كتب

الصراع الروسي-الأمريكي حول سوريا.. قراءة في الخلفيات (2من2)

استمرار الصراع الروسي ـ الأمريكي حول سوريا من شأنه أن يؤدي إلى تقسيم البلاد (الأناضول)

الكتاب: "الصراع الروسي الأمريكي حول الأزمة السورية"
الكاتب: د. هدى بنت محمد عبده عثمان
الناشر: شركة مدبولي، القاهرة، ط1 2019


بدأ الفصل الثاني، بعرض الموقف السوري، في تطوره، منذ انطلاق الدعوات لتغيير النظام، أواخر شباط/ فبراير 2011، واستراتيجية النظام لمواجهة التظاهرات، حيث اتجه في خطاباته لترويج نظرية المؤامرة، واستهداف تلك التظاهرات لسوريا، وليس النظام، مع اختياره لاسترتيجية "القمع الأمني" لتكون الأهم، ولكن المؤلفة أغفلت إعلان الأسد رفضه "تقديم أي تنازلات"، بعد اقراره بافساد المتفشي، في آذار/ مارس 2011، ثم عرضت الكاتبة لخريطة المعارضة السورية التي نشأت مع تطور الأحداث، بشقيها، السياسي والعسكري.

تحت عنوان "السياسة الروسية تجاه الأزمة السورية"، عرضت المؤلفة لـ"التوجهات العامة للسياسة الروسية" في: تأكيد روسيا أنها لاتدعم بشار الأسد، إنما تدعم الدولة السورية؛ وتأكيد روسيا على نبذ العنف، وأهمية الحل السياسي، من خلال الحوار الوطني؛ إلى تأكيد روسيا على احترام السيادة الوطنية، وعدم التدخل في الشئون الداخلية للدول الأخرى؛ فضلاً عن تأكيد روسيا على رفض التدخل العسكري الخارجي في سوريا، وكلها مبنية على تصريحات أطلقتها جهات نافذة في الدولة الروسية، دون أن تتعرض المؤلفة إلى تطبيق تلك التصريحات على أرض الواقع، وهل، فعلاً، تلك التصريحات تمثل التوجُّه العام للسياسة الروسية؟! 

وهل سعت روسيا لتحقيق تلك التوجهات، من خلال سياستها تجاه الأزمة السورية؟! رغم أن المؤلفة قد أشارت، بعد صفحات قليلة، إلى مساندة موسكو لنظام الأسد، منذ بدء "الثورة"، واستخدمت، مرارًا، "حق الفيتو"، لوقف قرارات إدانة للنظام السوري، من مجلس الأمن، ووصف موسكو للمعارضة بأنها تسعى لتنفيذ "عصيان مسلح"، ثم اتجاه موسكو للتدخل العسكري، في سوريا، منذ أيلول/ سبتمبر 2015، وما عنونه البحث بـ"استخدام القوة العسكرية المباشرة"، كأحد أبعاد الموقف الروسي، فهل كانت تلك الممارسات متماشية مع ما أسمته الكاتبة بـ"التوجهات العامة للسياسة الروسية"؟!

أما الموقف الأمريكي، فقد اتجه في حل الأزمة، نحو: المراهنة على الإصلاح، وذلك لفترة محدودة، ثم أعلنت واشنطن أن الأسد قد فقد شرعيته، ومن ثم وجهت دعمها، المالي والدبلوماسي، للمعارضة السورية، دون استبعاد الأسد من المشهد، وكانت "الحرب على الإرهاب" أهم ذريعة استخدمتها أمريكا، مع العقوبات الاقتصادية التي فرضتها على الأسد، ورموز نظامه، وعائلته. 

لم تُخفِ أمريكا قلقها من أن يسقط النظام، في سوريا، بشكل مفاجئ، أو أن يصل إلى سُدة الحكم أحد المناهضين لمصالح أمريكا (إسلاميين  متشددين)، وفضلت أمريكا أن تُطبق سياستها، من خلال حلفائها، ودون مواجهة صريحة مع القوى الداعمة للرئيس بشار، ورأت الباحثة أن سوريا "بدأت تتحوَّل، لتكون نقطة تلاق روسي – أمريكي؛ من حيث رفضهما وصول تيارات متشددة للسيطرة على سوريا"، ولعلها إشارة إلى قبول أمريكا للأمر الواقع، ومن ثم صرف النظر عن تغيير نظام الأسد، مع محاولة ضمان ألا يكون المستقبل السوري معاديًا لأمريكا، أو أن تتحول سوريا إلى مصدر قلق لإسرائيل.

هكذا، تحولت سوريا إلى فضاء، تتنافس الدول العظمى للاستحواذ عليه، وإن كان ملموسًا لدى الجميع، الخشية الأمريكية من التورط في سوريا، لما عانته الأولى من دخولها العراق، وأفغانستان، وما انتهى إليه المشهد في كلا الدولتين، ولأن سوريا تمثل عمقًا استراتيجيًا لروسيا. على العكس، تمامًا، كان التوجه الروسي، والذي حسم قراره بالدخول المباشر، عسكريًا، لدعم النظام السوري الحليف. ولم تبتعد إيران، وتركيا عن المشهد السوري، وعلى الرغم من أن تفاعلات الأزمة لاتزال على الأرض، وأن الصراع لم يُحسم، فإن الأطراف الخارجية، كلها، مستفيدة، وإن بنسب متفاوتة، ولم يخسر إلا الشعب، وقواه الحية؛ والدولة، التي أضحت مرتهنة لداعمي النظام.

إن سوريا أكبر مثال على سذاجة العرب، في خياراتها، وأننا (الشعوب العربية)، لم نزل أدوات لسياسة غيرنا، على الرغم ما تتمتع به الشعوب العربية، من حيوية ثورية، عجزت الأنظمة المستبدة عن تقويضها؛ فإن المنافع الشخصية، والمصالح الحزبية الضيقة، عند القيادة السياسية، انحرفت بمسار العمل الثوري الشعبي، ووظفته لما يُحقق المنافع. وفي سوريا، نظرًا لأهميتها الاستراتيجية، كموقع جغرافي، تجاوزت الأزمة حتى مصالح القيادة السياسية المحلية، سواء النظام، أو المعارضة، وتحول الجميع إلى أدوات، تُحقق مصالح دول أخرى.

أما عن تداعيات السياسة الروسية، والأمريكية، تجاه الأزمة السورية، فلعل المؤلفة قد أسرفت في التفاؤل باعتبار ذلك إيذانًا بنهاية "النظام الأحادي القطبية"، وعودة روسيا، بقوة، للمشهد الدولي، "إذ تُعد الأزمة السورية، أزمة كاشفة فيما يتعلق بهيكل النظام الدولي الجديد، ومدى قدرة روسيا، والصين على تحدي الإرادة الأمريكية"! وإن كانت الأحداث تُشير إلى تعاظم الدور الروسي الفاعل، على المستوى الدولي، وهو ما رأته الكاتبة تحديًا روسيًا للإرادة الأمريكية؛ فـ"كانت المبادرة الروسية لتدمير الأسلحة الكيماوية السورية، مقابل وقف الحملة العسكرية الأمريكية، وعقد مؤتمر جنيف2، في كانون الثاني / يناير 2014، وانحياز غالبية أعضاء قمة العشرين لروسيا"، كلها تُنذر بتنامي الدور الروسي، في إدارة الأزمة السورية. وذكر الكتاب الاتفاق الأمريكي ـ الروسي (أيلول/ سبتمبر 2013)، بتدمير الترسانة الكيماوية السورية، والذي بدأ بمبادرة روسية. وعرض الكتاب لقراءات مختلفة بشأن الاتفاق، وإن مثَّل الاتفاق، في الحقيقة، نجاحًا روسيًا، بتحييد أمريكا، ووقف تدخلها المباشر في سوريا، ما أتاح لروسيا مجالاً أكبر، لتثبيت أقدامها، والإمساك بزمام الأمر في الشأن السوري.

على مستوى العلاقات الثنائية، لروسيا وأمريكا، استبعدت الباحثة أن تكون سوريا إحدى القضايا المشتركة، بين البلدين، في الرؤى، كما أكدت وقوف كل دولة عند حد الوصول إلى مواجهة مباشرة كبرى، نظرًا لعوامل عدة، ساقتها المؤلفة؛ ورجَّحت الكاتبة أن تبقى العلاقات بين الدولتين متراوحة بين الصراع المحدود، والتنافس، دون التحوُّل إلى تعاون مشترك.

كذا، استعرض الكتاب التداعيات المباشرة على اتجاهات التصويت في مجلس الأمن، بعرض الانقسام داخل المجلس إلى فريقين، روسيا، والصين، في مواجهة، وأمريكا، وبريطانيا، وفرنسا، وتمثَّل أحد أبعاد هذا الصراع، في استغلال الأزمة السورية، من قِبل الفريق الأمريكي، لتثبيت مبادئ النظام الدولي الحالي، المبني على الهيمنة الأمريكية، في حين يسعى الفريق الآخر إلى إعادة تعريف تلك المفاهيم، وتقييدها؛ وإن كانت المؤلفة قد أشارت إلى سعي روسيا، والصين إلى ترسيخ مفاهيم "التدخل الإنساني"، أو "مسئولية الحماية"، بينما الحقيقة، فإن مواقف كل الأطراف، الدولية والإقليمية، الفاعلة في الأزمة السورية، بما فيها روسيا، بعيدة، كل البعد، عن مثل تلك المفاهيم، وما تلك الإدعاءات إلا أدوات ترويج، تستخدمها الدول، للتغطية على التدخل المباشر في سوريا، ولإعطاء "مسحة إنسانية"، تُجمِّل بها تلك الدول، جرائمها في حق الشعب السوري. وقد استبعدت الباحثة أن ينتهى الانقسام في مجلس الأمن، على المدى القريب.

لقد تجلَّت حالة الاستقطاب بين المعسكرين، في تشرين الأول/ أكتوبر 2011، في التصويت على مشروع قرار أُممي، تقدمت به الدول الأوروبية، وحظي بدعم الولايات المتحدة، يدين النظام السوري، بسبب قمعه للاحتجاجات، وتكرَّر المشهد، في التصويت على قرار عربي، يتبنى خطة العمل العربية، للانتقال السياسي في سوريا، في شباط/ فبراير 2012، ومرة ثالثة (تموز/ يوليو 2012)، بشأن وضع خطة كوفي أنان، الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة، تحت فقرات من الفصل السابع، وأخيرًا، في أيار/ مايو 2014، في التصويت على قرار، دعا إلى إحالة طرفي النزاع، في سوريا، إلى المحكمة الدولية.

عن تداعيات الأحداث، في سوريا، على النظام العربي، فقد أكدت الكاتبة أن "أبرز تلك التداعيات، هي ما أفرزته الأزمة السورية، من انتشار الجماعات المُسلحة، وسيطرتها على مناطق واسعة"، كما أشارت الباحثة إلى ما يتعلق بالنزاع الإقليمي حول فرض السيطرة على الشرق الأوسط من دول (تركيا، وإيران، وإسرائيل)، مبينة حقائق متعلقة بالنظام العربي: افتقاده القدرة على التماسك؛ وسيطرة الصراع الإيراني ـ الإسرائيلي على المشهد العربي؛ واتجاه النظام العربي نحو "العسكرة"، وليس الاعتماد المتبادل. كذلك عرَّجت المؤلفة على أثر الأزمة السورية على الأمن القومي العربي، والأمن الإقليمي "الشرق أوسطي".

أفرد الفصل الثالث، مبحثًا لتداعيات السياسة الأمريكية ـ الروسية، مع الأزمة السورية، على الداخل السوري، وحدد بروز معالم تفتت الدولة إلى منطقة سُنيَّة، وأخرى علوية، وثالثة كردية، وهي، حسب المؤلفة، دلالات تقسيم سوريا إلى دويلات صغيرة. وعرض المبحث الآثار السلبية على الاقتصاد السوري، مستعينًا بالمؤشرات الاقتصادية، والمالية، كما انتقلت الكاتبة إلى الآثار الاجتماعية، في الداخل السوري، حيث "الانتشار الواسع للتطرف، والإرهاب، والتعصُّب، والاستقطاب"، وعرضت المؤلفة للتأثير السلبي على الترابط، والتضامن الاجتماعيين، وتعاظم ظاهرة العنف الطائفي، فضلاً عن الهجرة من أرض الوطن، وأزمات اللاجئين، والمُبعدين؛ وما شهده التعليم من انهيار، شبه كامل؛ وارتفاع مستويات الفقر، وتعرض النظام الصحي إلى أضرار كبيرة. واختتمت الباحثة الفصل بمعضلات تسوية الأزمة، الداخلية: رهانات النظام السوري، والمعارضة؛ وانتشار التنظيمات المُسلَّحة؛ وخارجيًا: تنافس القوى الإقليمية، وتصادم مصالح القوى الكبرى.

ضمَّت الخاتمة السيناريوهات المتوقعة للأزمة السورية، أولها: سيناريو استمرار النظام السوري، حيث استمرار تماسك النظام، وبقاء ولاء قيادات الجيش لبشار، والدعم الخارجي له، فضلا عن تشرذم المعارضة؛ إلى سيناريو سقوط النظام السوري، نتيجة تسليح المعارضة، والذي يحتاج إلى قوة دفع، دولية وإقليمية، لتحقيقه، والقدرة على تصفية رموز النظام الحالي؛ ثم سيناريو الحل التوافقي، من خلال تفاهم أمريكي ـ روسي؛ وسيناريو استمرار الوضع الراهن؛ فضلاً عن سيناريو التقسيم، والتفتيت؛ ناهيك عن سيناريو الفوضى الشاملة، والتحول إلى اشتباك إقليمي واسع.

تبرز ملاحظات عدة، مع قراءة الكتاب، منها الشكلي، حيث كثرت الأخطاء المطبعية، بما لا يتناسب مع الأهمية التي يتمتع بها الموضوع. لكن الخلل الرئيس كان في بنية الدراسة، أو هكيلة البحث، حيث تحتاج إلى مراجعة، تساعد الباحثة على الاسترسال بالكتابة في الموضوع، دون الحاجة إلى التكرار؛ ما يُساهم في تقليل صفحات الدراسة، كما تفرَّعت الباحثة في الدراسة، إلى خارج الموضوع المحدَّد، ولأن الدراسة لم تُحدِّد الإطار الزمني للبحث؛ ما صعَّب على القارئ أن يُحدد مدى تغطية الدراسة لتلك الفترة.

أمر آخر، ذو أهمية، فقد اعتمدت المؤلفة على السرد التاريخي، دون الولوج إلى تحليل تلك الأحداث، والترجيح بين المعطيات، والاستنتاج، وصولاً إلى توصيات، ونتائج الدراسة، كما أعطت المؤلفة للتصريحات السياسية وزنًا نسبيًا، عن الممارسات على أرض الواقع، من الأطراف الفاعلة في الأزمة السورية. لكن هذا ليس تقليلاً من شأن الدراسة، وأهمية قراءة الكتاب، فالجهد المبذول فيه، بيِّن، وواضح، تستحق عليه الكاتبة الشكر، والتقدير.

 

إقرأ أيضا: الصراع الروسي-الأمريكي حول سوريا.. قراءة في الخلفيات (1من2)