كتاب عربي 21

للكراهية يوم وسدنة

1300x600
جعلت الأمم المتحدة من 18 من حزيران/ يونيو يوما عالميا لنبذ خطاب الكراهية، ولأن الفاضي يعمل فيها قاضي، أي إن الشخص الذي بلا عمل جاد يؤديه، يميل إلى الفتيا حول كل شيء ولا شيء، فهناك الآن 136 يوما عالميا برعاية الأمم المتحدة، من بينها يوم السعادة، ويوم النوم، ويوم موسيقى الجاز. وإلى جانب مشغولياتها الهائلة بتلك الأيام، فإن الأمم المتحدة وعلى لسان أمينها العام متخصصة في القلق، فما من مشكلة تطرأ في مكان ما في العالم، إلا وسارعت الأمم المتحدة للإعراب عن قلقها، مما حدا بمواطن عربي للإعلان عن أهليته لأعلى من منصب في المنظمة الدولية؛ من منطلق أنه قلق ويشكو من القلق على مدار الساعة.

خطاب الكراهية ‏ مصطلح حقوقي فضفاض، مقصود به أي عبارات تؤيد التحريض على إلحاق الضرر بمجموعة اجتماعية أو سُكانية، تكون عادة من الضعفاء والأقليات. وفي عالمنا المعاصر فإن العرب والمسلمين في صدارة المستهدفين بخطاب الكراهية ذي المنشأ الغربي، وكانت نقطة البداية في القرن الخامس عشر عندما سقطت غرناطة، وتعرض المسلمون والعرب في الأندلس/ إسبانيا إلى شتى ضروب التنكيل عبر محاكم التفتيش، وأرغم بعضهم على اعتناق المسيحية، بينما تم طرد الآلاف منهم إلى شمال أفريقيا.
خلال العقود الأربعة الأخيرة، تعرض العرب والمسلمون لخطاب كراهية منهجي في أوروبا والولايات المتحدة، ثم تحول الأمر إلى استهداف ودعوات استئصال علنية عبر المنابر الإعلامية

وخلال العقود الأربعة الأخيرة، تعرض العرب والمسلمون لخطاب كراهية منهجي في أوروبا والولايات المتحدة، ثم تحول الأمر إلى استهداف ودعوات استئصال علنية عبر المنابر الإعلامية، بل إن الأصوليين العلمانيين في تركيا، من باب التزلف لأوروبا، جرّدوا مروة قاوقجي من عضوية البرلمان الذي دخلته بالانتخاب الحر عام 1999؛ لأن مظهرها العام "غير أوروبي" ومن ثم غير حضاري؛ لأنها محتشمة في لبسها ومحجبة، ثم تخلصت حكومة سليمان ديمريل من "عار" انتساب امرأة متخلفة لتركيا، فجردتها من جنسيتها التركية.

أما في فرنسا التي هي مسقط رأس الديمقراطية الليبرالية، فحجاب المرأة المسلمة تمييز ضد الآخرين، وها هي الضجة تعلو مجددا ضد لباس الاستحمام النسائي المحتشم بعض الشيء (البوركيني، وهي كلمة هجين تجمع بين البرقع والبكيني)، فطالما أن المسلمات ابتدعنه، فلا بد أن يكون "خطرا على الوحدة الوطنية والقيم الفرنسية".
أما في فرنسا التي هي مسقط رأس الديمقراطية الليبرالية، فحجاب المرأة المسلمة تمييز ضد الآخرين، وها هي الضجة تعلو مجددا ضد لباس الاستحمام النسائي المحتشم بعض الشيء (البوركيني، وهي كلمة هجين تجمع بين البرقع والبكيني)

ومن عجب، أن أكثر دول العالم بغيا وعدوانا على الآخرين (الولايات المتحدة)، لا مكان فيها لما يسمى بخطاب الكراهية، فبحجة أن التعديل الأول للدستور يكفل حرية التعبير، فمن حق أي أمريكي أن يلعن الإسلام والمسلمين ويرميهم بكل سيئة ورذيلة، وينادي بطردهم من البلاد وإبعادهم من الوظائف العامة، ومن ثم صارت الإسلاموفوبيا (رهاب الإسلام) جائحة في الولايات المتحدة، ويجري تغذية هذا الرهاب بعرض صور نمطية عنيفة وغير حضارية للإسلام في أشكال مختلفة من وسائل الإعلام الأمريكية والبرامج السياسية، مما يؤدي إلى التهميش والتمييز والإقصاء للمسلمين، بل "ومن يُعتقد أنهم مسلمون".

واستهداف واستعداء المسلمين في الولايات المتحدة بخطاب الكراهية (وهو ليس بذلك في نظر القانون الأمريكي)، صارت تضطلع به مؤسسات ومنظمات ذات موارد مالية ضخمة، ووفقا لاستطلاعات الرأي، فإن 63 في المئة من الأمريكان يسيئون الظن بالإسلام والمسلمين. ويشير تقرير لباحثين من جامعة كاليفورنيا في بيركلي ومجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية، إلى أنه تم تخصيص 206 ملايين دولار لـ33 مجموعة، هدفها الرئيس هو "تعزيز التحيز ضد أو الكراهية للإسلام والمسلمين" في الولايات المتحدة بين عامي 2008 و2013. وكانت تلك فقط ضربة البداية، فقد ارتفع عدد المنظمات والجمعيات التي تروج لكراهية المسلمين إلى 72 في عام 2020، وبعضها يملك محطات تلفزة وإذاعات مخصصة لتعزيز الإسلاموفوبيا.
العنف المفرط الذي مارسه تنظيم القاعدة ومن بعده داعش ضد أطراف أوروبية وأمريكية، ساهم في تكريس الإسلاموفوبيا، ولكن الغرب كال بمكيالين في هذا الخصوص

ومعلوم أن العنف المفرط الذي مارسه تنظيم القاعدة ومن بعده داعش ضد أطراف أوروبية وأمريكية، ساهم في تكريس الإسلاموفوبيا، ولكن الغرب كال بمكيالين في هذا الخصوص، حيث رمى الأغلبية بجريرة قلة قليلة جدا جدا، فالحزب النازي في ألمانيا تسبب في هلاك 60 مليون شخص، ومع هذا لم يصم أحد الألمان "من طرف" بالإرهاب، والأوروبيون والأمريكان هم من غزوا عشرات الدول وأذلوا أهلها وسرقوا مواردها وقتلوا الملايين، وهم من أنشأ الشركات العملاقة للاتجار بالبشر (الرق)، وجلبوا ملايين الأفارقة إلى بلدانهم، وكلفوهم بممارسة أكثر الأعمال صعوبة ووضاعة، ثم كرسوا المنابر والمعابد لإثبات أن الأرقاء ليسوا بشرا أسوياء، ومن ثم لا "حقوق إنسان" لهم، ثم نصبت حكوماتهم نفسها في العشرية الثالثة من القرن العشرين مُناهِضة لتجارة الرقيق، تماما كما ابتدعوا القرصنة البحرية ومارسوها لقرون ثم أصدروا القوانين بتجريمها وتحريمها.

وهكذا هم الغربيون، يرتكبون جرائم بشعة بحق الشعوب، ثم يصبحون سدنة معبد الكراهية الموجهة لتلك الشعوب، ثم ينصبون أنفسهم أوصياء على حقوق الإنسان والحيوان، وكل ذلك وهم يواصلون إلصاق أبشع التهم بتلك الشعوب؛ لأنهم -الغربيين- من فئة "ضربني وبكى وسبقني واشتكى".