مقابلات

مكي: "لوبي الفساد" يحول دون استرداد أموال مصر المنهوبة

مكي قال: "لا أحد يمكنه التصدي لملف الفساد واسترداد الأموال المنهوبة؛ لأنه كان بتواطؤ ورعاية رسمية- عربي21

قال وزير العدل المصري الأسبق، المستشار أحمد مكي؛ إن أهم الملفات التي عمل عليها خلال فترة وجوده بوزارة العدل، كان ملف استرداد الأموال المهرّبة إلى الخارج من قِبل رموز نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك؛ فقد كان "همّي الأول هو استرداد تلك الأموال، وطلبت الاطلاع على تفاصيل هذا الملف في أول يوم عمل لي داخل ديوان الوزارة".


وأضاف، في مقابلة خاصة مع "عربي21": "حينما دخلت وزارة العدل، سعيت جاهدا لمعرفة مصدر تلك المعلومات المتعلقة بالأموال المنهوبة، وحاولت الاستعانة بشخصين من أصدقائي هما: رئيس جهاز الكسب غير المشروع آنذاك، المستشار المرحوم يحيى جلال، ورئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، المستشار هشام جنينة، لمحاولة تقصي الحقيقة والوقوف على حجم الأموال المنهوبة".


وأوضح مكي أنهم اكتشفوا لاحقا أنه "تكاد تكون كل الأجهزة في الدولة مُلوثة وكلها مستفيدة من الفساد، وأكاد أشك أنه لا يوجد أحد تولى موقع مسؤولية في الدولة المصرية، إلا وقد حصل على أموال لنفسه"، منوها إلى أنه "لا أحد يمكنه التصدي لملف الفساد واسترداد الأموال المنهوبة، لأنه كان بتواطؤ ورعاية رسمية بصورة أو بأخرى".


لوبي الفساد


وشدّد على أن هناك "لوبي فساد متوحش داخل الدولة العميقة، يحول دون استرداد الأموال المنهوبة، وربما يكون هذا اللوبي أقوى من الدولة نفسها.. والسلطة المصرية نهيبة (منهوبة) بالمعنى الحرفي للكلمة"، متابعا: "لو بحثنا في بنوك سويسرا أو بريطانيا، وغيرهما، فسنجد أسماء لم نكن نتخيل مطلقا أن يكون لها أموال في هذه البنوك، سواء منذ أيام مبارك أو بعده".


وتابع: "المستشار جنينة طلب الاطلاع على حسابات الشرطة، واتضح له حصول الكثير من المخالفات الخطيرة، التي من بينها حصول ضباط الشرطة على أموال بملايين الجنيهات، دون أن تكون هناك أي إيصالات أو مستندات رسمية بذلك، بالإضافة إلى حصول بعضهم على آلاف الأفدنة في أراضي الحزام الأخضر حول مدينة 6 أكتوبر بمحافظة الجيزة، بينما لم تحدث أي تحقيقات جادة فيها حتى ماتت هذه القضية وغيرها".

 

 

وأردف: "المستشار جنينة كان قد بدأ يدقق في حسابات الوزارات المختلفة، وتحديدا في تصرفات جهاز بيع الأراضي، وبدأ يشير إلى أن هناك ملايين كثيرة تم إهدارها، وحديثه عن حجم الفساد هو الذي أدى في النهاية إلى عزله من منصبه ثم سجنه لاحقا".


وأشار مكي إلى أنه "لا أحد يعرف كم تبلغ قيمة هذه الأموال المنهوبة سواء في الخارج أو الداخل، ولا نعلم كيفية استردادها؛ فلا توجد لدينا جهة أو أجهزة يمكنها تحديد حجم تلك الأموال المنهوبة، بل إنه لم تكن هناك أي جهة أو مؤسسة في الدولة تقدم لنا أي مساعدات من أي نوع في هذا الصدد على الإطلاق، بل كانت تعيقنا عن العمل".


كما لفت إلى أنه "لم تكن هناك أي جهة في الخارج تقوم بالكشف عن هذه الأموال، علما بأن الدول المستقبلة للأموال المهرّبة للخارج مستفيدة من وجود مثل هذه الأموال لديها، التي باتت من بين أهم مصادر دخلها القومي، والتي تقوم باستثمارها في بلادها بطبيعة الحال".


دعم خارجي


وأكد وزير العدل المصري الأسبق، أن "الجهات الدولية عادة ما تضع عقبات وعراقيل في طريق استردادها، منها اشتراط إصدار حكم محلي نهائي، يثبت عدم مشروعية هذه الأموال، وتتشدّد على أن تكون المحاكمات عادلة، وأن يكون القضاء مستقلا".


وقال: "في أثناء عملي على هذا الملف، اكتشفت أن الدول التي بها أموال الرموز السياسيين أصحاب النفوذ - كسويسرا وبريطانيا وغيرهما-، مستفيدة وداعمة بقوة للفساد، ولا يستطيع حاكم فاسد الاستيلاء على السلطة أو الأموال في أي دولة من دول العالم الثالث، إلا إذا كان يتلقى دعما واضحا من هذه الدول الخارجية".


وأضاف: "حينما تباحثنا سابقا مع هذه الدول خلال فترة وجودي بالوزارة، انتهينا إلى أن تقوم تلك الدول بالتحري عن سلامة الأموال الموجودة لديها، فإن تبين لها أنه لا يوجد لها مسار مشروع تقوم بردها بنفسها، وكنّا بصدد تعديل اتفاقية الفساد في هذا الشأن، وتنظيم إجراءات رد الأموال على هذا النحو، لكن تلك الجهود والمحاولات فشلت للأسف".

 

اقرأ أيضا: عائلة معارض معتقل تقوم بحملة للكشف عن الوجه الفظيع للسيسي

وتابع: "طالبنا هذه الدول بأن تعلن عن حجم أموال المسؤولين السابقين الموجودة لديها، وحاولت تعديل اتفاقية منع الفساد على هذا النحو، وتناقشت مع وزير الدولة للشؤون الخارجية البريطاني، ووافقني الرأي في ذلك، حيث أخبرته بأننا لا يمكننا استصدار أحكام بخصوص الأموال المنهوبة، إلا بعدما نعرف بداية كم تبلغ قيمة هذه الأموال، وطالبته بمساعدتنا عبر توجيههم أسئلة لأصحاب هذه الأموال حول مصادر حصولهم عليها، كنوع من تنفيذ قانون (من أين لك هذا؟)، على أن تتبناه الدول التي تلقت هذه الأموال".


فساد مفرط للغاية


وشدّد على أن "حجم الفساد في الدولة المصرية مفرط للغاية للأسف، وهو ما يشمل رؤوس الدولة والمتنفذين فيها؛ فعلى سبيل المثال كانت هدايا الصحف القومية تغطي عشرات الأشخاص من مؤسسات الدولة كافة، واكتشفنا تورط أناس لم نكن نتخيل أنهم يأخذون هبات مختلفة؛ كهواتف باهظة الثمن للرئيس مبارك وزوجته، والكثير من الوزراء والضباط ومختلف المسؤولين، علما بأن هذه الصحف كانت تتكبد خسائر كبيرة، وفي الوقت نفسه تمنح تلك الهدايا الباهظة للمسؤولين".


وأشار مكي إلى أنه "لا توجد أي ضغوط مصرية على سويسرا، أو غيرها من الدول، من أجل رد الأموال المنهوبة؛ فخلال الفترة القصيرة التي أعقبت ثورة يناير، كنّا نتحدث بقوة في هذا الملف، وكان لنا صوتا مسموع لدى تلك الجهات الدولية التي كانت تخشانا حينها، وذلك على اعتبار أن مصر كانت بصدد الدخول في زمام الدول الديمقراطية، بخلاف الحال اليوم تماما".

 

واستطرد وزير العدل الأسبق قائلا: "القضاء المصري قام بتبرئة هؤلاء المتهمين الذين حصلوا على براءات في معظم- إن لم يكن كل- قضاياهم، ومن ثم فبأي حق للدولة المصرية أن تطالب باسترداد تلك الأموال المنهوبة".


المستفيد الأول من الفساد


واستطرد مكي قائلا: "كل الطبقة الحاكمة بكل أسف كانت تنهب أموال الدولة، وخاصة ممن هم في الأجهزة الرقابية، بل إن معظم أجهزة الرقابة هي المستفيد الأول من الفساد المستشري في جسد الدولة".


وأشار إلى أنه "خلال مؤتمر وزراء العدل العرب، الذي انعقد في القاهرة خلال شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 2012، طرحت ملف الأموال المنهوبة وتحدثت عن اتفاقية مكافحة الفساد، إلا أنني فوجئت باعتراض ممثلي دولتي الإمارات والسعودية، وذلك على اعتبار أنهما من مستقبلي تلك الأموال".


أموال أسرة مبارك


وحول إعلان جمال مبارك، نجل الرئيس المخلوع حسني مبارك، قبل أيام براءة أسرته من وجود أموال مهربة لها في الخارج، قال: "الحقيقة ليست كما قال؛ فببساطة علينا أن نسأله: من أين لكم هذا يا جمال؟، وكم تبلغ ثروة أسرتكم؟ وما مصادر هذه الأموال؟ وهذا لا يقتصر عليهم فقط، بل ينسحب على مسؤولين كثيرين جدا وشخصيات أخرى متنفذة".


واستطرد قائلا: "جمال يقول إنه أخذ حكما من محكمة العدل الأوروبية بإلغاء تجميد أموال وأصول أسرته، لكن هل هذه هي كل الأموال أم إنها أكثر من ذلك؟ وهل أموال رجل الأعمال حسين سالم مثلا هي أمواله أم أموال مبارك أم أموال المخابرات؟ وكيف ومتى حصلوا عليها، ومَن هم شركاؤهم؟".

 

اقرأ أيضا: محكمة مصرية تعاقب أبو الفتوح وعزت بالسجن المشدد 15 عاما

وتابع: "في إحدى المرات، سألت السفيرة الأمريكية السابقة في القاهرة آن باترسون: هل مبارك نهب بالفعل؟ أجابتني: بالفعل، لكنه نهب 2 مليون دولار فقط، فأخبرتها بأن هناك أقاويل حول نهبه 70 مليار دولار، فطلبت أن نبحث نحن عن هذا"، مضيفا: "99% من حكام مصر يعتمدون بالأساس على الدعم الخارجي لهم، إن لم يكونوا عملاء للخارج، وبالتأكيد الخارج يساعدهم كثيرا ويستفيد من الأموال التي ينهبونها ويتواطأ على ذلك".


أما بخصوص اللجان الثماني (رسمية وشعبية) التي شكّلتها مصر عقب اندلاع ثورة يناير لمتابعة استرداد الأموال المنهوبة لنظام مبارك خلال السنوات الماضية، أردف: "هذه اللجان لا أعرف عنها شيئا، ولم يكن لها أي دور حقيقي أو جاد، بل كانت أقرب للشو الإعلامي، وأعضاؤها كانوا يسافرون للخارج على نفقة الدولة المصرية لإقناع الآخرين برد الأموال المنهوبة، وهو ما يمكن اعتباره تهريجا سياسيا".


سرقة أموال القروض


واستشهد مكي بالاستقالة التي تقدمت بها كبيرة اقتصاديي البنك الدولي ونائبة رئيسه لاقتصاديات التنمية، بيني غولدبيرغ، في شباط/ فبراير 2020، من منصبها الرفيع على خلفية رفض إدارة البنك الدولي نشر ورقة بحثية تدقّق العلاقة بين القروض والمساعدات الممنوحة منه إلى بعض الدول وما يتدفق من هذه البلدان من أموال إلى ملاذات ضريبية في الخارج.


وكانت الورقة البحثية، التي رُفض نشرها آنذاك، تؤكد أن مسؤولين متنفذين في 22 دولة تقريبا، كانوا يسرقون المساعدات المقبلة من البنك الدولي، ويتزامن توزيع تلك المساعدات من زيادة أرصدة هؤلاء في عدد من البنوك الخارجية.


فيما عبّر مكي عن أسفه لأن "ملف استرداد الأموال المهرّبة إلى الخارج أُغلق تماما على أرض الواقع، رغم خطورته الكبيرة"، مردفا: "استرداد الأموال مسألة سياسية بحتة ، بينما لا توجد أي إرادة سياسية لذلك؛ فالمقصود هو إسكات الحديث وإيقاف الجهود عن هذا الملف".


وأضاف: "أنا توقعت سابقا بألا ترد الأموال المنهوبة بناء على أحكام صادرة من المحاكم المصرية، وعلينا أن نقر اليوم بأن هذه الأموال ضاعت تماما على مصر مثلما ضاعت أموال أخرى كثيرة في وقتنا الحاضر، ولم أجد أي مسؤول في الدولة يهمه هذا الأمر".


وذكر مكي أنه "حينما طالبت السلطات الليبية بتسليم عناصر نظام القذافي الموجودين في القاهرة، والمتورطين في الفساد ونهب الأمور، اعترضت المخابرات العامة المصرية على ذلك".


ولفت وزير العدل الأسبق إلى أنه واجه سابقا "حربا شرسة، حينما دعا وسعى إلى تطبيق (قانون تداول المعلومات) الذي جرى إجهاضه ومنعه بشكل متعمد، حتى يتم التستر على الكثير من وقائع الفساد والانتهاكات، في حين أن هذا القانون مهم للغاية لمعرفة الكثير من الأمور الغائبة عن الجميع، وكيف يمكن مناقشة السياسات الراهنة للحكومة، بينما نحن لا نعلم التفاصيل والمعلومات في ضوء انعدام الشفافية المطلوبة".


الحوار الوطني


وعلى صعيد آخر، أبدى مكي عدم تفاؤله بمبادرة الحوار التي أطلقها الرئيس السيسي مؤخرا، قائلا: "مَن الذي قطع الحوار أصلا؟ ثم روّج لأكاذيب وشائعات وتحريض، بينما كان الحوار موجودا منذ اندلاع ثورة يناير وقبل أحداث 3 تموز/يوليو 2013، بل استمر حتى العام 2014 في لجنة الخمسين التي صاغت الدستور الحالي، والحوار لا ينبغي أن ينقطع أبدا، وأن يكون بلا شروط، لكن الجهات المسؤولة هي التي قامت بإيقاف الحوار، ويبدو أن أصحاب القرار اليوم لا يريدون لأحد أن يتكلم".

 

اقرأ أيضا: سوزان مبارك تنازلت عن منزلين فاخرين لمخابرات مصر (وثائق)

وأردف: "المطالب الشعبية هي المطالب نفسها التي عبّر عنها الدستور وكلام لجنة الخمسين نفسها، ولو كانت الحكومة ترغب في تعديل سياساتها، فعليها النظر في تلك المطالب، ولو كانت جادة في ذلك فهناك حوارات موجودة بالفعل، وهناك مَن لا زال يتكلم في الداخل، والموجودون في الخارج يتكلمون أيضا، بل إن الموجودين داخل السجون يمكنهم التحدث عن رؤاهم وتصوراتهم، وجميع هؤلاء مصريون ووطنيون، والحكومة يمكن أن تصل لهم بسهولة تامة".


وقال: "مسلسل الاختيار الأخير يدل على أن السياسيين كانوا يذهبون للمجلس العسكري للإدلاء بآرائهم، ومن ثم لماذا توقف هذا الأمر؟ وعلى الحكومة أن تطرح على نفسها هذا السؤال، لأنها ربما تكون هي التي تسببت في إيقاف هذا الحوار. وحقيقة لم يمنع الحوار أي أحد، إلا الحكومة نفسها في ظل ما تفعله بحق معارضيها والاتهامات المختلفة التي توجهها للكثيرين".


وطالب مكي الحكومة المصرية بـ "إيقاف القبضة الأمنية، وأن تُشعر الآخرين بالطمأنينة كي يمكنهم التحدث والمشاركة في الحوار، لكن في ظل هذا المناخ من الصعب على أي إنسان حر أن يقول رأيه".


واختتم وزير العدل الأسبق بقوله: "نجاح الحوار الوطني الحالي أو فشله، مرهون بأن تقوم الدولة بتغيير ممارساتها وسياساتها، وأنا لم أعد قادرا على فهم سر عقوبة السجن المشدّد 15 عاما للدكتور عبد المنعم أبو الفتوح بتهمة نشر أخبار كاذبة، وهي التهمة التي يمكن أن تطال أي أحد في الدولة المصرية اليوم".


وكان السيسي قد دعا في 26 نيسان/ إبريل الماضي، خلال مشاركته في حفل "إفطار الأسرة المصرية" السنوي، إلى إطلاق حوار بين القوى السياسية كافة، "دون تمييز ولا استثناء"، وذلك في دعوة هي الأولى من نوعها منذ وصوله للسلطة صيف 2014، مُعلنا عن إعادة تفعيل عمل لجنة العفو الرئاسي التي تشكلت أواخر 2016.


وتباينت ردود الفعل من القوى السياسية المختلفة ورموز المعارضة في الداخل والخارج إزاء تلك الدعوة؛ بين التأييد والرفض والتحفظ المشروط، فضلا عن الترقب الحذر.