لا ينفك الشعب الفلسطيني عن إبهار العالم بإبداعاته ومفاجآته
بإنجازاته.
في سبيل حريته يجترح المعجزات، وفي سبيل حريته محى من قاموسه
كلمة المستحيل.
الإنجاز الأخير لن يكون الأخير، وما زال في جعبة الشعب الحي
الكثير الكثير.
***
الاحتلال الذي يقدم نفسه لبعض الأنظمة العربية بأن استخباراته
هي الأقوى في العالم، وأن قدراته التكنولوجية هي الأبرع في العالم، ويقدم نفسه على
أنه القادر على حمايتها، لا ينفك يتلقى الصفعة تلو الصفعة على يد شعب أعزل.
لم يفر أو يهرب الأسرى الأبطال، بل انحازوا إلى أرضهم وشعبهم،
عبر عملية استغرقت ربما سنوات؛ ستسجل في التاريخ كأعقد وأنجح عمليات "الهروب"
من السجون.
أين كانت القدرات الهائلة لهذا الكيان؟ أين كانت آليته التكنولوجية
والبشرية وحتى الحيوانية؟ أين كانت بخترته وعنجهيته وغروره أمام ضيوفه العرب الجدد؟!
نجحت العملية، ولن يكون لأي إنجاز للاحتلال بعدها أيّ طعم.
ونجزم أن نجاحه، وإن تم، لن يتم إلا عبر عملائه، وإن حدث ذلك لا سمح الله، فستكون السلطة
والتنسيق الأمني وكل عملاء الاحتلال وأدواتهم قد كتبوا نعيهم بأيديهم.
***
من غير اللائق وصف العملية البطولية التي انتهت بتحرير ستة
أسرى بالهروب أو الفرار، إنها عملية تحرير وليست شيئا أقل من ذلك؛ ذلك أن الهروب أو
الفرار ليس من شيم هؤلاء الأبطال الذين لقنوا قوات الاحتلال الصهيوني دروسا خارج المعتقل،
ووجهوا له صفعة قاسية داخل المعتقل.
تلك الصفعة ستصيب الجميع داخل كيان الاحتلال. سيبقى الصهاينة
يتذكرون ليلة السادس من أيلول 2021 كوصمة عار وخزي وذلّ لجميع أجهزة الدولة العبرية،
تضاف إلى كثير من أمثالها.
***
كل الروايات والقصص التي تعج بها المواقع الإلكترونية وصفحات
مواقع التواصل الاجتماعي مصدرها الاحتلال ذاته، فليس عندنا أدنى فكرة عن عملية التخطيط
أو التنفيذ أو الاختفاء من طرف الأبطال.
وغني عن القول أن الصهاينة بارعون في استغلال الإعلام لتحقيق
أهدافهم؛ هل تتذكرون كيف استغل جيش الاحتلال الصهيوني الإعلام العالمي في عدوانه الأخير
على غزة؟ حين روج من خلال صحف ووكالات أنباء عالمية أنه بدأ عملية برية لاستدراج مقاتلي
المقاومة للأنفاق المتقدمة ليقصفها قصفا عنيفا، لكن الله سلم.
***
كل ما نعرفه أن هناك ستة من الأسرى نفذوا عملية خارقة استطاعوا
من خلالها تحرير أنفسهم من أعتى وأقسى معتقل صهيوني، وأن قوات الاحتلال التي جندت حتى
اللحظة كل مقدراتها العسكرية والأمنية والاستخبارية والعملاء لم تستطع الوصول إلى أي
منهم. وكل ما عدا ذلك يبقى من باب التخمينات والتوقعات التي لا تستند إلى أي معلومة.
ولا يصعب علينا توقع أن عملية كهذه لم يجر التخطيط لها منذ
وقت طويل وبشكل دقيق جدا. ولا يصعب علينا توقع أن المحررين الأبطال قد حسبوا حساب كل
شيء يستطعيون حسابه. ولا يصعب توقع أن يكونوا قد خططوا لعملية الاختفاء ووجهتهم ومستقبلهم
بعد نجاح العملية، وهذا يحتاج إلى مساعدة من الخارج بالتأكيد.
كل الروايات الصهيونية، وهي المتداولة في إعلامنا كذلك، لم
تتطرق إلى إمكانية تلقي أولئك الأبطال الأسرى مساعدة من الداخل؛ والمقصود هنا اليهود
أو السجانين وليس زملاءهم الأسرى. فما الذي يمنع ذلك طالما أن كل الروايات هي من باب
التخمين والتوقع؟
الحقيقة التي يعرفها الفلسطينيون في الداخل أنه يمكن بسهولة
شراء الجندي الصهيوني؛ أجل هم يُباعون ويُشترون، وهي حقيقة يعمل الكيان جاهدا على إخفائها.
لكن عشرات الحوادث وفقدان الأسلحة والعتاد من المعسكرات الصهيونية دليل صارخ على ذلك،
ليس آخرها سرقة مئات الصناديق التي تحوي 93 ألف طلقة عيار 5.56 مللمتر من معسكر
في النقب، مطلع هذا العام، حُمّلت بسيارات خلال ساعات!! الأسرى أكثر من يعرفون هذه
الحقيقة التي ذكرها القرآن الكريم: "تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى"، صدق الله
العظيم. ومن أصدق من الله حديثًا.
(السبيل الأردنية)