مقالات مختارة

أخلاقيات جيش الاحتلال والإنسانية المنزوعة

1300x600

المبادئ والأخلاقيات في حياة الإنسانية كالملح في الطعام، لكن فقدان المبادئ والأخلاق من الحياة سيُفسدها. ولا يمكن أن تُستساغ وسيظل الضمير مُتعَبا، ولا جدال حول أهمية توافر المبادئ والأخلاقيات في كل شيء، بلا استثناء، حتى لو كانت حالة الحرب، فكلاهما يجب أن يكونا حاكمين في أي عمل؛ لأنهما تشكّلان عنصرا فارقا في كَونه جيءَ به على الوجه الأكمل، ويظن المراقب فيه كما لو أنه عملٌ ينبض بالروح والحياة، أو أن يكون عملا حركيا جامدا بحتا، لا يعدو كونه إجراء وظيفيا مثل الآلة، يقوم به المرء دون أي زيادة أُخرى.


أما الأخلاق، فهي معايير السلوك أو القواعد المتعارف عليها، توصَف بالحُسن أو القُبح، ويكون مصدرها الدين، أو الثقافة، وكذلك أعراف المجتمع. وهنا، تستوقفنا أحداث ما أقدمت عليه قوات الاحتلال في جنازة الصحفية الشهيدة المرحومة شيرين أبو عاقلة، وقد قتلت على أيدي قوات الاحتلال الإسرائيلي في جنين، هذا الاعتداء الهمجي على موكب التشييع وحملة جثمان  شيرين أبو عاقلة، فاق التصور في أحداثه وأحدث ردة فعل دولية، مستنكرة الفعل الذي أقدمت عليه قوات الاحتلال وجردها من إنسانيتها.


وسائل إعلام عبرية، هناك تخوف إسرائيلي كبير من عواقب الإدانات الدولية والعربية للعنف الذي جرى خلال جنازة الصحفية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة. وذكرت إذاعة الجيش الإسرائيلي، أن هناك تخوفا واضحا من وقوع أزمة دبلوماسية؛ على خلفية العنف الإسرائيلي الذي وقع من قبل الشرطة يوم الجمعة، خلال تشييع جنازة مراسلة قناة «الجزيرة»، شيرين أبو عاقلة، في مدينة القدس. وأوضحت الإذاعة أنه من الصعب تفسير أو شرح أسباب ضرب الشرطة الإسرائيلية لمشيعي جنازة أبو عاقلة أمام المجتمع الدولي.


وأظهر مقطع الفيديو، الجمعة 13/5/2022 ، أعمال عنف اندلعت خلال تشييع جنازة أبو عاقلة في القدس، عندما هاجمت الشرطة الإسرائيلية الحشد وهو يحمل نعشها خارج المستشفى. وقالت الأمم المتحدة إنها ستحاول جمع مزيد من المعلومات حول الحادث.


العالم كله شهد ووثق ما أقدمت عليه قوات الاحتلال التي تفتقد للأخلاق وللثقافة والإنسانية في تعاملها مع الفلسطينيين، وهذه الأحداث التي وثقتها وسائل الإعلام تتطلب «التحقيق» والمساءلة - والقفز على ما يريده الاحتلال وما يتوجب العمل لتحقيقه. الحقيقة واضحة كوضوح الشمس، شاهدها وسمعها كل العالم، وهي ليست بحاجة لتحقيق يعيد توثيقها قطُّ.


يجب الخروج من نمط «التطبيع» مع الجرائم نتيجة تكرارها، ووضع استراتيجية جديدة بالتعامل مع جرائم الاحتلال «القتل العمد»، والإعدام خارج إطار القانون، عبر إطلاق يد جيش الاحتلال، وترك الباب مفتوحا أمام المستوطنين، هي جرائم يحاسب القانون الدولي المسؤولين عنها، على مستوى واضعي السياسات، متخذي القرار ومنفذيه، باعتبارها أشكالا من جرائم الحرب، خاصة أنها تجري في مناطق خاضعة لدولة الاحتلال، وسيطرة قواتها وأجهزتها المختلفة سيطرة كاملة وفعلية على الأرض وعلى كل مجريات وجوانب الحياة للمدنيين فيها.


يجب الخروج من دائرة «الاعتياد» الذي صنعته إسرائيل لقبول المجتمع الدولي وحتى الفلسطيني أحيانا، وتطبيعه ومحاولة التعايش معه بشكل من «القبول» بالاستمرار بارتكاب الجرائم، والنفاذ منها دون عقاب، فقط لكونها جرائم يومية متكررة، حيث يمارس الاحتلال الإسرائيلي يوميا أنماطا متكررة من الجرائم والاعتداءات، استطاع من خلال تكرارها صناعة ما يشبه «العادة» التي تؤدي لنمط من التعامل معها، وكأنها «مظهر طبيعي» من مظاهر الاحتلال التي تتحول يوميا إلى فعل يومي ونمط اعتيادي، لا يحظى بالتغطية الإعلامية ولا المتابعة القضائية والسياسية في الكثير من الحالات. الاجتياحات المتكررة واستهداف المدنيين وهدم المباني بأوامر عسكرية، والانتقام والعقاب الجماعي كانتقام ومعاقبة العائلة والبلد التي تتجرأ على مقاومة الاحتلال، اعتداءات المستوطنين على المدنيين والممتلكات، بتشجيع وغض الطرف من جيش الاحتلال، وأحيانا كثيرة بحضوره وحمايته لهم، وغيرها العشرات من الانتهاكات التي تمثل النمط اليومي «المعتاد» من قبل الاحتلال.


هذه الاعتداءات والجرائم المتكررة، يجب إخضاعها لمعايير المحاسبة وملاحقة الجنائية الدولية، وضرورة محاسبة ومساءلة وملاحقة مصدري القرارات من قبل القيادات العسكرية، وحتى السياسية (يكفي جمع التصريحات الرسمية من بينت إلى لبيد وشكيد وحتى بن غفير ونتنياهو) للتأكيد أن هذه الذهنية التي يعبرون عنها، لا تمثل مجرد تعبيرات شعبوية شاذة، وإنما هي بالواقع انعكاس لتعليمات تمثل الأساس للنمط المتكرر من الجرائم والانتهاكات التي ينفذها الجيش والمستوطنون ضد المدنيين الفلسطينيين بشكل ونمط يومي متواصل ومتكرر، وجميعها انعكاس لثقافة الكره والحقد والإلغاء للآخر،
لنجعل من اغتيال شيرين أبو عاقلة محطة في تحقيق العدالة، ليس للاقتصاص من المسؤولين عنها فحسب، بل لفتح أفق لمحاسبة الاحتلال على كل ما اقترفه ويقترفه من جرائم بحق الشعب الفلسطيني منذ النكبة.

 

وحتى يضع المجتمع الدولي حدودا لعدوانية جيش الاحتلال الإسرائيلي، وهو جيش عنصري يفتقد للثقافة الأخلاقيه والإنسانيه، وأن «اعتداء قوّات الاحتلال على جموع الفلسطينيين، الذين خرجوا في تشييع جثمان الشهيدة  شيرين أبو عاقلة والشهيد وليد الشريف، هو جريمة تفضح إرهاب وسادية قوات الاحتلال الصهيوني، وانتهاكاته لكلّ القوانين والأعراف والشرائع».

 

(الدستور الأردنية)