صحافة دولية

NYT: التونسيون يوافقون على دستور جديد يقوّض الديمقراطية

قالت الصحيفة إن الدستور الجديد يوجه ضربة جديدة للديمقراطية - جيتي

نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا لرئيسة مكتبها في القاهرة فيفيان يي، قالت فيه إن التونسيين أقروا دستورا جديدا يعزز حكم الرجل الواحد الذي وضعه الرئيس قيس سعيّد خلال العام الماضي، وفقا لنتائج الاستفتاء الذي صدر الثلاثاء، والذي يوجه ضربة قوية لديمقراطية بنيت بجهد هائل وآمال كبيرة بعد الإطاحة بدكتاتور البلاد منذ أكثر من عقد.

تمت الإشادة بتونس، حيث بدأت انتفاضات الربيع العربي في عام 2011، على الصعيد الدولي باعتبارها الديمقراطية الوحيدة التي نجت من الانتفاضات التي اجتاحت المنطقة. لكن هذا الفصل انتهى فعليا بإقرار الميثاق الجديد، الذي يكرس السلطة شبه المطلقة التي منحها سعيّد لنفسه قبل عام عندما علق البرلمان وأقال رئيس وزرائه.

ومع ذلك، فإن استفتاء يوم الاثنين تعرض للتقويض؛ بسبب المقاطعات الجماعية، واللامبالاة من جانب الناخبين، وتميل الخطة بشدة نحو سعيّد. تمت المصادقة على الدستور بنسبة 94.6% من الناخبين، بحسب النتائج الصادرة عن الهيئة الانتخابية.

وقال سعيّد في كلمة ألقاها لأنصاره في وسط تونس العاصمة بعد ساعات قليلة من إغلاق صناديق الاقتراع: "الجماهير التي خرجت اليوم في جميع أنحاء البلاد تظهر أهمية هذه اللحظة.. يمثل اليوم فصلا جديدا من الأمل، ويطوي صفحة الفقر واليأس والظلم".

ونفى سعيّد في تصريحاته أي توجه نحو الاستبداد. لكن الدستور الجديد سيعيد تونس إلى نظام رئاسي مثل ذلك الذي كان عليه في عهد زين العابدين بن علي، الحاكم الاستبدادي الذي أطيح به فيما يسمى ثورة الياسمين عام 2011. كما أنه يضعف البرلمان ومعظم الضوابط الأخرى على سلطة الرئيس، مع إعطاء رئيس الدولة السلطة النهائية لتشكيل الحكومة، وتعيين القضاة، وتقديم القوانين.

حافظ الدستور الجديد على معظم بنود دستور 2014 المتعلقة بالحقوق والحريات. ولكن على عكس الدستور السابق الذي يقسم السلطة بين البرلمان والرئيس، فإن الدستور الجديد ينزل من السلطتين التشريعية والقضائية إلى ما هو أقرب إلى موظفي الخدمة المدنية، حيث يمنح الرئيس وحده سلطة تعيين الوزراء والقضاة، ويضعف قدرة البرلمان على سحب الثقة من الحكومة.

بعد سنوات من الشلل السياسي، قد يؤدي الاستفتاء إلى نهاية الديمقراطية الفتية التي اعتبر العديد من التونسيين أنها فاسدة وغير ملائمة على الإطلاق لضمان الخبز والحرية والكرامة - وهي المُثل التي هتفوا لأجلها في عام 2011.

ولكن مع انخفاض نسبة الإقبال عند حوالي 30%، وقاطعت معظم الأحزاب السياسية الكبرى التصويت لتجنب إضفاء مزيد من الشرعية عليه، يقف سعيّد الآن على أرض زلقة، وقدرته على تنفيذ المزيد من الإصلاحات مشكوك فيها.

وأشار المتحدث باسم وزارة الخارجية، نيد برايس، إلى انخفاض نسبة المشاركة في الاستفتاء، والقلق بين مجموعات المجتمع المدني بشأن العملية، بما في ذلك "الافتقار إلى عملية شاملة وشفافة ونطاق محدود للنقاش العام الحقيقي في أثناء صياغة الدستور الجديد".

وقال برايس في إفادة صحفية يومية: "نلاحظ أيضا المخاوف من أن الدستور الجديد يتضمن ضوابط وتوازنات ضعيفة يمكن أن تعرض للخطر حماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية".

دفع عدم قدرة النظام الديمقراطي على توفير وظائف جيدة وتوفير الطعام، وإزالة الفساد المنتشر أو إنتاج إصلاحات تشتد الحاجة إليها، العديد من التونسيين إلى التطلع إلى سعيّد من أجل الإنقاذ. تم انتخاب أستاذ القانون الدستوري السابق لمنصب الرئاسة في عام 2019 إلى حد كبير؛ لأنه كان دخيلا على السياسة.

بحلول عام 2021، ربط ثلثا التونسيين الديمقراطية بعدم الاستقرار والتردد والاقتصاد الضعيف، وفقا لدراسة لشبكة الباروميتر العربي البحثية.

عندما استولى سعيّد على السلطة قبل عام، اندلعت الاحتفالات في شوارع العاصمة تونس. وأظهرت استطلاعات الرأي أن الغالبية العظمى من التونسيين يؤيدون أفعاله، حتى عندما وصفها المعارضون والمحللون بأنها انقلاب. لكنه أعلن أن الاستيلاء على السلطة ضروري لتحقيق الأهداف التي لم تتحقق منذ فترة طويلة للثورة وتخليص البلاد من الفساد.

قال رافا بعويندي، 50 عاما، موظف في أحد البنوك، أدلى بصوت "نعم" في وسط تونس يوم الاثنين: "إذا حدثتني عن الديمقراطية أو حقوق الإنسان وكل تلك الأشياء، فإننا لم نشهد أيا منها في السنوات العشر الماضية، ما يحدث اليوم، أسميه حقبة جديدة، بمعنى جيد. لا يمكن أن يكون أسوأ مما كان عليه خلال العقد الماضي".

وقال إنه لا يمانع في تركيز الدستور للسلطات في يد الرئيس. قال: "القارب يحتاج قبطان واحد.. أنا شخصيا أحتاج قبطانا واحدا".

بالنسبة إلى المؤيدين، كان الحافز الإضافي للتصويت على دستور سعيّد الجديد هو الخوف من عودة حزب النهضة، الحزب السياسي الإسلامي الذي هيمن على البرلمان قبل أن يحله سعيّد، إلى السلطة. أذكى سعيّد وداعموه هذا الخوف الذي طال أمده بين التونسيين العلمانيين خلال الفترة التي سبقت الاستفتاء.

ومع ذلك، فإن الإقبال المنخفض يعكس ضعف الدعم الشعبي لسعيّد خلال العام الماضي، حيث تراجع الاقتصاد، وازدهر الفساد، وازداد استبداد الرئيس.

شكك التونسيون في تركيزه قبل كل شيء على وضع دستور جديد وإجراء إصلاحات سياسية أخرى، في وقت كانت فيه الحكومة تكافح لدفع الأجور، وارتفعت أسعار الخبز والسلع الأساسية الأخرى نتيجة للحرب في أوكرانيا، ولا تزال الوظائف اللائقة بعيدة المنال بالنسبة للعديد من التونسيين.

فقد سعيّد المزيد من الدعم عندما بدأ في الحكم بشكل حصري تقريبا، وسجن المعارضين والمنتقدين، واستخدم المحاكم العسكرية لمحاكمتهم، ووضع قيودا على وسائل الإعلام الإخبارية، والسيطرة على الهيئات المستقلة سابقا مثل مجلس الرقابة القضائية الأعلى في البلاد وسلطة الانتخابات.

تجاهل جميع التونسيين باستثناء حوالي نصف مليون دعوات سعيّد للمشاركة في استطلاع عبر الإنترنت حول مستقبل البلاد. لكن المعارضة ظلت مجزأة، وفشلت في تقديم بدائل ذات مصداقية للتونسيين الذين لديهم مخاوف بشأن سعيّد.

 

اقرأ أيضا: معلقا على استفتاء تونس.. بوريل: "الشرعية" تتوقف عند الإجماع

ومع ذلك، فإن تمرير الاستفتاء -إذا لم يكن بأي حال من الأحوال النصر المدوي الذي كان يأمل فيه سعيّد- كان متوقعا على نطاق واسع. عين سعيّد مجلس إدارة سلطة الانتخابات المستقلة سابقا، وكذلك اللجنة التي صاغت الدستور الجديد، ولم يكن هناك حد أدنى من المشاركة مطلوب لتمرير الاستفتاء.

قال أولئك الذين شنوا حملة ضد الاقتراح إن العملية برمتها كانت تميل إلى جانب "نعم"، حيث دعا وزراء الحكومة التونسيين إلى دعم الدستور الجديد ووسائل الإعلام التي تمولها الدولة، والتي أبرزت إلى حد كبير الأصوات المؤيدة لسعيّد.