مقابلات

برلمانية تونسية: شكوك واسعة حول موقف سعيّد من التطبيع

كسيكسي: قانون تجريم التطبيع سيكون من أول القوانين التي سيمررها البرلمان عندما تعود الأوضاع الديمقراطية لبلادنا- عربي21

قالت البرلمانية التونسية، عضو "الهيئة العليا لتنسيقية مناهضة الصهيونية ومقاومة التطبيع"، جميلة دبش كسيكسي، إن لديها شكوكا واسعة حول حقيقة موقف الرئيس قيس سعيّد من التطبيع مع الكيان الصهيوني؛ فليس هناك "أدني تطابق على الإطلاق بين الشعار الكبير الذي رفعه خلال حملته الانتخابية بأن (التطبيع خيانة عظمى)، وبين ما نراه اليوم على أرض الواقع".


وأوضحت كسيكسي، وهي مساعدة رئيس مجلس نواب الشعب المُكلفة بالعلاقات مع المجتمع المدني والمواطن التونسي، في مقابلة خاصة مع "ضيف عربي21"، أن الشعار الذي رفعه قيس سعيّد إبان الانتخابات "لم يكن إلا كلاما أجوف، وشعارا لتخدير الشعب، ولتوجيه بوصلة الناخبين حينها، ليس إلا".


واستنكرت بشدة موقف سعيّد من الانتهاكات اليومية التي تحدث بحق الفلسطينيين، قائلة: "الرئيس الذي يفترض أنه يُمثل الشعب لا يُعبّر عما يريده هذا الشعب، خاصة حيال الانتهاكات الخطيرة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني مؤخرا، والتي اهتز لها كل العالم، وليس هناك أدنى نية لمناهضة التطبيع، وإذا صمت الرئيس أمام كل هذه الجرائم البشعة.. فمتى سيتكلم؟".


ولفتت كسيكسي إلى أن "قانون تجريم التطبيع سيكون من أول القوانين التي سيمررها البرلمان عندما تعود الأوضاع الديمقراطية لبلادنا، وعندما يحكم بلادنا الدستور، وعندما تعود لتونس مؤسساتها الشرعية، وعندما نصبح دولة كما تنص عليها المعايير الدولية، وسأكون ضمن الأصوات الكثيرة المدافعة عن هذا التوجه".


يشار إلى أنه في 9 شباط/ فبراير 2021، أعلن ناشطون مناهضون للتطبيع ومناصرون لفلسطين، من 20 بلدا، عن تأسيس "الهيئة العليا لتنسيقية مناهضة الصهيونية ومقاومة التطبيع"، ومقرها مدينة إسطنبول التركية.

 


وفيما يلي نص المقابلة الخاصة مع "ضيف عربي21":


وزير الدفاع التونسي، عماد مميش، شارك مؤخرا في اجتماع حلف "الناتو" بحضور وزير الحرب الإسرائيلي بيني غانتس.. كيف استقبلتم هذا الأمر؟


بالطبع، وبكل أسف لا يمكن أن نستقبل هذا الأمر إلا ونحن نندد بهذه الخطوة، التي أعتبرها خطيرة، ومؤشر خطير جدا؛ فبعد انقلاب 25 تموز/ يوليو فقدت تونس بوصلتها نحو ما يتعلق بالتطبيع مع الكيان الصهيوني، واعتبرها مشاركة مجانية، وما كان على تونس أن تشارك في هذا الاجتماع، خاصة وأنها ليست عضوا في حلف الناتو، وكان بوسعها عدم الحضور وهي تعلم جيدا قائمة الدول الحاضرة.


وجلوس تونس على مائدة واحدة تضم ممثلي الكيان الصهيوني خطوة سيئة للغاية، ولا تتناغم مع الشعار الكبير الذي رفعه رئيس الجمهورية ذات يوم: "التطبيع خيانة عظمى"، ولما وُجهت العديد من الانتقادات للسلطة التونسية لتفسير ما حدث كانت الإجابة مقتضبة وغير مسؤولة، ولم ترد عن هذا الحدث سيء الذكر.


ما حقيقة موقف نظام قيس سعيّد من التطبيع مع إسرائيل اليوم؟


الموقف بين الشعار الكبير الذي رفعه خلال حملته الانتخابية، وبين ما نراه اليوم، ليس به أدني تطابق على الإطلاق، ولديّ شكوك واسعة بأنه يؤمن فعلا بأن "التطبيع خيانة عظمى".


لماذا لم نجد موقفا واضحا لقيس سعيّد من "الانتهاكات البشعة" التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني، التي كان آخرها اغتيال الصحفية في قناة الجزيرة شيرين أبو عاقلة؟


هذا يندرج تحت نفس الشكوك التي تخامرني دائما بأن شعار "التطبيع خيانة عظمى" لم يكن إلا شعارا لتخدير الشعب، ولتوجيه بوصلة الناخبين، فهو يعلم آنذاك ومَن معه خلال الحملة الانتخابية أن القضية الفلسطينية والتطبيع مع إسرائيل هي قضية حساسة للتونسيين والتونسيات، وهي في ثقافتنا الأصيلة؛ فلدينا رفض طبيعي منذ الولادة لهذا الكيان الصهيوني، ونرفض التطبيع مع إسرائيل، ونحن دوما مع القضية الفلسطينية، لكن الرئيس "الذي يفترض أنه يُمثل هذا الشعب" لا يُعبّر عما يريده الشعب، خاصة حيال الانتهاكات الخطيرة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني مؤخرا، والتي اهتز لها كل العالم، فلم يكن له موقفا، ولم يعبر إلا بشكل مقتضب جدا من باب الأخذ بالخاطر، وكان التونسيون ينتظرون أن يكون داعما أكثر للقضية الفلسطينية، وأن تكون مواقفه أوضح، لكن مع الأسف هذا الشعار الذي رفعه لم يكن إلا كلاما أجوفا، وليس هناك أدنى نية لمناهضة التطبيع، ولدي مخاوف على تونس من هذا الجانب، وإذا صمت الرئيس أمام كل هذه الجرائم البشعة.. فمتى سيتكلم؟!


هل ستلحق تونس بركب المطبعين مع الاحتلال؟


لا أعتقد ذلك، ولا أتمناه، وأنا من المقاومين بقوة ضد حدوث ذلك، وأتصور أن الرئيس لو ذهب نحو هذه الخطوة ستكون النهاية سيئة جدا؛ فالمزاج العام لدى التونسيون يرفض التطبيع، حتى إن كان الرئيس أو أطراف في تونس تؤمن بهذه الخطوة، فإن الشعب يرفضها رفضا قاطعا، وهناك ضغطا شعبيا كبيرا، وما يطمئنني هو موقف الشعب التونسي المضاد للتطبيع، ولا أعتقد أن هناك شخص لديه الجرأة أو الشجاعة ليقوم بذلك.


لكن ماذا لو أقدم قيس سعيّد على خطوة التطبيع مع الاحتلال؟


بالطبع التطبيع له إجراءات، وممارسات ولن يقبل التونسيون بذلك مطلقا، وسيكون هناك رفض من كل السياسيين، ومن كل نشطاء المجتمع المدني، ومن عموم الشعب، فكيف سيطبق ذلك أمام هذا الرفض الشعبي الواسع جدا، وحقيقة لا أتصور أن بوسعه القيام بذلك، ولا أعتقد أن ذلك ممكن الحدوث، حتى لو أراد ذلك.


كيف يمكن التصدي للخطوات التطبيعية في تونس؟


الأمر الأول: اليقظة، والثاني: حراك المجتمع المدني المناهض للتطبيع والذي يتحرك دوما للتعريف بالقضية الفلسطينية، والتوعية بها، والرأي العام الضاغط، وعدم التساهل في هذا الأمر بأي صورة من الصور، هو الضامن لعدم انجرار تونس نحو مستنقع التطبيع.


ما الأسباب التي حالت دون إصدار البرلمان قانون تجريم التطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي؟   
منذ انطلاق الثورة التونسية في 2011، كانت هذه القضية مسار جدل كبير في المجلس الوطني التأسيسي حول تضمين الدستور مسألة تجريم التطبيع، وكان هناك خلاف بين البرلمانيين حول تضمين الدستور لهذا التجريم أم أن مجاله القانون، وظل النقاش قائم حول هذه النقطة، لكن كان هناك مَن يريد استثمار هذه القضية والتلبيس على الناس وكأن هناك أطراف داخل البرلمان مع التطبيع وهناك من هو ضده، بسبب عدم تضمين ذلك في الدستور، وكان لأصحاب كل رأي وجاهته.

 

وفي الأخير تم إرجاء قضية تجريم التطبيع بكل تفاصيلها للبرلمان القادم، وهو ما تم فعلا، وكان هناك إشارة في الدستور لدعم القضية الفلسطينية، وإشارة للبعد العربي، والإسلامي، والمغاربي، والإفريقي، ومناصرة القضية الفلسطينية، ومناهضة كل أشكال الاحتلال والعنصرية التي تمارسها بعض الدول، على أساس أن تفاصيل تجريم التطبيع ستكون في القانون، ثم مرت الدورة البرلمانية الأولى (2014 – 2019) بعد إقرار الدستور، وكانت هناك مبادرة لكن لم يتسنِ المصادقة عليها؛ نظرا للوضع الاقتصادي والسياسي والأمني في تونس؛ فلم يكن هناك استقرار بالمعني الشامل والكامل.

 

كما كان هناك أيضا بعض التقصير في إقرار هذا القانون، وفي الدورة النيابية الثانية (2019) - التي تم السطو عليها يوم 25 تموز/ يوليو الماضي - وكانت هناك مبادرة، وزخم شعبي كبير من الموقف مما حدث في حي الشيخ جراح خلال السنة الفائتة وما شهدته من أحداث دامية، وما قام به الصهاينة من اعتداء سافر في القدس الشريف، وكان هناك حراك ونقاش بين البرلمانيين، وأثمر عن تمرير مشروع القانون للجنة المختصة، لمناقشته قبل عرضه على الجلسة العامة، واتفقت جميع الكتل على تمرير مشروع قانون تجريم التطبيع، لكن مع الأسف هذه الدورة البرلمانية لم تكمل عملها، ولم يتسنِ لها مناقشة القانون في جلسة عامة، ولم تعد لنا صفة التشريع بعد أن جمّد الرئيس عمل هذا المجلس متعديا على الدستور والقانون، ثم قام بتعليق عمله بجملة واحدة أواخر شهر آذار/ مارس.


والآن قيس سعيّد هو الجهة الوحيدة التي تشرّع، والجهة الوحيدة التي تنفذ، والجهة الوحيدة التي تحكم بين الناس، ويجمع كل السلطات بين يده، وأنا أوجه له التحدي من خلال صحيفة "عربي21" بأن يصدر مرسوما بتجريم التطبيع الآن، تناغما مع شعاره الذي رفعه بأن "التطبيع خيانة عظمى"، لنرى كيف يعاقب مَن يجرؤون على جر تونس إلى التطبيع، وكيف سيعاقب "الخونة" الذين سوف يقترفون هذه الجريمة التي يسميها "خيانة عظمى"، وهي خيانة عظمى بالفعل.


هل حركة النهضة ساهمت سابقا في تعطيل إصدار هذا القانون؟


كما أوضحت آنفا أنه كان هناك جدل حول تضمين تجريم التطبيع من عدمه، ولم تكن النهضة هي الكتلة البرلمانية الوحيدة داخل البرلمان، فقد كانت تمثل 30% فقط من مقاعد البرلمان في دورته الأولى، فلا يمكن لحركة النهضة أن تمرر القانون وحدها، كما لا يمكن أن يمر بدونها، وفي الدورة البرلمانية الثانية حصلت على مقاعد أقل (25% فقط)، لكن أعتبر أن المسؤولية مشتركة بين جميع الكتل، كما أني أنزّه الأحزاب والكتل البرلمانية من أن تكون قد تعمدت تعطيل مشروع القانون؛ فقد تحدثنا في القضية كثيرا، وكل شعارات الأحزاب وأدبياتها ترفض التطبيع مع الكيان الصهيوني، وكأننا "نخلع بابا مفتوحا"، فلا يوجد حزب أو كيان سياسي في تونس لا يناهض التطبيع، هذا ما أعرفه عن المشهد والساحة السياسية في تونس، إلا إذا كان هناك مَن يضمر شيئا ويقول غيره؛ فعدم تجريم التطبيع انتابه بعض التراخي، وليس لسبب متعمد، وكان بالإمكان أن يمرر التطبيع في بعض أوقات انشغال الناس بالأزمات كالإرهاب، أو في الأوقات التي شهدت فيها البلاد تقلبات واهتزازات أو عدم استقرار، لكن لعدم وجود نية لدى الطبقة السياسية لهذا الاتجاه، لذا لا أعتقد أن الأمر مُدبرا، أو وراءه أجندة ما.


هل المخاوف من حدوث مقاطعة لتونس من الدول المانحة لها يعدّ من أسباب عدم صدور القانون؟


مقاطعة الدول المانحة لتونس كان لها أسبابا أخرى، تتعلق بإدارة الحكم في البلاد؛ لأن الجهات المانحة لديها قواعد ومعايير معينة، أولها: ضرورة الفصل بين السلطات (التشريعية، والتنفيذية، والقضائية) وهو غير موجود في تونس اليوم؛ فكل السلطات مُجمعة في يد شخص واحد، وهو أول مانع يمنع تونس من الحصول على قروض أو هبات أو تعامل مالي معها، حتى الدول التي تعقد معها اتفاقيات الثنائية لا يمكن أن تفعل ذلك، هناك دول تؤيد هذا الانقلاب وتؤيد المسار الجديد في تونس، لكنها لا تستطيع بقوة القانون داخل حدودها أن تمنح تونس أي شيء، باعتبار عدم وجود سلطة رقابية، وعدم وجود سلطة قضائية، وعدم وجود برلمان يمثل هذا الشعب.


وتونس اليوم ليست إزاء نظاما ديمقراطيا ولا حتى استبداديا؛ فالأنظمة المستبدة لديها برلمانات صورية أو شكلية، فنحن لسنا نظام استبدادي عادي، وإنما في وضعية جديدة وفريدة لا مثيل لها في النظم السياسية الآن؛ فقد أصبحنا بلاد بلا دستور، وبلا برلمان، وبلا مؤسسة قضائية مستقلة، وبلاد يحكمها شخص واحد فقط، وهو ما يجعل الدول المانحة لا تستطيع أن تتقدم خطوة في منح أي شيء لتونس، ولا أتصور أن الموضوع له علاقة بأمور التطبيع، وما يخيفني حالة الاستضعاف التي تعيشها تونس الآن، وهذه الأزمة المستحكمة اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا الموجودة منذ ما يزيد على 9 أشهر، والوضع مرجح للأسوأ، لأن الموارد المالية ضعيفة، وتضعف يوما بعد يوم، والوضع الاقتصادي يزداد سوءا.


برأيكم، متى سيصدر قانون تجريم التطبيع بشكل رسمي في تونس؟


عندما تعود الأوضاع الديمقراطية إلى تونس، وعندما يحكم بلادنا الدستور، وعندما تعود لتونس مؤسساتها الشرعية، وعندما تصبح دولة كما تنص عليها المعايير الدولية، سيكون ذلك من أول القوانين التي ستمرر، وبعد أن نذهب لانتخابات تفرز الإرادة الحرة للشعب التونسي، انتخابات غير مزورة، وتمثل مختلف مكونات الشعب بشكل حقيقي، وسأكون ضمن الأصوات الكثيرة المدافعة عن هذا التوجه.


قيس سعيّد تحدث أكثر من مرة عن اللاءات الثلاث، وهي: "لا صلح ولا تفاوض ولا اعتراف بمن خربوا البلاد وعاثوا فيها فسادًا"..فكيف تنظرون لتلك اللاءات الثلاث، خاصة أن البعض يراها أشبه باللاءات الثلاث التي أطلقها الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر في مواجهة الاحتلال؟


المقارنة لا تصح، لأن عبد الناصر كان يواجه الاحتلال، أما هذا الشخص الغريب العجيب (قيس سعيّد) في مواجهة شعبه، واللاءات التي يرفعها الآن يرفعها لأن تونس رهينة بين يديه، وستنقلب هذه اللاءات عليه، وستكون لعنة لهذا المسار الذي يذهب فيه، ولن تمر هذه اللاءات؛ لأن هذه البلاد عريقة، ولأن هذه البلاد بها شعب ودولة موغلة في القدم، وهذا الشعب منظم منذ قرون عديدة؛ فلا يمكن لقيس سعيّد أو لكائن مَن كان أن يقوض أركان الجمهورية، وأن يلغي جزءا من التونسيين والتونسيات، والآن أصبح التونسيون واعون بالمغالطة التي وضعهم فيها، وتصفية الحسابات التي قام بها مع خصومه السياسيين من أجل تمرير مشروعه الفوضوي، ومن أجل تمرير مشروعه الشعبوي الفاشل الذي لن يثمر شيئا في تونس، ولن يكون له قبولا مطلقا، وهذه اللاءات ستعود عليه بالوبال وبالخراب، ولن يستطيع إنفاذها إن شاء الله.