يواصل رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي، عقد صفقات شراء السلاح، في الوقت الذي تتوالى فيه التقارير الدولية التي تحذر من انهيار الاقتصاد وإفلاس الدولة المصرية بفعل أزمة الديون الداخلية والخارجية.
ومع توجه البلاد للاقتراض مجددا من صندوق النقد الدولي لفك الأزمة المالية الحالية التي دفعت الحكومة لبيع العديد من الشركات والأصول الرابحة للمستثمرين الأجانب؛ يقترب السيسي من عقد صفقة سلاح هي الأحدث، مع فرنسا.
ووفق الصحافة الفرنسية، فإن السيسي، يريد شراء 6 غواصات من طراز "باراكودا" من مجموعة "نافال"، بـ5 مليارات يورو، وسط توقعات بلقاء وزير الدفاع المصري محمد زكي، بنظيره الفرنسي سيباستيان ليكورنيو، أواخر العام الجاري، لإتمام الصفقة.
موقع "أفريكا إنتليجنس" الفرنسي الاستخباراتي، الأربعاء 7 أيلول/ سبتمبر الجاري، تحدث عن محادثات تدور بين الجيش المصري وشركات فرنسية للحصول على غواصات محملة بصواريخ "كروز"، مشيرا للأزمة الاقتصادية المصرية الخانقة والديون المتفاقمة.
التقارير المنشورة تؤكد أن الغواصة ضخمة كونها تقليدية، وإزاحتها 4 آلاف طن بينما الألمانية 1800 طن فقط، وذلك مع مدى أكبر بفارق نحو 50 بالمئة، ومدة بقاء بالمياه 70 يوما بدلا من 50 يوما للألمانية، وحمولة أسلحة مضاعفة وقدرة لاستيعاب صواريخ "كروز".
اقرأ أيضا: FP: مشاريع السيسي الوهمية أغرقت مصر بالديون وأفلست خزينتها
"أجواء الصفقة"
إقدام النظام المصري على شراء هذه الغواصات يأتي إثر فسخ أستراليا عقدا بقيمة 56 مليار يورو لشراء 12 غواصة من هذا النوع في أيلول/ سبتمبر 2021، مقابل صفقة بديلة مع بريطانيا وأمريكا.
تتزامن الصفقة مع ما يواجهه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، من أزمات اقتصادية وخاصة المتعلقة بنقص إمدادات الطاقة منذ الحرب الأوكرانية الروسية، وحاجة اقتصاد فرنسا لإنقاذ سريع، ما دفع مراقبين لاعتبار الصفقة فرصة جيدة لباريس.
لكن، "أفريكا إنتليجنس" المقرب من "الإليزيه" أشار إلى أن باريس تماطل بإبرام الصفقة التي بدأت محادثاتها في شباط/ فبراير الماضي، بقمة "محيط واحد" التي جمعت السيسي، وماكرون، لكنه أكد على تبادل الوثائق الفنية بين "نافال" والبحرية المصرية، بالفعل.
وأوضح أن الإدارة الفرنسية لديها مخاوف من عجز مصر عن دفع تلك الأموال، مع مخاوف أخرى من الصفقة وخاصة مع احتمالات اعتراض إسرائيل أو تركيا أو اليونان على وجود هذه الغواصات بشرق المتوسط، بجانب غواصاتها.
ونقل الموقع الباريسي، عن رئيس أركان الدفاع الفرنسي، تييري بوركهار، رفضه للصفقة بدعوى أن حصول مصر على غواصات بهذا الحجم والقوة ربما يؤدي لوجود العديد من السفن بالبحر المتوسط، منها عشرات الغواصات البحرية اليونانية والإيطالية والروسية والتركية.
وأشار بوركهار إلى أن امتلاك مصر لصواريخ كروز البحرية، التي تصنعها شركة "إم بي دي إيه" قد يحدث موجة من القلق من قبل أعضاء حلف شمال الأطلسي "الناتو"، خاصة تركيا وإسرائيل.
ومنذ 2014، تسعى القاهرة لصفقات السلاح الفرنسي، فاشترت فرقاطة "فريم"، و4 طرادات "جويند 2500"، وطائرتي هليكوبتر من طراز "ميسترال"، و24 مقاتلة "رافال" عام 2015 بصفقة قدرت بـ"5.2 مليار يورو".
وحصلت البحرية المصرية على 4 غواصات من طراز (U209) من الشركة الألمانية "تي كيه إم إس" في تموز/ يوليو 2021، وفق صحيفة "لا تريبيون" الفرنسية.
"تأمين نفسه"
وفي رؤيته السياسية لأهمية تلك الصفقة ودلالات توقيتها، قال الكاتب الصحفي والمحلل السياسي المقيم في نيويورك عمرو خليفة، إن "السيسى يتعامل على مستويين لا يقلان أهمية عن بعضيهما، فيما يخص صفقات السلاح الأوروبية تحديدا".
المستوى الأول وفق حديث خليفة لـ"عربي21"، هو أن "الصفقات المتكررة يستخدمها الدكتاتور، الدائم في ضراوة هجماته على حقوق الإنسان، كوسيلة لإخراس أي نقد قد يأتي من دوائر الحكومات الأوروبية".
وألمح إلى ملاحظة هامة عبر "تكثيف صفقات السلاح مع بريطانيا، فرنسا، ألمانيا، وإيطاليا، كتجسيد لهذا المعنى في الأعوام الماضية".
المستوى الثاني بحسب الكاتب المصري، هو "المستوى المحلي"، موضحا أنه "بالرغم من المصاعب الاقتصادية التي تكاد تكون كارثية، يهدف السيسي لتأمين نفسه من أخطر عدو وأهم حليف وهو: الجيش".
وختم خليفة حديثه بالتأكيد على أن "المنطق هنا أناني على أعلى المستويات ويقوم على فكرة: ملئ الجيوب بدلا من أن تطير الرقاب".
اقرأ أيضا: FP: هل تعرقل "الانتهاكات" مساعدات واشنطن العسكرية لمصر؟
"السلاح مقابل الصمت"
وخلال 9 سنوات من الانقلاب العسكري، ورغم أزمات البلاد الاقتصادية والمالية ولجوء حكوماتها إلى الاقتراض بشكل يهدد مستقبل البلاد، إلا أن النظام يواصل عقد صفقات عسكرية دون توقف من أمريكا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا والصين وروسيا وكوريا.
وكان السؤال الدائم دون إجابة هو: لماذا يشتري نظام السيسي كل هذا السلاح بمبالغ يصعب حصرها وبرغم أنه يستدين كل يوم من المؤسسات الدولية ورغم أنه يهادن إسرائيل العدو الأساسي والاستراتيجي للبلاد، وأنه لم يتخذ قرارا عسكريا بحق ملف المياه بمواجهة إثيوبيا؟.
ولم يكن يخطر ببال المصريين الذين يفرح أغلبهم بتسليح جيشهم وتقوية قواتهم المسلحة أن رأس النظام عبدالفتاح السيسي يواصل شراء السلاح من الغرب لشراء الشرعية والحفاظ على كرسيه، وفق اتفاق مسبق بين القاهرة ودول الاتحاد الأوروبي.
وفي هذا الإطار كشف موقع "ميدل إيست آي" البريطاني، في تموز/ يوليو الماضي، أن السلطات المصرية أبرمت اتفاقا سريا مع الاتحاد الأوروبي ينص على "الصمت مقابل السلاح".
الموقع حصل على مذكرة داخلية من وزارة الخارجية المصرية، توصي بشراء الأسلحة من أوروبا مقابل صمت حكوماتها عن الانتقادات لملف السيسي في حقوق الإنسان.
"لغز كبير"
وفي رؤيته لأسباب إقبال نظام السيسي على صفقة بهذا الحجم في توقيت يعاني فيه من مؤشرات الإفلاس، قال رئيس المكتب السياسي للمجلس الثوري المصري، عمرو عادل، إن "قصة شراء الأسلحة في مصر تمثل لغزا كبيرا من بداية التسعينيات".
السياسي المصري، أضاف لـ"عربي21"، أن "حجم الأسلحة وتنوعها مع الضعف الكبير في المستوى التقني والإداري الخاص بمنظومة الصيانة بمصر عموما وبالجيش خصوصا في التعامل مع هذه النوعية من الأسلحة المتطورة يجعل اللغز أكثر صعوبة".
وتابع: "يكفي أن نتعرف على حجم المعدات التي لا تعمل داخل الجيش لندرك حجم المأساة"، موضحا أنه "بسؤال أي فرد داخل الجيش عن مستوى الكفاءة الفنية المزري للأسلحة والمعدات؛ لن يخفي أحد حجم الكارثة".
ويعتقد عادل، أن "غياب العدو أو على الأقل عدم معرفتنا به كشعب مصر يجعلنا لا ندرك سبب هذا التكدس الهائل للسلاح من كل حدب وصوب".
ولفت إلى وجود "اهتمام أكثر بالقوات البحرية"، وهذا يشير وفق رؤيته إلى أن "العدو المحتمل للنظام المصري هي تركيا، نظرا لتحالف مصر مع الكيان الصهيوني واليونان، ولا يوجد خارج شرق المتوسط غير تركيا في هذا الحلف فهو موجه ضدهم".
ويتوقع السياسي المصري، أنه "لن يتحفظ على هذه الصفقة -لو تمت- غير الأتراك"، معتقدا أن "الوقت غير مناسب لإتمام الصفقة لأنها ستزيد من التوتر بمنطقة شرق المتوسط".
أما مسألة الوضع الاقتصادي المصري، قال عادل: "هذا سؤال أصبح في غير موضعه، فالنظام لا يهتم بمصر ولا شعبها ولا جوعه ولا فقره ولا ثرواته".
وأضاف: "فقط يعمل على بناء تحالفات تضمن له وجوده سواء بشراء الأسلحة أو بتحالفات ضد مصلحة مصر لصالح أطراف أخرى على رأسها الكيان الصهيوني ضد الأمن القومي المصري على المستوى الاستراتيجي".
ويختم بالقول إن "الجيش المصري حصل على أسلحة متطورة كثيرة منذ تسعينيات القرن الماضي، سيفاجأ الجميع أن غالبيتها أصبحت غير صالحة للقتال، ولو شاء القدر سيعرف هذا الشعب حجم الجريمة التي مورست ضده من المؤسسة العسكرية عبر عقود".
"الثالث عالميا"
ويوجد الجيش المصري في مرتبة متقدمة عالميا، ففي 17 كانون الثاني/ يناير الماضي، وضع تصنيف "جلوبال فاير باور" الجيش المصري بالمركز الـ12 عالميا بقائمة أكثر الجيوش قوة، وكأول الدول العربية والأفريقية.
وصنف معهد "ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام" (سيبري)، في 15 آذار/ مارس الماضي، مصر بالمركز الثالث عالميا كمستورد للأسلحة منذ (2015 وحتى 2021)، بحصة بلغت 5.7 بالمئة من واردات السلاح العالمية، مع زيادة 73 بالمئة عن مستوياتها من (2012 إلى 2016).
ولأن ما يقدمه السيسي من أموال لشراء الأسلحة كبير، بدا هناك صراع غربي روسي على اقتناص تلك الصفقات.
وفي هذا الإطار، قدمت واشنطن للقاهرة 3 صفقات أسلحة غير مسبوقة في تاريخ علاقات البلدين، خلال الشهور الـ5 الأولى من العام الجاري، فيما بدا أنه مسعى أمريكي جديد لاستقطاب القاهرة إلى المعسكر الغربي بعيدا عن المعسكر الروسي الصيني.
وبينما قدمت أمريكا على مدار سنوات الانقلاب أسلحة تقليدية لمصر، لحماية الحدود من الإرهاب والشواطئ من الهجرة غير الشرعية، إلا أنها أقرت 3 صفقات عالية التسليح لطائرات ذات أهمية قصوى للجيش المصري، ولا يمتلك بعضها إلا إسرائيل.
وبسبب رفض واشنطن عقد صفقات تسليح هامة اضطرت مصر لشراء السلاح من فرنسا وإيطاليا وألمانيا، وكذلك للصين وروسيا البديل الأهم لصفقات السلاح بالسنوات الأخيرة.
ولكن مع ضغوط الحرب الروسية الأوكرانية تحاول واشنطن جمع حلفائها، معلنة في 26 أيار/ مايو الماضي، عن بيع 23 طائرة هليكوبتر من طراز "شينوك 47-إف" لمصر، بـ2.6 مليار دولار.
وفي 15 آذار/ مارس الماضي، أعلن الجيش الأمريكي عزمه تزويد مصر بطائرات " F-15"، لتصبح بذلك ثاني دولة بالشرق الأوسط تجمع بين "F-16" و"F-15"بعد تل أبيب.
والسياق، وفي كانون الثاني/ يناير الماضي، أُعلن عن صفقة أمريكية لمصر لتوريد 12 طائرة نقل تكتيكي طراز سي 130 "سوبر هركليز"، بقيمة 2.2 مليار دولار، مع عدة أنظمة رادارية "إس بي إس – 48".
"صفقات لا تنتهي"
واشترت مصر 24 طائرة رافال شباط/ فبراير 2015، و4 طائرات "إف 16" الأمريكية تشرين الأول/ أكتوبر 2015، وحاملتي مروحيات من طراز الميسترال في 2016، و"ميج 29".
ومع أزمة مقتل الباحث الإيطالي جوليو ريجين في القاهرة، حاولت القاهرة إسكات غضب روما بعقد صفقات السلاح، التي بلغت خلال 2017 نحو 7.4 ملايين يورو، لتتبعها في 2018 بصفقة بلغت 69.1 مليون يورو، وفق وزارة الخارجية الإيطالية 24 حزيران/ يونيو 2019.
واتفقت القاهرة وروما في أيار/ مايو 2020، على صفقة 24 طائرة هليكوبتر عسكرية من طراز "ليوناردو" (AW149)، و8 طائرات هليكوبتر (AW189) للجيش المصري مقابل 871 مليون يورو.
لتعقدان صفقة أخرى في حزيران/ يونيو 2020، لتوريد "فرقاطتين" و4 سفن بحرية، و20 زورقا، و24 طائرة مقاتلة، و24 للتدريب؛ مقابل 11 مليار يورو.
وفي أيار/ مايو 2020، عقدت واشنطن والقاهرة صفقة تحديث مروحيات هجومية لمصر بقيمة 2.3 مليار دولار، لتعلن الأولى في كانون الأول/ ديسمبر 2020، بيع نظام جوي لمصر لحماية الطائرة الرئاسية من تهديدات الصواريخ، بتكلفة 104 مليون دولار.
بيانات صادمة.. مصر على خطى سريلانكا والإفلاس يدق أبوابها
إقبال ضعيف على القطار الكهربائي وجدل حول إنجازات السيسي
دراسة: مصر فقدت بدائل سد الفجوة الدولارية.. هل تُفلس؟