اقتصاد عربي

إلغاء الدعم.. أثاره السيسي في 2021 فهل يطبقه في 2022؟

تراجع وزن رغيف أربع مرات منذ عام 2017 من 130 إلى 90 غراما- الأناضول
للمرة الثانية خلال عام واحد تطرق رئيس سلطة الانقلاب عبد الفتاح السيسي، إلى عدم رضاه عن استمرار منظومة دعم السلع التموينية، والتي تنقسم إلى شقين الأول دعم نقدي مشروط قيمته 50 جنيها للفرد يتم صرفه ببطاقة للحصول على بعض السلع الرئيسية مثل الأرز والزيت والسكر، والثاني دعم عيني يحصل بموجبه كل مواطن على 5 أرغفة من الخبز، أو "العيش" كما يطلق عليه المصريون.

في المرة الأولى، خاض السيسي في واحدة من أكثر النقاط حرجا وهي "رغيف الخبز"، والحديث عن خفض الدعم ليس بالحديث الجديد، إذا أشار السيسي في آب/ أغسطس 2021 إلى إمكانية رفع الدولة جزء من الدعم المقدم لأسعار الخبز، قائلا: "ليس معقولا أن تبيع الحكومة 20 رغيف خبز بثمن سيجارة واحدة"، في إشارة إلى أن سعر رغيف الخبز 5 قروش في حين أنه يكلف الدولة 60 قرشا. (الدولار يساوي 15.70 جنيه).

وأصدر الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (حكومي)، في 17 تشرين الأول/ أكتوبر 2021، بمناسبة اليوم العالمي للقضاء على الفقر، بيانا أشار فيه إلى أن معدلات الفقر في مصر بلغت نسبة 29.7 في المئة خلال عام 2019 – 2020، أي أن نحو ثلث الشعب المصري يعاني من الفقر.

وفي المرة الثانية، تطرق السيسي إلى بطاقات التموين، معلنا عدم منح أي بطاقات جديدة للمقبلين على الزواج واقتصارها على اثنين فقط، وقال قبل أيام من نهاية العام الجاري: "لا يمكن هدي (منح) بطاقة تموين تاني لحد بيتجوز، لأنك لو بتتجوز ومستني إن الدولة تديك بطاقة تموين، إنت مش قادر تتجوز، مش قادر تصرف يعني.. إزاي يعني، لا دا كلام مش مضبوط".

ويلقي نظام السيسي باللوم على فاتورة الدعم بشكل عام في زيادة عجز الموازنة في ظل نمو سكاني مطرد، وتأخر الدولة لسنوات.

ورغم إلغاء الدعم عن الكهرباء وتقليص الدعم بشكل حاد عن المواد البترولية، وبقاء الدعم التمويني فقط، فإن مؤشرات الموازنة لم تتحسن، بل زاد العجز بسبب سياسة الاقتراض على المشروعات غير الإنتاجية.

وتبلغ فوائد الديون المقدر سدادها عن القروض المحلية والأجنبية السنة المالية 2022 بنحو 579.58 مليار جنيه (37 مليار دولار)، مقابل 187 لدعم السلع التموينية (نحو 12 مليار دولار)، بحسب وزارة المالية.

أزمة السيسي مع الدعم

يصل عدد بطاقات التموين نحو 23 مليون بطاقة، يستفيد منها قرابة 64 مليون مواطن، ونحو 72 مليون مصري يستفيدون من دعم الخبز من مجموع عدد سكان البلاد البالغ نحو 103 ملايين نسمة، وتبلغ فاتورة دعم السلع الغذائية 87.2 مليار جنيه مصري (ما يعادل نحو 5.5 مليار دولار) منها 50 مليار جنيه لدعم الخبز، و37 مليار جنيه لدعم السلع التموينية، طبقا لموازنة العام المالي الحالي.

وطبقا للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، فإن نحو 90 في المئة من أطفال مصر يستفيدون من الدعم الغذائي، ويحصل كل فرد على 5 أرغفة خبز يوميا، بسعر 5 قروش للرغيف الواحد، في حين أن تكلفته الفعلية تصل نحو 65 قرشا.

في 2014، قرر نظام السيسي تحويل نظام دعم السلع التموينية من "نظام سلعي" بحت؛ أي يحصل المواطن على حصة تموينية عينية لا تتأثر بارتفاع الأسعار (أرز وسكر وزيت ومعكرونة وشاي) إلى "نظام نقدي مشروط" بشراء سلع تموينية بأسعار السوق الحر يتأثر بزيادة الأسعار، وبالتالي تتراجع كمية السلع التموينية التي يحصل عليها.

وظل دعم الخبز سلعيا (عينيا) وخلال السنوات التالية، رفعت الحكومة قيمة الدعم النقدي التمويني للفرد من 15 إلى 18 جنيهًا ثم رفعته ليكون 21 جنيهًا، حتى بلغ 50 جنيهًا في 2017، ومنذ ذلك الحين تضاعفت الأسعار ولم ترتفع قيمة الدعم، ما يعني خفض الدعم السلعي إلى نحو 50 بالمئة، فقد زاد سعر الزيت الخليط من 17 جنيها إلى 25 جنيها بزيادة قدرها 47 بالمئة.


الدعم بين موازنتي 2014 و2021

وفي ما يتعلق برغيف الخبز تراجع وزنه أربع مرات منذ عام 2017 من 130 إلى 120، ثم 110، ثم 90 غراما ما يعني تقلص حصة الخبز من 650 غراما يوميا إلى 450 غراما؛ أي ما يعادل 30 بالمئة، ما يعني خفض الدعم بشكل غير مباشر.

وبالتوازي مع ذلك تراجع تراجع عدد مستحقي دعم الخبز بين عامي 2017 و2021، بواقع ما يقرب من ستة ملايين فرد، وتراجع عدد المستفيدين من دعم السلع التموينية بواقع 6.4 مليون فرد.

كما أنه تم تقليص الدعم عن بعض القطاعات وألغي في البعض الآخر.

وبالعودة إلى موازنة 2013/ 2014 بلغت مصروفات الدعم والمنح والمزايا الاجتماعية نحو 228.6 مليار جنيه (نحو 48 مليار دولار بسعر ذلك الوقت)، وبلغت فاتورة الدعم السلعي والتمويني  187.7 مليار (26.4 مليار دولار)، من بينها 126 مليار جنيه (17.7 مليار دولار) لدعم المواد البترولية، و35.5 مليار جنيه (نحو 5 مليارات دولار) لدعم السلع التموينية.

فيما بلغت مخصصات الدعم والمنح والمزايا الاجتماعية في ميزانية 2021/ 2022 نحو 321 مليارا (نحو 20.5 مليار دولار)، منها نحو 183 مليارا مخصصة للدعم السلعي التمويني (نحو 11.6 مليار دولار).

وبلغ إجمالي مصروفات الموازنة العامة نحو 1.8 تريليون جنيه، تضمن خفض دعم المواد البترولية إلى 18.4 مليار جنيه، وبلغ دعم الكهرباء صفر في 2022/2021، وكان دعم المواد البترولية يبلغ 145 مليار جنيه إضافة إلى 80 مليار جنيه لدعم الكهرباء في موازنة 2017/ 2018 بحسب وكالة رويترز.

بالمقارنة بين موازنتي عامي 2013/ 2014 وموازنة 2021/ 2022 يتضح الفرق الشاسع بين حجم الدعم وكيف تقلص بشكل كبير ورغم ذلك زاد العجز في الموازنة، ويتساءل مراقبون: فأين ذهبت هذه الوفرات؟ ولماذا لم تحل أزمة الدولة التي تلقي باللوم على فاتورة الدعم؟ وهل يصر السيسي على تصفير موازنة الدعم؟

انعكست إجراءات حكومة السيسي التي تمضي قدما في إلغاء كل صور الدعم على حياة 70 مليون مواطن مصري من مستحقي الدعم رسميا وفق بيانات وزارة التموين بعد أن فقدوا نحو 47 بالمئة من قيمة دعم السلع، و30 بالمئة من حجم دعم الخبز، فيما تأثر الجميع بإنهاء دعم الكهرباء والوقود.

أين وفرات رفع الدعم؟

واستهجن الباحث في الاقتصاد السياسي، مصطفى يوسف، "استغلال الحكومة المصرية أزمة عجز الموازنة بسبب الاقتراض الخاطئ في اتهام بند مخصصات الدعم بالتهام الموازنة العامة والتحريض على إلغاء الدعم، دون النظر إلى وجود أكثر من 30 مليون فقير رسميا وأكثر من ذلك بكثير وفق جهات أخرى".

وأضاف مدير المركز الدولي للدارسات التنموية، لـ"عربي21"، أن "رفع وإلغاء وتقليص الدعم منذ عام 2014 لم يحل أزمة الموازنة، بل شاهدنا زيادة حجم هذا العجز ومضاعفة الضرائب، في حين كان من المفترض أن يذهب هذا الوفر إلى تحسين مستوى الخدمات ورفع مستوى المعيشة، ولكنه ذهب إلى سد عجز الموازنة وباب سد فوائد الديون التي ارتفعت لمستوى تاريخي".

وتوقع يوسف أن "تمضي الحكومة قدما في رفع الدعم نهائيا من خلال سياستها الهادفة إلى إنهاء كل أشكال الدعم، بغض النظر عن أحوال المصريين وظروفهم الاقتصادية، وتقييده بقوة في ما يتعلق بدعم التموين والخبز، في حين أن الدعم موجود في جميع دول العالم بما فيها الدول الغنية والمترفة".