مقالات مختارة

إيريك زمور ليس العنصري الوحيد في فرنسا

1300x600

لن يحتكر إيريك زمور المرشح عن أقصى اليمين، في الرئاسيات الفرنسية التي سيجري دورها الأول الشهر المقبل، تمثيل تيار اليمين العنصري، في هذه الانتخابات، التي تنظم في وقت زاد فيه منسوب أفكار هذا التيار داخل المجتمع الفرنسي، وبين نخبه الفاعلة، فالرجل يجد منافسة قوية من قبل وجوه سياسية أخرى في تمثيل هذه الكتلة السياسية على غرار ماري لوبان وفاليري باكريس وغيرهما كثير، حتى إن كانوا من الوزن الخفيف. سيكون من المفيد أن نعرف حجمها الفعلي داخل المجتمع الفرنسي بمناسبة هذه الانتخابات الرئاسية، في وقت تقول كل المؤشرات إن هذا التيار السياسي الذي كان دائم الحضور داخل الساحة السياسية الفرنسية، حتى لو كان ذلك بشكل هامشي، له فرص فعلية في تسجيل نسبة عالية في هذا الاستحقاق الانتخابي، حتى وهو مقسم بين أكثر من وجه وتنظيم حزبي.


من المتوقع، من جهة أخرى، أن يفوز الرئيس الفرنسي الحالي في هذه الانتخابات، وهو يترشح لعهدة ثانية في أجواء الحرب الروسية على أوكرانيا، التي استفاد منها كغيره من الزعامات السياسية (بوريس جونسون البريطاني) كأرضية لحملة انتخابية جرت على ملفات دولية. مرشح سيطلب منه تطعيم خطابه بمسحة أكثر يمينية للتماهي مع هذا الجو السياسي والثقافي الذي تعيشه فرنسا، والكثير من الدول الغربية في السنوات الأخيرة، لن يجد الرئيس – المرشح صعوبة كبيرة في استحضارها هو الذي قدم نفسه منذ ترشيحه الأول أنه غير مؤمن بالتصنيفات الكلاسيكية التي عرفتها وعاشت عليها لعقود الساحة السياسية والفكرية الفرنسية بين قطبي اليمين واليسار. ليبقى الجديد بمناسبة هذه الحملة الانتخابية هو الدور الذي يقوم به إيريك زمور كمرشح بدا في الأول وكأنه مرشح للهامش، لتيار كان على الدوام من دون شرعية كبيرة، رغم الحضور الإعلامي الذي بدأ يتحصل عليه في السنوات الأخيرة، اكتفى بتمثيل جزء من فرنسا الشعبية الغاضبة، التي لم تستفد من التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي عاشها المجتمع الفرنسي، زيادة على بعض الفئات البورجوازية الرجعية الحاضرة تقليديا في المجتمع الفرنسي، وكأن زمور جاء هذه المرة للقيام بكسر حاجز نفسي، وإضفاء نوع من الشرعية على هذا الخطاب الذي لم يعد الإعلام الفرنسي الثقيل يرى حرجا في استقباله والترويج له، باختصار زمور جاء لإعطاء نوع من الشرعية لهذا الخطاب العنصري ودفعه إلى السطح، كحقيقة يجب القبول بها والتعامل معها كجزء من الحياة السياسية. فكرة تأكدت لي وانا انتهي من قراءة كتاب السفير الفرنسي السابق في الجزائر الصادر في المدة الأخيرة Xavier Dreiencourt تحت عنوان «اللغز الجزائري»، الذي خصصه للكلام عن تجربة كسفير لفرنسا في الجزائر خلال فترتين بين 2008 و2020، والذي وجدت فيه الجواب عن سؤال مهم طالما طرحته على نفسي، يرتبط بالعلاقات الجزائرية الفرنسية، وبمواقف الرئيس الفرنسي.

 

فعلا لم أفهم «ما هي الذبابة التي تكون قد لدغت الرئيس الفرنسي»، كما يقول المثل الفرنسي الشهير للحديث بالصيغة التي تحدث بها عن تاريخ الجزائر والجزائريين، لدرجة إنكار وجود أمة جزائرية ودولة جزائرية، قبل الاحتلال الفرنسي للجزائر، وهو ما يعني بشكل واضح أن الاحتلال الفرنسي هو الذي خلق الجزائر، قول لم يقل به أي رئيس فرنسي سابق بهذا الشكل العلني والفج، رغم انه كان من المكونات الأساسية للخطاب الذي بررت به فرنسا الاستعمارية مشروعها في الجزائر، خطاب يتقاسمه اليمين وجزء من اليسار ـ يجب أن لا ننسى ما قاله موريس توريز الأمين العام للحزب الفرنسي عن أمة جزائرية في طور التكوين 1939.

 

لم أفهم هذا التصريح للرئيس الفرنسي في حينه، وهو يخلق أزمة مع الجزائر سحبت على إثره سفيرها، ومنعت الطيران العسكري من التحليق فوق ترابها، لم أفهم ما قاله ماكرون إلا عند الانتهاء من قراءة كتاب السفير الفرنسي وهو يفسر لماذا تفوه الرئيس الفرنسي بهذا الكلام الخطير، الذي مس الجزائريين في العمق وبدا لي كلاما استفزازيا لم يتعود الجزائريون سماعه، تفسير السفير لهذا الكلام كان بسيطا، الرئيس الفرنسي ماكرون تخلص من عقدة الجزائر المتحكمة في النخبة الفرنسية القديمة، لهذا يريد التعامل مع الجزائريين بشكل جديد وبلغة جديدة، وهو ما لمح له عند زيارته كمرشح في 2017 عندما ذكر أنه يتعامل من دون عقدة مع الجزائريين لأنه صغير في السن ولا يملك لا هو ولا عائلته ماضيا استعماريا في الجزائر، وهو ما يعني أن مقبل الأيام لن يكون بردا وسلاما على العلاقات الجزائرية الفرنسية.


الأخطر من هذا هو ما سيتعرض له المهاجرون الجزائريون في مستقبل الأيام من تحرشات من قبل يمين لم يعد معقدا، وهو يُظهر للعلن ما كان يخفيه ويستحي منه إلى وقت قريب، في مجتمع عرف رغم ذلك تاريخيا بحضور قوي لتيارات ديمقراطية ويسارية متفتحة، دافعت عن قيم نبيلة كانت حاضرة لدى أوساط اجتماعية واسعة في فرنسا، استطاعت نخبها أن تحاصر هذه الأفكار اليمينية المتطرفة وتحاربها، رغم دخولها لاحقا مرحلة ضعف، كما هو حاصل في كل العالم، فالأكيد أن الجزائر والجزائريين سيكونون حاضرين داخل الحملة الانتخابية الفرنسية – كممثلين للعرب والمسلمين وأصحاب البشرة السوداء – بشتى الأشكال ليس كتاريخ فقط، بل كحضور بشري مهم داخل المجتمع الفرنسي، الحال نفسه بالنسبة للعلاقات بين الدولتين، ما يفرض علينا الكلام عن مسؤوليات الطرف الجزائري الرسمي والشعبي، وعدم الاكتفاء بالحديث عن الطرف الفرنسي، بما فيها مسؤوليات النخب الجزائرية، التي يجب أن تتخلص من هذه العلاقة المرضية التي تقيمها مع فرنسا، والتي تكلم عنها السفير الفرنسي بإسهاب كجزء من هذا الخطاب الجديد المتخلص من عقده التاريخية، وهو يذكر حالة التذلل التي يكون عليها المسؤولون الجزائريون للحصول على تأشيرة لزيارة فرنسا، أو تسجيل الأبناء والاحفاد في الثانوية الفرنسية، جعلت السفير الفرنسي يشبه ذلك بسياسة «الغذاء مقابل البترول» سيئة السمعة في التجربة العراقية، وهو يذكر حالة ذلك الوزير الجزائري – ذكره بالاسم – الذي كان يرفض استقباله، ويتعمد «إهانته» ليطلب منه في الأخير تسجيل أحفاده في الثانوية الفرنسية، أو ذلك المجاهد الذي يكتب للدفاع عن المدرسة الجزائرية في الصحافة، من دون أن ينسى طلب تسجيل أحفاده في الثانوية الفرنسية قبل الخروج من إقامة السفير الفرنسي، التي كان ينتقد داخلها بقوة المدرسة الجزائرية، نعم أحفاد وليس أبناء، فنحن أمام جيل ثالث من أبناء هذه النخبة الجزائرية التي لاحظ السفير «تغييرا مهما» في سلوكها، كان الواحد منهم ينتظر اللقاء الثاني أو الثالث لطلب التأشيرة وتسجيل أبنائه في الثانوية الفرنسية، خلال عهدتي الثانية الطلب يكون بعد اللقاء الأول مباشرة.

 

(القدس العربي اللندنية)