كتاب عربي 21

الدلالة الأخطر والرسالة الأهم من مسلسل "الاختيار3"!

1300x600

لا يزال مسلسل "الاختيار3" يثير المزيد من الجدل، نظرا لأنه يعرض تاريخا لأحداث لم يمض عليها سوى سنوات، ولأن صانعي هذه الأحداث لا يزال معظمهم أحياء، إضافة إلى "تطعيم" المسلسل بما سمي بالتسريبات التي يتلقاه المشاهدون برؤى وقراءات مختلفة.

نفتح قوسا هنا لنشير إلى أخطر دلالة لهذا المسلسل وهي استخدام النظام لأجهزة الدولة السيادية من أجل نشر روايته عبر مسلسل درامي، دون الانتباه إلى حجم الضرر الذي سيسببه هذا الاستخدام لصورة الدولة أو ما تبقى منها، حيث تظهر الأجهزة بصورة بائسة تتجسس على رئيسها وسياسييها وتسجل حواراتهم مع قيادة الجيش، ثم تستخدم هذه التسجيلات في عمل درامي! لا شك بأن معظم الدول تسجل محاضر اجتماعات قياداتها المهمة لاستخدامها في الأرشيف الوطني وكتابة تاريخها، ولكن ربما تكون هذه المرة الأولى التي تستخدم الدولة نفسها تسجيلاتها السرية في معركة داخلية وضد رئيس منتخب. هكذا تتحول الدولة من حام لأسرار أجهزتها إلى "مسرب" لها، في مفارقة عجيبة تظهر غياب الحكمة عند هذا النظام!

وبالعودة إلى المسلسل المثير، فإن أهم رسالة أراد النظام أن يوصلها للجمهور هي أن الرئيس مرسي ضعيف ومهزوز أمام السيسي من جهة، وأنه كان مسيرا من مكتب إرشاد جماعة الإخوان وخصوصا من قبل المهندس خيرت الشاطر من جهة أخرى.

 

لا شك بأن معظم الدول تسجل محاضر اجتماعات قياداتها المهمة لاستخدامها في الأرشيف الوطني وكتابة تاريخها، ولكن ربما تكون هذه المرة الأولى التي تستخدم الدولة نفسها تسجيلاتها السرية في معركة داخلية وضد رئيس منتخب


ظهر مرسي في المشاهد التي بثها المسلسل حتى الآن ضعيفا أمام السيسي القوي والحازم (وطويل القامة أيضا!). يتحدث الرئيس في هذه المشاهد التي تجمعه مع السيسي بضعف وارتباك، فيما يبدو السيسي حاسما وواثقا. إن من حظ المشاهد المحايد الذي يتابع هذه الصورة النمطية التي يريد المسلسل تثبيتها أن الصور والفيديوهات الحقيقية التي تجمع بين الرجلين لا تزال حاضرة في مواقع الأخبار والتواصل الاجتماعي واليوتيوب. في كل هذه الصور والفيديوهات حتى تلك التي جمعتهما يوم 2 تموز/ يوليو 2013 أي قبل يوم من الانقلاب كان السيسي هو الضعيف الذي يجلس باحترام كبير أمام رئيسه، حانيا رأسه في كثير من الصور والفيديوهات، ويجلس "نصف جلسة" على كرسيه أمام رئيس قوي وواثق.

وعندما نقول عن مرسي إنه كان رئيسا قويا، فلا يعني ذلك نفي ارتكابه أخطاء سياسية، فالقرارات التي يتخذها أي رئيس تظل دائما محل جدل، بين مؤيد ومعارض، كما أن قوته لا تنفيها النتيجة النهائية للصراع السياسي وهي إزاحته عن الحكم، إذ أن هذه النتيجة لا ترتبط فقط بأدائه، بل بمجموعة كبيرة من العوامل السياسية المحلية والإقليمية والدولية ومن بينها قراراته التي اتخذها خلال سنة حكمه القصيرة.

وإذا كان بعض المشاهدين غير حريصين على البحث عن الصور والفيديوهات الحقيقية التي تجمع بين الرئيس مرسي ووزير دفاعه السيسي، فإن المسلسل قدم خدمة كبيرة لهم، وللرئيس مرسي نفسه! من خلال بث تسريب يظهر الأخير في نقاش مع رئيس المجلس العسكري آنذاك المشير محمد الطنطاوي بحضور السيسي. أراد صناع المسلسل من هذا التسريب إظهار مرسي بصورة من يهدد بإحراق الدولة، ولكن الرجل قال في الفيديو الذي عبثت به عمليات المونتاج والتقطيع أكثر من مرة إنه يحذر من مغبة تزوير نتيجة الانتخابات حرصا على مصر من ردة فعل الناس الذين كانوا في ذلك الوقت محتشدين في التحرير انتظارا لإعلان النتيجة النهائية.

 

لو كان رجال مرسي هم من وضعوا سيناريو هذه الحلقة لم يكونوا ليجدوا تسريبا أفضل من هذا التسريب!


وبعيدا عن ما أراد إظهاره المسلسل من هذا التسريب، فإنه ضرب الهدف الأساسي منه وهو كما ذكرنا إظهار مرسي ضعيفا، حيث بدا مرسي -حتى قبل إعلانه رئيسا بشكل رسمي- قويا جريئا في حديثه مع من كان يملك الأمر والحكم في ذلك الوقت، فيما جلس السيسي خاضعا يكتب محضر اللقاء دون أن يبدي رأيه في أي أمر من الموضوع محل النقاش. لو كان رجال مرسي هم من وضعوا سيناريو هذه الحلقة لم يكونوا ليجدوا تسريبا أفضل من هذا التسريب!

أما زاوية ضعف مرسي الثانية التي يريد أن يثبتها المسلسل وهي تبعيته لخيرت الشاطر ومكتب الإرشاد فهي مردودة أيضا. لقد اختار مرسي فريقه الرئاسي بنفسه ولم يتم اختيارهم من قبل الإخوان بحسب مصادر "عربي21"، ولذلك فإن هذا الفريق كان في غالبيته من الشباب غير المعروفين سابقا، ومن خارج القيادات العليا والمتوسطة لجماعة الإخوان التي يعلمها جميع من كان يتابع الحياة السياسية المصرية.

 

لقد كان الرئيس مرسي مستقلا برأيه، قويا، ثابتا. أخطأ في سنة رئاسته وأصاب، ولكنه كان مشروع رئيس يستمد شرعيته من شعبه، وكان يمكن لهذا الشعب أن ينتخبه أو يعاقبه بعد أربع سنوات من حكمه، لكن الانقلاب كان له رأي آخر


لم يكن مكتب الإرشاد على علم بقرار مرسي إقالة المشير طنطاوي والفريق سامي عنان من قيادة الجيش حسب مصادر "عربي21"، كما أن قرار الإعلان الدستوري الذي أثار جدلا وصراعات كبيرة تمت هندسته من قبل الرئيس مرسي وبعض مستشاريه دون علم مكتب الإرشاد بحسب نفس المصادر، بل إنه صدر في وقت شهد انقطاعا في التواصل الطبيعي بين الرئيس مرسي وبين المكتب (الذي يمثل حزبه السياسي).

لقد كان الرئيس مرسي مستقلا برأيه، قويا، ثابتا. أخطأ في سنة رئاسته وأصاب، ولكنه كان مشروع رئيس يستمد شرعيته من شعبه، وكان يمكن لهذا الشعب أن ينتخبه أو يعاقبه بعد أربع سنوات من حكمه، لكن الانقلاب كان له رأي آخر، فدفع الرئيس حياته ثمنا للتمسك بهذه الشرعية، ومات شهيدا للدفاع عن "الاختيار" الحقيقي لشعبه لا "الاختيار" المسلسل!