كشفت وثائق وعقود "سرية" تورط شقيق حاكم مصرف لبنان في سرقة أموال المصرف، من خلال العمولات التي كان يتقاضاها من البنوك التجارية على مشترياتها من الأوراق الحكومية.
وأظهرت الوثائق، وفقا لرويترز، أن مصرف لبنان المركزي ظل على مدى أكثر من عشر سنوات يتقاضى من البنوك التجارية في البلاد عمولات على مشترياتها من الأوراق المالية الحكومية، دون أن يوضح أن معظم هذه العمولات تؤول إلى شركة يسيطر عليها شقيق حاكم البنك المركزي.
وقالت الوكالة إنها اطلعت على أربعة عقود بين مصرف لبنان وبنك تجاري لبناني ترجع إلى الفترة من 2004 إلى 2014، وتنص على أن البنك يوافق على دفع ثلاثة أثمان عمولة قدرها واحد في المئة على مشترياته من شهادات الإيداع الحكومية بملايين الدولارات.
وقال اثنان من كبار التنفيذيين في القطاع المالي لرويترز، إن مثل هذه العقود عادية للبنوك التجارية التي كانت تشتري إصدارات الحكومة من الأوراق المالية في ذلك الوقت.
ولا تشير العقود من قريب أو بعيد إلى شركة فُوري أسوسييتس، التي يسيطر عليها رجا سلامة، شقيق حاكم البنك المركزي رياض سلامة.
وكان رياض سلامة قال لرويترز، في مقابلة في نوفمبر تشرين الثاني، إن تلك الشركة كانت تحصل على هذه العمولات. ولم يتسن الاتصال بشقيقه رجا للتعليق.
وقال رياض سلامة لرويترز إن مهمة شركة فُوري الوحيدة "كانت جمع هذه العمولات والرسوم كلها، وإعادة توزيعها وفقا للتعليمات"، لكنه لم يذكر تفاصيل عن هذه التعليمات.
وأضاف أن العمولات تتسم بالشفافية، ووافق عليها مجلس المصرف المركزي، وأنه لم تكن هناك أي شكوى من أحد في ذلك الوقت.
قال حليم برتي، المتحدث باسم مصرف لبنان، لرويترز إن مجلس المصرف لا يمكنه الرد على أسئلة عن قراراته؛ لأن حاكمه هو الوحيد المفوض سلطة التحدث باسمه.
وتخضع العمولات وأوجه صرفها لتحقيقات في أوروبا ولبنان.
وتوضح رسالة وجهها المدعي العام السويسري إلى المسؤولين اللبنانيين في العام الماضي، واطلعت عليها رويترز، أن السلطات السويسرية تشتبه في أن أشقاء سلامة ربما حصلوا دون سند قانوني على أكثر من 300 مليون دولار بهذه الطريقة من مصرف لبنان المركزي بين عامي 2002 و2015، وغسلوا جانبا من هذه الأموال في سويسرا.
وقال مكتب المدعي العام السويسري لرويترز إنه يجري تحقيقا جنائيا في شبهات بحدوث "غسل أموال مستفحل فيما يتصل بجرائم اختلاس مزعومة بما يضر بمصالح مصرف لبنان المركزي". لكنه امتنع عن الإدلاء بأي تعليق آخر في هذا التقرير.
وقال سلامة إن هذه العمولات الواردة في العقود التي اطلعت عليها رويترز كانت تدفع لشركة فُوري.
وهو ينفي حدوث اختلاس من المال العام، قائلا إن أموال هذه العمولات كلها لا تخص المصرف المركزي.
وقال سلامة لرويترز إن العمولات كانت توجه إلى ما وصفه بحساب "مقاصة" في المصرف المركزي، ثم تُحوّل بعد ذلك إلى شركة فُوري. وأضاف أنه تعاقد مع شركة التدقيق بي.دي.أو سمعان غلام وشركاهم لتقصي الأمر.
وأضاف سلامة لرويترز، في نوفمبر تشرين الثاني، أن تقرير شركة التدقيق توصل إلى أنه "لم تذهب أي من الأموال التي تخص مصرف لبنان إلى هذا الحساب". وامتنع عن إطلاع رويترز على التقرير. وامتنعت شركة التدقيق عن التعليق.
غير أن تفاصيل العقود التي اطلعت عليها رويترز، ولم يسبق نشر شيء عنها، توضح أن العملات كانت تدفع لمصرف لبنان المركزي. وتنص ثلاثة عقود مكتوبة باللغة العربية ومطبوعة على ورق يحمل شعار المصرف المركزي على أن البنك المتعاقد يفوض البنك المركزي في خصم عمولة قدرها ثلاثة أثمان الواحد في المئة. ولم يرد ذكر لشركة فُوري في أي من العقود.
وقالت خمسة مصادر تشغل حاليا أو كانت تشغل حتى فترة قريبة مناصب رفيعة في النظام المالي اللبناني، وعلى اطلاع مباشر على هذه العقود لرويترز، إنها لم يسبق أن سمعت شيئا عن شركة فُوري حتى نشر أنباء عن التحقيق السويسري العام الماضي.
وقال سلامة إن علاقة مصرف لبنان بشركة فُوري، التي بدأت في 2002، ليست حصرية. وأضاف أن ست شركات أخرى تؤدي خدمات مماثلة للمصرف المركزي. وعندما طلبت منه رويترز ذكر أسماء الشركات امتنع عن ذلك.
التحقيق يواجه مقاومة
يقول خبراء إنه ليس من الغريب أن تتقاضى البنوك المركزية عمولات على بعض المعاملات. لكن أموال العمولات توجه في العادة إلى البنوك المركزية؛ لمساعدتها في تمويل عملياتها، وتقليل اعتمادها على المال العام.
ويضيف الخبراء أن توجيه العمولات إلى أطراف ثالثة أمر غير معتاد، ويتناقض مع الهدف من تقاضيها.
وقال مايك عازر، الخبير في النظام المالي اللبناني، أستاذ الاقتصاد السابق بجامعة جونز هوبكينز في الولايات المتحدة: "من الواضح أن هذه أموال عامة؛ لأن المصرف المركزي كان سيحصل على صفقة أفضل لو لم تُدفع العمولة لشركة فُوري"، وذلك بالحصول عليها.
ويشغل سلامة (71 عاما) منصب حاكم مصرف لبنان منذ 29 عاما. وتزايد تسليط الأضواء عليه منذ الانهيار المالي الذي شهدته البلاد عام 2019. وكانت له في السابق مكانة مرموقة لقيادته النظام المصرفي اللبناني، لكن كثيرين يتهمونه الآن بأنه وراء الانهيار والانخفاض الكبير الذي أعقبه في قيمة العملة اللبنانية، ودفع بأغلب اللبنانيين إلى صفوف الفقراء.
وينفي سلامة مسؤوليته، ويحمّل المسؤولية للساسة، الذين يقول إنهم أسرفوا في الإنفاق لعشرات السنين.
ولا يزال سلامة يتمتع بتأييد بعض من أكثر ساسة لبنان نفوذا، ومنهم رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الوزراء نجيب ميقاتي.
وقال المحامي العام التمييزي جان طنوس لرويترز، في نوفمبر تشرين الثاني، إن سلامة موضع تحقيق للاشتباه في اختلاس أموال عامة والإثراء غير المشروع وغسل الأموال. غير أن تحقيقاته واجهت مقاومة.
فقد قال أربعة مصادر مطلعة على التحقيقات إن البنوك التجارية رفضت إطلاع طنوس على معلومات الحسابات التي كان يطلبها لاستخدامها كأدلة، وذلك استنادا إلى قوانين السرية المصرفية التي ترجع إلى خمسينيات القرن العشرين.
وقالت المصادر إن البنوك أبلغت طنوس بضرورة طلب هذه المعلومات من هيئة التحقيق الخاصة بمصرف لبنان المركزي، والتي يرأسها سلامة بنفسه.
وامتنع طنوس عن الإدلاء بتعليق في هذا التقرير. ولم ترد هيئة التحقيق الخاصة على طلب للتعليق على الأمر.
ومنع غسان عويدات، النائب العام التمييزي، طنوس من حضور اجتماع في باريس للمدعين العامين في أوروبا، في يناير/ كانون الثاني، كان الهدف منه تنسيق وتبادل المعلومات عن سلامة، وذلك حسب ما ورد في مراسلات اطلعت عليها رويترز بين عويدات وعضو في هيئة يوروجوست المختصة بالعدالة الجنائية في الاتحاد الأوروبي.
وامتنع عويدات ويوروجوست عن التعليق.
جدل حول هوية الغاز العربي إلى لبنان.. "مصري أم إسرائيلي"؟
لبنان يوقع اتفاقا لتزويده بالكهرباء من الأردن عبر سوريا
لبنان يعلن استمرار تعليق دفع الديون وعجز موازنة 2022