انعكست أزمة نقص الدولار في مصر على توافر الكثير من السلع الاستهلاكية؛ بسبب القيود التي يفرضها البنك المركزي المصري على عمليات الاستيراد من الخارج، ووضع العديد من الشركات، خاصة وكلاء السيارات تحت ضغط مطالب عملائهم.
ودفعت تلك الضغوط بعض وكلاء السيارات من بينها شركة تويوتا إيجيبت، الوكيل الرسمي لعلامة تويوتا اليابانية في مصر، إلى مطالبة حاجزي السيارات منذ شهور بدفع ثمن سياراتهم بالدولار بدلا من الجنيه المصري، وسط تساؤلات عن تداعيات تلك الخطوة.
في شباط/ فبراير الماضي، قرر البنك المركزي المصري إلغاء استخدام "مستندات التحصيل" واستبدالها "بالاعتمادات المستندية"، وفي نظام الاعتمادات المستندية، تكون العلاقة بين بنك المستورد، وبنك المصدر، ويكون المستورد ملزما بتغطية قيمة الشحنة المستوردة مقدما، وتكون تكلفتها أعلى، وتستغرق وقتا أطول.
ومنذ آذار/ مارس الماضي، انخفض سعر الجنيه المصري بأكثر من 25% ليصل إلى حوالي 19.70 جنيها للدولار، متجاوزا بذلك أعلى سعر له في تاريخ البلاد، استجابة لمطالب صندوق النقد الدولي باتخاذ سياسة أكثر مرونة في سعر صرف الجنيه، مع استمرار انخفاضه يوميا.
وأدى ذلك إلى تراجع مبيعات السيارات في مصر بأكثر من النصف خلال شهر آب/ أغسطس الماضي، لتصل إلى 8.7 ألف مركبة مقابل أكثر من 18 ألفا خلال الشهر المماثل من العام الماضي بنسبة تراجع 52.5%، وقفزت أسعارها 50% على الأقل.
اقرأ أيضا: أزمة الدولار تهدد قطاع صناعة القمح والأعلاف في مصر
وانخفض حجم مبيعات السيارات في مصر إلى 148.5 ألف سيارة خلال الفترة من كانون الثاني/ يناير إلى آب/ أغسطس من العام الجاري، مقابل 186.3 ألف سيارة خلال الفترة المماثلة من العام الماضي بنسبة تراجع 20%، بحسب بيانات مجلس معلومات سوق السيارات المصري "الأميك".
وبسبب عدم قدرتهم على الوفاء باحتياجات عملائهم نتيجة شح الدولار في السوق، وارتفاع سعره في السوق الموازي ما بين 21 و23 جنيها، خاطبت بعض الشركات الحاجزين بالتوجه إلى مقر الشركة لاستلام مقدم الحجز؛ لعدم قدرة الشركة على توفير السيارات في الوقت الحالي.
وامتدت تلك الظاهرة إلى شركات العقارات، إذ رصدت مواقع محلية، إعلان إحدى الشركات الكبيرة العاملة في مجال التطوير العقاري عن طرح عدد من وحداتها السكنية للبيع بالدولار بدلا من الجنيه المصري، ما أثار ردود فعل واسعة في الشارع المصري.
إجراء غير قانوني
وحول مشروعية مطالبة بعض الشركات عملاءها الدفع بالعملة الصعبة، قال رئيس شعبة المستوردين المصريين، أحمد شيحة؛ إن "القانون يمنع أي تعاقدات بغير العملة المحلية، وما جرى هو تجاوزات، وبعض الشركات تستغل الظروف وحاجة العملاء لمنتجات محددة، والحقيقة من يقوم بذلك يتعرض لمساءلة قانونية، ولا يوجد تعامل خارج العملة المحلية".
وأضاف لـ"عربي21": "هناك تعامل بالدولار بشكل محدود في بعض القطاعات، مثل: الفنادق السياحية، والمدارس والجامعات الدولية والخاصة، ولكنها تطلب ما يعادل المصروفات والرسوم بالعملة الأجنبية وليس الدفع بالعملة الصعبة".
ورأى شيحة أنه "كان من الأفضل أن تقوم تلك الشركات بإعلان أسعارها الجديدة بما يعادل قيمة المنتج بالدولار بسعر يوم الشراء أو التعاقد، لا أن تطلب من العملاء الدفع بالدولار، ولن تقبل البنوك بتلك الخطوة في حال إيداع عملة أجنبية من قبل عميل غير معروفة المصدر".
ويعاقب قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي بالسجن مدة لا تقل عن 3 سنوات ولا تزيد على 10 سنوات، وبغرامة لا تقل عن مليون جنيه ولا تجاوز 5 ملايين جنيه، أو المبلغ المالي محل الجريمة أيهما أكبر، كل من تعامل في النقد الأجنبي خارج البنوك المعتمدة أو الجهات التي رخص لها في ذلك، أو مارس نشاط تحويل الأموال دون الحصول على الترخيص طبقا لنص المادة 209 من هذا القانون.
تأثيرها على الجنيه المصري
وحول دلالات تلك الخطوة، قال الخبير الاقتصادي، عبد النبي عبد المطلب: "هذا الوضع مؤقت ويدل على وجود ارتباك في الجوانب المتعلقة بالتجارة كافة، سواء عقارات أو سيارات أو غيرها، وحتى الآن لا يمكن تحديد سعر واحد للدولار في السوق الموازي، حيث يوجد أكثر من سعر".
مضيفا لـ"عربي21": "بعض الشركات تحاول تجنب تحقيق خسائر جراء البيع بسعر أقل من التكلفة، ورغبة منهم في عدم توقفهم عن العمل، لكن تبقى المعضلة أنه لن يستطيع غالبية العملاء الاستجابة لتلك المطالب؛ لأنه حتى لو أن العميل يمتلك المبلغ المطلوب بالدولار، لن يتمكن من ذلك لأن هذه الخطوة قد يكون بها نوع من التجريم الذي يعرضه للمساءلة القانونية".
اقرأ أيضا: ساويرس يهاجم استثمارات السعودية.. "تهدد مشروعات مصر"
وبشأن تأثير مثل هذه المعاملات في حال قبول التعامل بها، أكد الخبير الاقتصادي أنها "سوف تضعف دون شك العملة المحلية، وستكون ضربة قوية للجنيه المصري، ومن ثم لا أحبذ القبول بالتعامل بهذا الشكل الجديد الذي يحاول البعض فرضه أو جعله أمرا واقعا".
وزاد من نقص السلع الاستهلاكية بجميع أنواعها وغلاء أسعارها، قيام الحكومة المصرية بتحرير سعر الدولار الجمركي في أيلول/ سبتمبر الماضي، وجعله مرتبطا بسعر صرف الدولار في البنك المركزي، بعد أن ثبتته وزارة المالية عند 16 جنيها في نيسان/ أبريل الماضي، ثم 17 جنيها في أيار/ مايو الماضي، قبل أن تحرره بشكل نهائي لاحقا.
ورغم تقييد الاستيراد لتوفير العملة الصعبة وعدم الضغط على الجنيه، قفزت فاتورة الواردات، وفقا لتصريحات سابقة لوزير المالية محمد معيط، في تموز/ يوليو الماضي، إلى 9.5 مليار دولار شهريا من 5 مليارات دولار قبل الحرب الروسية الأوكرانية في شباط/ فبراير الماضي، وذلك لزيادة أسعار سلع أساسية، بينها الطاقة والقمح وكلفة الشحن والاستيراد.
أزمة الدولار تعمق مشكلة الاستيراد في مصر
لماذا ثبّتت مصر الفائدة خلافا للتوقعات؟.. "بوادر تعويم جديد"
بنوك مركزية خليجية ترفع الفائدة بعد قرار الفيدرالي الأمريكي