اتخذ
المجلس المركزي لمنظمة التحرير
الفلسطينية في دورته الأخيرة (6-8 شباط/ فبراير)
قرارات هامة كتعليق (وليس إنهاء) الاعتراف بدولة "إسرائيل" لحين
اعترافها بدولة فلسطين، ووقف التنسيق الأمني معها بأشكاله المختلفة، إضافة لرفض
مشروع السلام الاقتصادي كبديل عن السلام الدائم والعادل.
تلك
القرارات الهامة لم تلق حماساً أو اهتماماً لدى الرأي العام الفلسطيني، رغم حُلّتها
الجديدة المنقّحة للمرة الثالثة بعد صدورها مكررة في اجتماعين سابقين للمجلس
المركزي عامي 2015 و2018. فالشعب الفلسطيني يبدو أنه ملّ من التكرار ولم يعد يثق بالشعارات،
لا سيّما وأن بيان المجلس المركزي قيّد تنفيذ تلك القرارات الوطنية الهامة والحسّاسة؛
بتكليفه اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية (القيادة) بوضع الآليات
المناسبة لتنفيذها "وفق ما تقتضيه المصلحة الوطنية العليا للشعب
الفلسطيني".
وإذا
كان السيد الرئيس بصفته قائداً ورئيساً للجنة التنفيذية يؤمن بالتنسيق الأمني مع
الاحتلال كمصحلة وطنية عليا للشعب الفلسطيني، ويؤمن بعبثية المقاومة وصواريخها،
ويهدد ويتوعّد كل من تسوّل له نفسه بالعنف ضد الاحتلال ومستوطنيه، سوى العنف
اللفظي (طبعاً كل شيء بحدود وليس كشهيد الكلمة نزار بنات) كشكل من أشكال المقاومة
الشعبية والدبلوماسية الناعمة.. فكيف يمكن للشعب الفلسطيني أن يُصدّق تلك القرارات؟
وكيف يُراد للفصائل الوطنية أن تحتفي بها أو تُثمنها وهي تعلم أنها قرارات فصّلت
لذر الرماد في العيون للتغطية على فشل فريق أوسلو السياسي، باستثناء التعاون
الأمني مع الاحتلال الذي بدوره لم يحترم شركاءه في السلام بقتله ثلاثة شبّان من
حركة "فتح" في نابلس بدم بارد؛ قبل صدور بيان المجلس المركزي العتيد؟!
من الواضح أن قيادة منظمة التحرير الفلسطينية قيادة السلطة بتركيبتها الحالية، علاوة على أنها قيادة متفرّدة ومستحوذة باتت قيادة بنكهة ديكتاتورية
من
الواضح أن قيادة
منظمة التحرير الفلسطينية قيادة السلطة بتركيبتها الحالية، علاوة
على أنها قيادة متفرّدة ومستحوذة باتت قيادة بنكهة ديكتاتورية؛ فبالرغم من انتهاء ولاية
الرئيس والمؤسسات القيادية دستورياً، إلا أنها لا زالت تمارس دورها بأريحية وثقة
حتى بعد أن ألغت الانتخابات العامة، وتنكرت لاستحقاقات وثيقة الوفاق الوطني لعام
2005 والاتفاقيات الوطنية كافة. فهي تعمل على تأهيل وتوريث القيادة لشخصيات موالية
مقبولة أمريكياً وإسرائيلياً؛ بتصعيدها الوزير حسين الشيخ، رئيس الهيئة العامة
للشؤون المدنية الفلسطينية (هيئة معنية بالتنسيق مع الاحتلال)، عضواً للجنة
التنفيذية للمنظمة، ليحل مكان المرحوم صائب عريقات، كبير المفاوضين الفلسطينيين،
ما يشير إلى معالم المرحلة وإلى طبيعة القيادة القادمة خلفاً للرئيس عباس إذا
انتقل إلى دار الحق بعد عمر طويل.
وهذا
بغض النظر عن شرعية القيادة الفلسطينية الرسمية من عدمه، فالشرعية الدستورية أو
الشعبية هنا لا قيمة لها أمام عبقرية القيادة التي تُعيد عَجْن منظمة التحرير بما
يتناسب مع متطلبات مرحلة تقتضي ضمناً حكماً ذاتياً تحت سيادة الاحتلال؛ الذي سيحرص
بدوره خلال المرحلة القادمة على تقديم هدايا من التسهيلات الاقتصادية، ولم شمل
العائلات في الضفة الغربية وقطاع غزة، تسويقاً ودعماً للقيادة الجديدة طالما
التزمت ونفّذت بأمانة الأجندة المطلوبة، مع السماح لها بهامش من المناورة إلاعلامية
بإطلاق تصريحات أو تهديدات نارية ضد الاحتلال إن لزم الأمر، حفاظاً على الصورة
الوطنية النضالية والقبول الشعبي لها.
أمام هذا الواقع أصبحت الكرة في ملعب فصائل العمل الوطني التي اتسعت دائرتها بامتناع الجبهة الشعبية عن حضور اجتماع المجلس المركزي الأخير؛ رفضاً لسياسة التفرد والتهميش وتجاهل الرئيس عباس التوافق الوطني لا سيّما بعد الغائه الانتخابات التشريع
أمام
هذا الواقع أصبحت الكرة في ملعب
فصائل العمل الوطني التي اتسعت دائرتها بامتناع
الجبهة الشعبية عن حضور اجتماع المجلس المركزي الأخير؛ رفضاً لسياسة التفرد
والتهميش وتجاهل الرئيس عباس التوافق الوطني لا سيّما بعد الغائه الانتخابات التشريعية،
ما يتطلب المزيد من الجهد لتشكيل إطار أو جبهة وطنية تأخذ على عاتقها جمع القوى
والفصائل التي تؤمن بالشراكة وتؤمن بالمقاومة ركناً أساسياً لدحر الاحتلال.
وفي
هذا السياق، فإن التنسيق بين الفصائل لتشكيل جبهة وطنية لا يعني بالضرورة بديلاً
عن منظمة التحرير الفلسطينية بقدر ما هو تفعيل للحالة الوطنية واستدامة المواجهة
مع الاحتلال لاسترداد الحقوق، وفقاً لسياسة الأمر الواقع المفروض بالقوة، لأن
الاحتلال والعالم لا يُعير اهتماماً لا لمنظمة التحرير ولا لفصيل مهما عظمت
شعاراته إلا إذا امتلك عنصر القوة والمبادرة، وهذا في وسع القوى والفصائل التي ستجد
حينها الشعب الفلسطيني معها إذا أحسنت إدارة واستثمار الإمكانات
المتاحة، وخير شاهد على ذلك معركة "سيف القدس" التي فرضت نفسها محلياً
ودولياً بإرادة شعبية عارمة.