ملفات وتقارير

خبير أمريكي: قصة أبي قنبلة باكستان النووية لم تنته برحيله

"كان غاضبا من إلقاء اللوم عليه على خلفية مشاركته للأسرار النووية، وكان يدّعي أنه لم يتصرف قط إلا بأمر"- أرشيفية

اعتبر الخبير الأمريكي بشؤون الطاقة ومنطقة الخليج، سايمون هندرسون، أن رحيل عبد القدير خان، العالم الباكستاني الذي أعطى أسرارا نووية لإيران وليبيا وكوريا الشمالية، لا يشكل نهاية لقصته.

 

وفي تقرير نشره معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، وموقع "ذا هيل"، سلّط هندرسون الضوء على مذكرات "خان"، التي تضم يوميات لأكثر من 40 عاما، منذ أن بدأ العمل على المشروع الباكستاني للأسلحة النووية عام 1976.

 

وتُعد المذكرات، المكتوبة باللغة الإنكليزية وأحيانا على شكل "خربشة سريعة"، كنزا فريدا من نوعه، بحسب هندرسون.

 

وعلى الرغم من أن المذكرات تكشف أمورا جديدة لمعظمنا، وفق الكاتب؛ "إلا أنني أشك في ما إذا كانت تكشف عن أي شيء لا يعرفه أساسا مجتمع الاستخبارات الأمريكية والوكالات الأجنبية الحليفة"، بحسبه.

 

وأضاف هندرسون: "أظن أن الحاجة إلى حلول الوسط (للولايات المتحدة)، والتي غالبا ما تشكل جوهر صياغة السياسة الخارجية، قد أعاقت الكشف عن الصورة الكاملة. وبطبيعة الحال، فقد سهلت باكستان هزيمة القوات السوفييتية في أفغانستان في ثمانينيات القرن الماضي وكانت شريكا أساسيا، في أعقاب هجمات الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر، في التعامل مع تنظيم القاعدة، وحتى اليوم من الضروري التعامل معها بحذر بعد أن سيطرت طالبان مجدداً على كابول".

 

اقرأ أيضا: وفاة عبد القدير خان مهندس البرنامج النووي الباكستاني (بروفايل)

 

وتابع: "يُعتبر غرور خان أمرا بالغ الأهمية لفهم هذا الرجل. فقد كان فخوراً بلقبه (أبي القنبلة الباكستانية) أو (أبي القنبلة الإسلامية)، إلا أنه كان غاضبا من إلقاء اللوم عليه على خلفية مشاركته للأسرار النووية. وكان يدّعي أنه لم يتصرف قط إلا بأمر أو تحريك من الحكومة الباكستانية".

 

ويتساءل الخبير الأمريكي: "ما الذي كان صحيحا؟"، ويجيب: "استنتجتُ أنه في بعض الأحيان كان لديه تفويض وأحيانا أخرى لم يكن لديه. وعندما لم يملك تفويضا، كانت السلطات الباكستانية - أي الجيش الذي يمثل القوة الحقيقية في البلاد - على علم عادة بما كان يفعله، وسمحت له، لسبب أو لآخر، بأن ينجو بفعلته".


وأوضح بالقول: "يضم مجلد عام 1980 في صفحاته مثالين واضحين على ذلك. في إحدى الأمسيات، جاء عقيد وزوجته لزيارته. كتب خان: أثناء الحديث سألني (أنا) بدقة ولكن بشكل عفوي عن ما إذا كانت أي دولة في الشرق الأوسط مهتمة بمشروعنا. وكان خان قبل ذلك بخمسة أيام قد قام بزيارة خاصة إلى العاصمة السورية دمشق، حيث التقى بوزير الدفاع اللواء مصطفى طلاس والجنرال حكمت الشهابي، رئيس أركان الجيش".

 

وكتب خان: "أجرينا مناقشة صريحة ومفتوحة"، وبعد ستة أشهر، كتب أيضا أن الرئيس محمد ضياء الحق، الديكتاتور العسكري الباكستاني، قال له: "يجب أن نتوخى الحذر في ما يتعلق بالرسومات. فهي كانت ثروتنا الوحيدة".

 


ويعلق هندرسون بالقول: "لقد كتبتُ عن باكستان والأسلحة النووية منذ أن كنتُ فيها مراسلا لقناة BBC في عامي 1977 و1978. وفي ذلك الوقت، كانت جهود باكستان للحصول على البلوتونيوم لاستخدامه في صنع قنبلة نووية هي القصة. وعدتُ إلى تلك البلاد في عام 1979، إثر تعرض زميلي، الذي عمل في صحيفة فاينانشال تايمز، والذي حل محلي، للضرب عندما حاول مقابلة خان، الذي كان دوره في توفير الوصول إلى مسارات اليورانيوم العالي التخصيب قد ظهر للتو إلى العلن".


ويتابع: "كتبت لاحقا قصصا متعددة لصحيفة فاينانشال تايمز حول محاولات باكستان شراء التكنولوجيا النووية وتجنب الرقابة على الصادرات من خلال إرسالها عبر دول الخليج مثل دبي. وفي إحدى المرات، عندما فاز خان بقضية استئناف في حكم غيابي بالسجن في هولندا، اتصلتُ به وطلبت الحصول على تعليقاته. ويبدو أن واقع اقتباسي له بدقة أثار إعجابه. لم أسأله مطلقا بشكل مباشر، ولكنه كان يعتقد على ما يبدو أنني كنتُ أفهم باكستان وكان يقدر فهمي للتكنولوجيا النووية".


ومنذ سنوات، يضيف هندرسون، "أخبرني (خان) بأنه يحتفظ بمذكرات. وفي الآونة الأخيرة، عندما طلبت منه الاطلاع عليها، قال: فقط بعد موتي. أجبته أن نعي الآخرين له سيحدد آنذاك تاريخ حياته. وقبل بضع سنوات، قرر أنه مستعد لمشاركتي نسخا إلكترونية من مذكراته، ولكنه قال: أتمنى ألا ينشر سايمون هندرسون أي شيء من المذكرات إلا بعد وفاتي، ما لم تصدر تعليمات بخلاف ذلك من قبلي أو من قبل عائلتي".


واختتم رسالة "لمن يهمه الأمر"، التي كتبها من منزله في إسلام أباد، بالجملة الآتية: "بعد وفاتي، أتمنى أن تتم مشاركة النسخ الإلكترونية من مذكراتي مع إحدى الجامعات، حيث يجب أن تكون متاحة لعلماء البحث".