قضايا وآراء

تونس: هيئة الدفاع عن الشهيدين.. بين مسارات العدالة وثارات القبائل

1300x600
تمهيدا لمرسومه القاضي بحل المجلس الأعلى للقضاء واستبداله بهيئة مؤقتة، أطلق قيس سعيد عنان أنصاره وهيئة الدفاع عن الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي للتظاهر يوم 6 شباط/ فبراير الجاري، ولممارسة أسوأ أشكال الترذيل والتشويه والتحريض ضد حركة النهضة وخاصة ضد زعيمها الأستاذ راشد الغنوشي، في إطار خطة استهداف رمز الاعتدال الإسلامي (انظر عربي21 بتاريخ 31 كانون الثاني/ يناير 2022).

من حق هيئة الدفاع عن الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي توسيع دائرة الظنون والشكوك، بما يوفر فرصا أكبر للوصول إلى الحقيقة وكشف الجناة.

كشف الجناة ليس فقط خدمة لأهل الشهيدين وحزبيهما، بل وللبلاد كلها حين نرفع عنها كابوسا ونريحها من صداع، ونعفيها من حالة الصراع المهدد للسلم الأهلي والنسيج المجتمعي.

حركة النهضة ستكون هي المستفيدة من تحديد الجناة، وهي التي دفعت وما زالت تدفع تبعات كل الجرائم الإرهابية لأنها عجزت عن منعها وهي في السلطة، بل وعجزت عن تبرئة نفسها رغم أنها كانت تتولى وزارتي العدل والداخلية في حكومتي حمادي الجبالي وعلي لعريض، قبل اضطرارها للخروج من الحكم والقبول بحكومة كفاءات وطنية غير حزبية.
كشف الجناة ليس فقط خدمة لأهل الشهيدين وحزبيهما، بل وللبلاد كلها حين نرفع عنها كابوسا ونريحها من صداع، ونعفيها من حالة الصراع المهدد للسلم الأهلي والنسيج المجتمعي

"هيئة الدفاع تلك"، مهمتها العمل على كشف الحقيقة وليس توجيه الاتهامات، من حقها توجيه الشكوك بقرائن منطقية أو مادية ثم دعوة القضاء للتثبت من تلك الشكوك، ودعوة من يشملهم الشك للإدلاء بشهاداتهم والرد على ما يوجه نحوهم من ظنون.

"هيئة الدفاع" تلك، لم تكتف بتوجيه التهم دون دليل وممارسة التشهير والترذيل بل تقدمت خطوة نحو محاولة "القصاص" ممن عجزت عن تأكيد تورطه بالأدلة أو بحكم قضائي رغم كل محاولات التوريط التي استمرت تسعة أعوام مستفيدة مما يتيحه الإعلام الداخلي والخارجي من مساحات للدعاية والادعاء.

كانت تلك الهيئة وفي بلاغ لها يوم الجمعة قد دعت "عموم الشعب التونسي للحضور يوم السبت 12 شباط/ فبراير 2022 ثم التحول أمام منزل الغنوشي لحضور المهرجان الخطابي المزمع ارتكابه بهذه المناسبة" (يلاحظ القارئ مفردة "ارتكابه").

التوجه نحو بيت الغنوشي لا يدخل ضمن ممارسة حرية التعبير والتظاهر، إنما هو جريمة متعددة الوجوه، جريمة قذف من خلال الشعارات، وجريمة اقتحام حرمة مسكن مع سابقية القصد والإعداد، وجريمة تحريض على الفوضى والفتنة.

سلوك "هيئة الدفاع" عن الشهيدين هو سلوك لا علاقة له بالقانون ولا بالمدنية والحداثة التي يزعمون انتماءً لها، إنه سلوك همجي تجاوزته مجتمعات الدولة المدنية التي قطعت مع الثارات القبلية، تحركها العصبيات والغرائز والأحقاد.

إن أي متابع لأداء عناصر هذه الهيئة خطابا وسلوكا لا يجد صعوبة في استنتاج أن هؤلاء إنما يخوضون معركة سياسية أيديولوجية ضد الرجل، سواء باعتباره رئيس حزب أو باعتباره رئيس برلمان أو باعتبار وزنه السياسي والفكري محليا وإقليميا وعالميا.
هؤلاء لا يخوضون معركة قانونية هادئة ولا معركة فكرية عميقة ولا صراعا سياسيا راقيا، إنما يمارسون بلطجة وهمجية وسوء أدب، وهم يستفيدون من تحريض قيس سعيد على القضاء، خاصة بعد جريمة اختطاف وزير العدل السابق والنائب بالبرلمان نور الدين البحيري

هؤلاء لا يخوضون معركة قانونية هادئة ولا معركة فكرية عميقة ولا صراعا سياسيا راقيا، إنما يمارسون بلطجة وهمجية وسوء أدب، وهم يستفيدون من تحريض قيس سعيد على القضاء، خاصة بعد جريمة اختطاف وزير العدل السابق والنائب بالبرلمان نور الدين البحيري -والذي لم يطلق سراحه حتى الآن- ويستفيدون من ضعف الدولة -للأسف- ويستفيدون أساسا من حرص قيادات النهضة على منع الانجرار نحو أساليب "التأديب" التي خاضها شباب الحركة الطلابية في أكثر من مناسبة طيلة السبعينات وبداية الثمانينات؛ لفرض "الانضباط" داخل الحرم الجامعي ومنع البلطجة الأيديولوجية.

الغنوشي الذي يجلس على أريكة ثلج ولا ينفعل ولا يتوتر، عليه أن يذبّ عن حرمة بيته أولا وعن كرامة منتسبي حركته ثانيا عن طريق الذهاب إلى القضاء، وهو لا يحتاج جهدا لإقامة الدليل فالفيديوهات متوفرة على مواقع التواصل الاجتماعي وفيها الأدلة بالصور والأصوات والمكان والزمان.

إن من يتهددون استقرار الدولة ومدنيتها ليسوا فقط دعاة الفوضى، بل وأساسا دعاة الصبر على ما لا يحتمل صبرا. فعدم الاحتكام إلى قانون الدولة ضد المتعجرفين الهمج إنما هو إهانة للدولة، ومساهمة في تجرئة أصحاب الوعي القبلي عليها.
من يتهددون استقرار الدولة ومدنيتها ليسوا فقط دعاة الفوضى، بل وأساسا دعاة الصبر على ما لا يحتمل صبرا. فعدم الاحتكام إلى قانون الدولة ضد المتعجرفين الهمّج إنما هو إهانة للدولة، ومساهمة في تجرئة أصحاب الوعي القبلي عليها

هل كانت تلك الهمجية ضرورية كي يعلن قيس سعيد في منتصف الليل عن بعث هيئة قضائية مؤقتة تنشر تفاصيلها بالرائد الرسمي فجر الأحد، استباقا لاحتجاجات شعبية مقررة لصبيحة نفس اليوم؟

ومما جاء في المرسوم الرئاسي الخاص بتشكيل مجلس أعلى مؤقت للقضاء كما ورد في الرائد الرسمي:

- يتكون المجلس من ثلاثة مجالس (قضاء عدلي، مالي وإداري).

- يتكون كل مجلس من سبعة قضاة: أربعة بصفاتهم وثلاثة قضاة متقاعدين يعينهم رئيس الجمهورية (لا وجود لمحامين أو لمهن أخرى).

- يترأس المجلس الرئيس الأول لمحكمة التعقيب وينوبه رئيس المحكمة الإدارية ورئيس محكمة المحاسبات.

- يحق لرئيس الجمهورية طلب إعفاء أي قاض "يخل بواجباته" بناء على تقرير معلل من رئيس الحكومة أو وزير العدل، ويصدر المجلس "فورا" قرارا بإيقاف القاضي المعني عن العمل إلى حين البت في ملفه.

- يحق لرئيس الجمهورية الاعتراض على أي تسمية أو ترقية أو نقلة في الحركة القضائية بناء على تقرير معلل من رئيس الحكومة أو وزير العدل.
قيس سعيد بصدد تفكيك مؤسسات الدولة ولا يستبعد أنه سيذهب إلى حل هيئة الانتخابات وهيئة الإعلام، وربما حتى اتحاد الشغل ومنظمة الصناعة والتجارة واتحاد الفلاحين وحتى الأحزاب، فالرجل لا يؤمن بالأحزاب وله تصور للدولة هو بصدد تنزيله ببطء؛ لا يحاور أحدا ولا يستشير ولا يأبه بضغوط الخارج وكأنه زعيم دولة عظمى

- يحق لرئيس الجمهورية الاعتراض على ترشح للوظائف العليا في القضاء بناء على تقرير حكومي.

- يمنع على القضاة الإضراب.

- فترة عمل المجلس مفتوحة إلى غاية تشكيل مجلس أعلى للقضاء.

قيس سعيد لا يصغي لأصوات معارضيه، وكأنه يقول لهم قولوا ما تريدون وأنا أفعل على الميدان وفي الواقع ما أريد.

قيس سعيد بصدد تفكيك مؤسسات الدولة ولا يستبعد أنه سيذهب إلى حل هيئة الانتخابات وهيئة الإعلام، وربما حتى اتحاد الشغل ومنظمة الصناعة والتجارة واتحاد الفلاحين وحتى الأحزاب، فالرجل لا يؤمن بالأحزاب وله تصور للدولة هو بصدد تنزيله ببطء؛ لا يحاور أحدا ولا يستشير ولا يأبه بضغوط الخارج وكأنه زعيم دولة عظمى، وهذا ما يدفع الكثير من المراقبين إلى التساؤل إن كان الضغط الخارجي حقيقيا أم هو خدعة لتخدير المعارضة وتمكين المنقلب من تركيز قواعده ميدانيا، خاصة وقد تابعنا تباطؤ هذا العالم الغربي في إعطاء موقف من انقلاب مصر.

twitter.com/bahriarfaoui1