أو "بايت" لديه، فالمناضل جدد معه عهده القديم منذ أيام الشباب، بداية من عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، مرورا بخلفه الراحل أنور السادات، والمخلوع حسني مبارك، نهاية بوقوفه ضد بعض سياسات الإخوان حتى 30 حزيران/ يونيو 2013م، وامتناعه عن المشاركة بـ3 تموز/ يوليو التالي
إن الجنرال ينتظر على
أحر من الجمر وفاة أبو الفتوح، كما يتوفى عدد من الأحرار بسجونه شهريا نتيجة
المعاناة والإهمال المتعمدين (حفظ الله الجميع)، ويبقى أن لأبو الفتوح خاصة ثأرا
قديما أو "بايت" لديه، فالمناضل جدد معه عهده القديم منذ أيام الشباب، بداية من عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، مرورا بخلفه الراحل أنور السادات،
والمخلوع حسني مبارك، نهاية بوقوفه ضد بعض سياسات الإخوان حتى 30 حزيران/ يونيو
2013م، وامتناعه عن المشاركة بـ3 تموز/ يوليو التالي، معلنا في شرف وإباء في عهد
الرئيس المؤقت عدلي منصور، أنه أراد تغيير نظام حكمهم، لكن بالصندوق لا بالدبابة.
ثم إن الجنرال لم يجد
خطيئة أو مجرد خطأ لدى أبو الفتوح ليتهمه بناء عليه، كما فعل ويفعل مع غيره من
مطلقي السراح. ثم إن الرجل يمتاز بالعقل والذكاء فلا يأخذ من المواقف ما يخدم عدوه
به، ولو من باب الغباء كما يحلو لبعض المتسترين خلف رداء الوطنية اليوم وأمس
الفعل، بل إنه فاجأ الجنرال بعودته إلى مصر بعد مؤتمر حضره في العاصمة البريطانية بداية
2018م، وغلب على ظن النظام كله أن أبو الفتوح سيهرب مثله مثل كثير من الوزراء
والمحافظين وكبار المسؤولين، ممن كانوا في نظام الرئيس الراحل محمد مرسي، لكن
المناضل اختار طريقا لم يسر فيه إلا أقل القليل، إذ لم يهرب إلى خارج مصر، بل فعل
ما لم يفعله مصري مقاوم سلميا منذ 2013م، فبعد أن انتقد السيسي بكلمات بالغة الصدق
والحدة في حوار تلفزيوني فضائي، عاد إلى مصر بعد أن فارقها معلنا قبلها أن الكلمات
التي تقول: "عشة جنب نيلها تسوى ألف قصر"، ليست أغنية بل فعلا، فالسجن
في مصر أفضل لديه من أجمل قصور العالم!
إننا نشهد صراعا قاسيا
لدرجة الموت بين جنرال منقلب أودى بالتجربة الديمقراطية الوليدة في مصر، وعصف
برئيس اصطفاه وقربه في 12 من آب/ أغسطس 2012م ورقاه ترقيتين دفعة واحدة ليصل إلى
وزير دفاع، فلم يمض العام إلا وقد أزاح رئيسه وسجنه ونكل بالآلاف من أتباعه أو حتى
أنصار الثورة والديمقراطية، فمزق آمال المخلصين من شعب لطالما انتظر حلم النهضة
ومحاولة التقدم، وأحدث انشقاقا اجتماعيا شق الكنانة لنصفين، وأعلن أنه مَنْ لم يكن
معه فهو عليه.
ومن جانب آخر، لدينا مناضلون
بعشرات الآلاف مغيبون قسرا، وأحد أبرزهم فارس نبيل، أراد رفعة أهله ووطنه، فجهر
بالحق في وجه ستة رؤساء جمهورية لمصر، ووقف متحديا السيسي رافضا أن يكون قنطرة
لإزهاق مزيد من الأرواح وإهدار شلال دماء آخر في سبيل بقاء الديكتاتور على كرسيه،
ثم بعد أن جهر بكلمة الحق، أبى ورفض الهروب؛ وعلم الأجيال درسا عمليا نادرا في
الشرف والبطولة.
وأمثال أبو الفتوح، إنما
يفضحون الجنرال الخائن وأمثاله في مقتل معنويا، فمجرد وجودهم يبرهن على أن شرفاء
على الدرب ما يزالون يحاولون المسير. ولأن السيسي وأتباعه لا يعرفون الشرف حرفيا
برأي أحمد أبو الفتوح، فإنهم يحاولون قتل هؤلاء الشرفاء بدم بارد لكي يكونوا عبرة.
أمثال أبو الفتوح، إنما يفضحون الجنرال الخائن وأمثاله في مقتل معنويا، فمجرد وجودهم يبرهن على أن شرفاء على الدرب ما يزالون يحاولون المسير
وإننا أمام تجربة
عصيِّة على التصديق في تاريخ مصر كله، إذ إن رئيسا مفترضا جاء على ظهر الدماء منذ
أكثر من سبع سنوات عجاف، لم يشبع من الدماء وحبس الشرفاء الأحرار، وللأسف الشديد
فإننا أمام مقاومين سلميين له، حتى أصول المقاومة السلمية لا يطبقونها فضلا عن أن
يحددوها. فعلى سبيل المثال، فإن لدينا قرابة 60 ألفا من
المعتقلين، لكن كم عددهم
بالتحديد أو التقريب؟ وقد استشهد في جميع ميادين مصر وسجونها وأقسام شرطتها عدة
آلاف آخرين، لكن كم هم ولو بالتقريب شبه الدقيق؟ وما أحوال أهاليهم وأسرهم
وصغارهم؟ وماذا عن البعض الذين "أدركتهم حرفة الثورة" فرفعتهم من بحار
قلة المكانة عاليا؛ فآثروا التمسك بلقمة عيشهم وترك أولاء جميعا حتى دون تعداد،
بالإضافة للمصابين والمصابات وأسرهم ومعاناتهم هم؟!
أما فضل أبو الفتوح، فمنه أنه بمفرده يعادل مؤسسة من قليل المؤسسات المصرية الحقيقية، حصد المركز
الرابع في الجولة الأولى من انتخابات 2012م الرئاسية التي لم تزور، فجاء بعد
الراحل محمد مرسي (مرشح الإخوان)، وأحمد شفيق (مرشح الجيش)، وحمدين صباحي (مرشح
التيار المدني). ثم أبو الفتوح بمفرده بعيدا عن أولاء جميعا حصد أكثر من أربعة
ملايين صوت، ولجميع الاعتبارات المعنوية والمادية السابقة يتمنى السيسي أن يتسبب
في موت أبو الفتوح مع الآلاف من أفضل وخيرة رجال مصر، تحت سمع مقاوميين سلميين غير
فعالين أو مشغولين، والعالم الذي يغض الطرف عن المأساة المصرية المستمرة.