فدائي فلسطيني حاله حال المئات من الفدائيين الذين وضعوا
البندقية على أكتافهم وأرواحهم بأيديهم، وواجهوا المحتل في أغوار الأردن ثم في حواري
بيروت، وعاشوا مرارة الشتات واللجوء بين مخيمات الأردن ولبنان، وجربوا كرم الضيافة
لسنوات في السجون العربية، وآثروا من بعد التخلي عن حسابات الولاءات والاصطفافات
الشخصية، وفضلوا الولاء للقضية.
ذلك الولاء الذي يدفع صاحبه الثمن غاليا في حياته؛ شقاء
وتعبا وضيق ذات يد، مع شهامة في الخلق ولسان عفيف نظيف بحق رفقاء النضال حتى لو
اختلف معهم.
هكذا كان قريبي ونسيبي الفدائي زياد نمر البخيت؛ الذي رحل
متأثرا بإصابته بهذا الوباء الذي عم البلاد والعباد.
زياد رحمه الله لم يكن هذا حاله لوحده، بل هو حال كثير من
المناضلين الشرفاء الذين ضاقت بهم قيادات تخلت عن سلاحها وساومت على مقدساتها
وتنازلت عن أرضها.. ولا أستبعد أن تسارع اليوم لتتقدم الصفوف في تشييع جثمانه ووضع
الملصقات واللوحات التي تدمغ صورته بشعارها، وهي لم تتعرف عليه كما ينبغي في حياته
ولم تتفقد أسرته وعائلته حتى في مرضه.
رحمك الله يا صديقي وأخي المناضل الفدائي زياد نمر البخيت،
ابن فلسطين، رحمة واسعة.
أودعك اليوم وأنا أستذكر كيف دفعت من حياتك وشبابك ثمن
الشتات الفلسطيني بين مخيم البقعة والضاحية الجنوبية في بيروت.
رحلت وقد التزمت بعدم توجيه بندقيتك سوى نحو الغاصب، ولم
تتخل عن الوفاء لمسيرتك ونضالك رغم من تخلى عنك.
رحلت وأنت تحلم بالعودة وتورث هذا الحلم لأبنائك من بعدك،
وتسعد كلما رأيت أحداً من أبنائنا يهتف للعودة مرتديا كوفيته.
أذكر كيف كنت تتابعني وتشجعني في المناشط المختلفة لأجل
فلسطين، وتحرص على أن أرسل لك فيديوهات أطفالي وهم يهتفون لفلسطين في لندن،
وتأخذها وأنت تكاد أن تطير بها فرحا وتنشرها على صفحتك على فيسبوك؛ متغنيا بجيل
النصر والتحرير كما كنت تراه وتؤكد ذلك لكل من يراك.
وأذكر كيف كنت تردد باستمرار ما قاله ناجي العلي كلما
حدثك أحدهم عن الخطوط الحمراء، تقول: أنا أعرف خطا أحمر واحدا؛ أنه ليس من حق أكبر
رأس أن يوقع وثيقة استسلام وتنازل لإسرائيل.
عندما كان أحدنا يجتهد بإقناع زياد حول لصوص الثورة ينكر
علينا ويقول: "ما في ثورجي حرامي ولكن ممكن يكون في حرامي صار ثورجي".
يرفض فكرة أن يكون اللص الذي تمتد يده على المال العام في أصله ثائرا!
قرأت له ذات مرة وهو ينعى أحد الشهداء، ولسان حاله ينعى
نفسه في تلك الكلمات وهو يقول: رحمك الله يا شهيد الأمة وقد خذلتك الأمة، ولكن هناءك
بين يدي رب الأمة.
آن الأوان لك أن تستريح بعد كل ما عانيت وقاسيت في مسيرتك.
وما يجمعني بك يا زياد أكبر من نسب أو صلة أخوال وأعمام
بين عائلاتنا، يجمعني بك ذلك الحب المتدفق لفلسطين، وتجمعني بك سجادة الصلاة ونحن
ندعو بالنصر والتمكين كلما تمكن من الأرض الجبين.
ومثلما سقيت قبور الشهداء في حياتك سيأتي من يقوم بسقاية قبرك،
فالوفاء لا يجازى إلا بالوفاء.
هل تذويب الشخصية الفلسطينية ممكن؟
الروح المعنوية الفلسطينية ومعوقات الواقع السياسي