اقتصاد عربي

ما أسباب الهبوط القياسي للجنيه المصري؟.. "تداعيات مخيفة"

تراجع الجنيه المصري مقابل الدولار إلى أدنى مستوى له في 5 سنوات- جيتي

أثار تراجع الجنيه المصري مقابل الدولار إلى أدنى مستوى له في 5 سنوات، وهبوطه إلى مستويات متدنية مقابل غالبية العملات الأجنبية الرئيسية مخاوف حول مستقبل الاقتصاد المصري.

وهبط الجنيه المصري مقابل الدولار خلال تعاملات الأربعاء إلى 18.62 جنيها للشراء، و18.71 جنيها للبيع، مقابل 18.59 جنيها للشراء، و18.67 جنيها للبيع، في الجلسة السابقة، وفق موقع البنك المركزي المصري، وهو أدنى مستوى له منذ 2 شباط/ فبراير 2017.

وواصل الدولار ارتفاعه مقابل الجنيه المصري في تعاملات صباح الخميس، لدى تعاملات البنوك وشركات الصرافة، حيث بلغ وفق بيانات موقع البنك المركزي المصري، 18.64 جنيها للشراء، و18.72 جنيها للبيع، مقابل 18.62 جنيها للشراء، و18.71 جنيها للبيع، الأربعاء.

وفي السياق ارتفع سعر اليورو في مصر الخميس، ليسجل 19.99 جنيها للشراء، و20.06 جنيها للبيع، فيما تباينت أسعار عملة الاتحاد الأوروبي مقابل الجنيه، حيث سجلت لوحة بنك مصر 19.97 للشراء، 20.08 للبيع.

والخميس، أيضا، ارتفع متوسط سعر الريال السعودي، حسب موقع البنك المركزي المصري، إلى 4.97 جنيهات للشراء، و4.99 جنيهات للبيع، مقابل 4.96 جنيهات للشراء، و4.98 جنيهات للبيع، الأربعاء.

وانخفض الجنيه المصري بمقابل الدولار من حدود 6 جنيهات حتى لامس مستوى 19 جنيها خلال 9 سنوات، فيما كانت أشد محطاته تعثرا إثر قرار تعويم الجنيه وتحرير سعر الصرف في تشرين الثاني/ نوفمبر 2016، في محاولة لحصول البلاد على قرض بـ12 مليار دولار من صندوق النقد الدولي.

لتأتي المحطة الثانية الأشد قسوة على الجنيه، بقرار البنك المركزي المصري في 21 آذار/ مارس الماضي، تخفيض قيمة العملة المحلية بنحو 17 بالمئة، ليواصل الجنيه سلسلة انخفاضاته المتتالية بمقابل جميع العملات الأجنبية.

لكن، الارتفاع الرسمي للدولار وباقي العملات الأجنبية مقابل الجنيه المصري يأتي في وقت تعاني فيه البلاد من نقص حاد في العملات الأجنبية، وسط تراجع حاد للاحتياطي النقدي لدى البنك المركزي، وهروب نحو 20 مليار دولار من الأموال الساخنة منذ شباط/ فبراير الماضي.

وكذلك يأتي، وسط حاجة البلاد إلى النقد الأجنبي لاستيراد السلع الأساسية والاستراتيجية كالقمح الذي تواجه القاهرة مشكلة في توفيره منذ الحرب الروسية الأوكرانية 24 شباط/ فبراير الماضي، إلا أن المشكلة الأكبر هي أن البنوك الحكومية ترفض توفير الدولار للمستوردين الذين يلجأون إلى السوق الموازية لتدبير حاجتهم من النقد.

 

اقرأ أيضا: التضخم بمصر يرتفع للشهر السادس.. قفز إلى 15.3 بالمئة

وفي السوق السوداء التي تحاربها الحكومة المصرية بكل الطرق وتقوم بتوقيف العديد من المتعاملين فيها؛ وصل سعر الدولار مقابل الجنيه مستويات قياسية غير مسبوقة، وهو ما يزيد من فاتورة استيراد الخامات والسلع ويرفع أسعار السلع والمنتجات على المواطنين، الذين يعانون من انفجار نسب التضخم ووصولها في نيسان/ أبريل 14.9 بالمئة.

ويأتي ارتفاع سعر الدولار القياسي وتراجع الجنيه أيضا إثر قرارات حكومية برفع قيمة الدولار الجمركي من 17 جنيها إلى 18.64 جنيها مطلع حزيران/ يونيو الجاري، مع فرض تعريفة جمركية جديدة ورفعها على العديد من السلع المستوردة الثلاثاء الماضي، ما يزيد من أعباء المستوردين وبالتالي وضع تلك القيم الزائدة على فاتورة بيع سلعهم.  

ومن بين الأزمات الحالية التي قد ترفع الطلب على الدولار وزيادة سعره مقابل الجنيه وفق مراقبين، تراجع العملات الأجنبية بأرصدة الاحتياطي الأجنبي، بنحو 1.629 مليار دولار، لتبلغ 35.5 مليار دولار نهاية آيار/ مايو الماضي، بدلا من 37.129 مليار دولار في نيسان/ أبريل الماضي، وفق إعلان البنك المركزي المصري.

وأيضا، تراجع أرصدة الذهب المدرج بالاحتياطي النقدي إلى 7.398 مليار دولار نهاية آيار/ مايو الماضي مقارنة مع 7.597 مليار دولار في نيسان/ أبريل الماضي، وانخفاض حقوق السحب الخاصة "SDRs" من 198 مليون دولار في إلى 51 مليونا.

ذلك التراجع أرجعه بيان المركزي المصري بسداد المدفوعات المرتبطة بالديون الخارجية على مصر والمستحَقة في آيار/ مايو الماضي، والتي بلغت ملياري دولار.

"فقدان الاستقرار"

وفي رؤيته للنتائج والآثار الاقتصادية المترتبة على انخفاض الجنيه مقابل الدولار لمستوى قياسي، يرى أستاذ إدارة الأعمال بجامعة (AITU) الأمريكية، سمير الوسيمي، أن "إشكاليات الاقتصاد وتحدياته وغيرها من الأمور السلبية هي من الآثار والنتائج لإشكالية أكبر".

الأكاديمي بالمعهد الأوروبي لحوكمة الشركات (ECGI)، أوضح في حديثه لـ"عربي21"، أن تلك الإشكالية "هي فقدان مصر للاستقرار وبخاصة على المستوى السياسي"، مشيرا إلى أن "غياب الاستقرار يأكل وينخر في موارد الدولة ومن ثم وقوع إشكاليات وتحديات الاستدامة".

 

اقرأ أيضا: ماذا يعني تغير النظرة المستقبلية لاقتصاد مصر إلى "سلبية"؟


ولفت إلى أن "هذا من أخطر ما تواجهه مصر حاليا؛ حيث المخاطر المستقبلية ذات العلاقة بإهدار ثرواتها ومواردها البشرية والفكرية والمالية، حتى وصل الأمر إلى شريان حياتها وهي المخاطر التي يتعرض لها نهر النيل في ضوء إنشاء سد النهضة الإثيوبي".

الوسيمي، أعرب عن أسفه من أن "المخاطر التي تقع من جراء انخفاض سعر الجنيه المصري أمام الدولار الأمريكي يتأثر بها بالدرجة الأولى المواطن العادي قليل الدخل قليل المدخرات".

وبين، أن "وقوع التضخم ومن ثم ارتفاع أسعار السلع والخدمات لا يستطيع مواجهة كل ذلك، خاصة مع تكراره مرات عديدة على مدار السنوات الماضية، ناهيك عن تآكل القيمة الفعلية لمدخرات المصريين بالعملة المحلية، وإشكاليات عديدة أخرى تتعلق بالدين وخاصة الخارجي".

اقتصاد السلطة

وفي إجابته على التساؤل: إلى أين يسير الاقتصاد مع انخفاض الجنيه بجانب القرارات الحكومية المثيرة؟ أكد أن "مشكلة اقتصاد مصر حاليا أنه موجه باتجاه السلطة الحاكمة ورغباتها واحتياجاتها هي ومن وجهة نظرها هي؛ وأنه ليس موجها بالدرجة الأولى إلى الوطن والمواطن".

وأضاف: "ومن ثم نجد سياسات عامة متخبطة، وتطبيقات الإدارة العامة في مصر لم تعد تواكب أي تطور يحدث عالميا في هذا المنهج، ولهذا أتوقع مزيدا من التخبط الاقتصادي وارتفاعا في مستويات الدين العام إلى مستويات غير مسبوقة".

وقال إن "هذا حادث حاليا ومرشح للارتفاع، ولكن الأهم والأخطر هو عدم التحسن في حياة المصريين والتي هي أساس وفلسفة الحكم، هذا في حالة أن السلطة تبني سياساتها العامة باتجاه الوطن والمواطن وهو ما لا أراه حاليا في مصر".

 

اقرأ أيضا: الجنيه المصري يقترب من أدنى مستوى له في 5 سنوات

"الموقف خطير"

من جانبه قطع الخبير الاقتصادي علي عبد العزيز بخطورة الموقف، قائلا: "لا شك أن أثر ارتفاع الدولار على حياة المصريين كبير".

وأوضح في حديثه لـ"عربي21"، أن "مصر تعتمد على الدولار لتوفير أكثر من 70 بالمئة من احتياجاتها سواء الغذائية أو التصنيعية أو السلع الكاملة بقيمة وصلت لأكثر من 80 مليار دولار في العام".

وأكد أنه "وبالتالي ارتفاع الدولار يؤدي لارتفاع التضخم بشكل كبير فقد وصل لـ 33 بالمئة في 2017 بعد تخفيض قيمة الجنيه في تشرين الثاني/ نوفمبر 2016، ولا زال المصريون يعانون من ذلك حتى الآن حيث ثبات أو شبه ثبات دخلهم وبالتالي دخل ملايين منهم دائرة الفقر والحاجة".

أستاذ الاقتصاد بجامعة الأزهر، تابع: "ومع الارتفاعات المتوقعة خلال 2022، والتي توقعتها منذ 2020، بأن سعر الصرف سيصل إلى 50 جنيها بناء على فجوة مقدرة 50 مليار دولار؛ فإن حياة المصريين ستزداد بؤسا وفقرا".

"هذا في وقت التضخم وصل إلى 15 بالمئة بسبب وقف الإعتمادات المستندية وارتفاع الدولار 17 بالمئة خلال آذار/ مارس الماضي، والاضطرابات الخارجية كالحرب في أوكرانيا واضطراب سلاسل التوريد والعقوبات على روسيا".

"فشل وفساد"

ويرى عبد العزيز، أن "قوة أو ضعف العملة المحلية إن لم يكن في إطار خطة اقتصادية ومستهدفات تنمية للصادرات وتحقيق مزايا تنافسية؛ فإن الأمر هنا لا يخرج عن كونه فشلا وفسادا من النظام، فالدولار للمصريين ثروة محدودة يبذلون الكثير من أجل توفيرها من مغتربين، ومصدرين، وقروض يدفع الجميع تكلفتها".

وتساءل: "وفي المقابل؛ ماذا فعل إنفاق السيسي 400 مليار دولار على مشروعاته؟ وعلى أوجه إنفاق ما كانت لتتم في هذا الوقت المحدود، أو ما كان الشعب يحتاجها الآن كتفريعة قناة السويس مثلا وكالعاصمة الإدارية وكالقطار الكهربي وكمحطة الضبعة النووية وكواردات السلاح".

الخبير المصري، أكد أن "كل هذه الأوجه أهدرت عشرات المليارات من الدولارات في ظل غياب تام للشعب عن المشاركة في السلطة أو مراقبتها وكأن مصر يحكمها محتل".

وبين أن "الفجوة الدولارية تزداد، والاعتماد على دعم 12 مليار دولار من الخليج، أو قرض من صندوق النقد بقيمة 10 مليارات دولار، أو بيع الأصول الحكومية، أو طرح سندات وصكوك بقيمة 5 مليارات دولار، في ظل إلتزام سنوي خارجي 20 مليار دولار، وواردات شهرية 7 مليارات دولار، لن تصل للحد الذي يغطي حتى 50 بالمئة من الفجوة".

وختم حديثه: "وبالتالي الآن، إن لم يتغير النظام أو يغير سياساته؛ فإن هناك المزيد من ارتفاعات الدولار فوق سعر الـ 50 جنيها، ومزيدا من توقف الاستيراد وتوقف المصانع وتسريح العاملين، فقد شهد مؤشر مديري المشتريات انكماشا للشهر الـ18 على التوالي، ووصل 47 نقطة، ولا أعتقد أن هناك تحسنا ما دامت سياسات الإنفاق الحالية قائمة".