كتاب عربي 21

ولاية تنظيم "الدولة" المنسية وسط أفريقيا

1300x600
رغم أن ولاية تنظيم الدولة- وسط أفريقيا هي الأحدث تأسيساً بين ولايات التنظيم المنتشرة سواء في القارة الأفريقية أو على المستوى العالمي، إلا أنها تمكنت خلال فترة وجيزة من فرض نفسها بقوة كأحد أنشط الفروع على الإطلاق، ونشأت هذه الولاية الصاعدة من توحد جماعتين منفصلتين ومتمايزتين جغرافيا، تتمركز الأولى شرق جمهورية الكونغو الأفريقية، والثانية شمال موزمبيق.

فقد أعلن تنظيم الدولة سيطرته على مدينة بالما الساحلية شمال موزمبيق في 29 آذار/ مارس الماضي، عقب هجوم شنه التنظيم استمر ثلاثة أيام أوقع عشرات القتلى والجرحى، وأشار التنظيم إلى أن الهجوم استهدف "ثكنات عسكرية ومقرات حكومية"، وأسفر عن "السيطرة على المدينة" وقتل العشرات "من الجيش الموزمبيقي والنصارى وبينهم رعايا دول صليبية"، بحسب التنظيم.

وتقع مدينة بالما الساحلية الصغيرة على مسافة نحو 10 كيلومترات من مشروع غاز ضخم تديره مجموعة توتال الفرنسية.

لم تكن سيطرة ولاية وسط أفريقيا على بالما مفاجئة للمراقبين والمختصين، فقد كان واضحاً تزايد حضور تنظيم الدولة في القارة الأفريقية، فحسب نشرة "مؤشر الارهاب العالمي" التي نشرت في تشرين الثاني/ نوفمبر 2020 نقل تنظيم الدولة "مركز ثقله" من منطقة الشرق الأوسط إلى القارة الأفريقية وإلى جنوب القارة الآسيوية بدرجة أقل. وقد لاحظ التقرير قدرة التنظيم على استغلال النزاعات الأخرى المشتعلة في أفريقيا والتي اندلعت بسبب مظالم ومطالب محلية، حيث قام بإعادة تشكيل هذه الحروب المحلية بناء على صورته.
في الوقت الذي خسر فيه تنظيم الدولة السيطرة المكانية على آخر جيب في مركز خلافته بسقوط بلدة الباغوز في ريف دير الزور الشرقي في سوريا، في آذار/ مارس 2019، لم تتأثر فروعه الإقليمية، بل شهدت توسعاً وانتشاراً

وقد أشار الكاتبان كولين كلارك وجاكوب زين في تقرير آخر إلى أن تنظيمى داعش والقاعدة سيكثفان من هجماتهما في الأشهر المقبلة، مستغلين ضعف الدول الأفريقية والصراعات والمشاحنات الداخلية، بالإضافة إلى اعتزام الدول الغربية سحب قواتها من القارة مقابل التركيز على مواجهة روسيا والصين.

ويعود انتشار تنظيم الدولة في أفريقيا إلى حقبة صعوده في العراق وسوريا، فقد اتسع نطاق حضور تنظيم الدولة في جميع أنحاء القارة الأفريقية في الفترة من 2014 إلى 2019، وهي الفترة التي شهدت صعود وأفول التنظيم في مواقع قبادته المركزية في العراق وسوريا في الانهيار. وفي الوقت الذي خسر فيه تنظيم الدولة السيطرة المكانية على آخر جيب في مركز خلافته بسقوط بلدة الباغوز في ريف دير الزور الشرقي في سوريا، في آذار/ مارس 2019، لم تتأثر فروعه الإقليمية، بل شهدت توسعاً وانتشاراً.

فقد تأسست ولاية وسط أفريقيا، حيث أعلن الزعيم السابق لتنظيم الدولة أبو بكر البغدادي قبل مقتله في 27 تشرين الأول/ أكتوبر 2019، عن تأسيس فروع جديدة للتنظيم في أفريقيا، عندما ظهر في شريط مصور يوم 29 نيسان/ أبريل 2019 في شريط مصور بعنوان "في ضيافة أمير المؤمنين"، وهو يستعرض مع عدد من قيادات التنظيم "تقارير شهرية" عن فروع التنظيم وعددها 12 ولاية. وأعلن التنظيم عن تأسيسه "ولاية وسط أفريقيا".

تشكلت ولاية وسط أفريقيا من توحد حركتين جهاديتين محليتين في الكونغو وموزمبيق، بدأتا كجماعات إسلاموية سلمية دعوية فشلت بتحقيق مطالباتها السياسية والاقتصادية العادلة، وقوبلت بقمع وعنف حكومي وإنكار شديد لحقوقها. إذ تعود أصول الجناح الكونغولي لولاية وسط أفريقيا إلى "قوات الحلفاء الديمقراطية"، وهي جماعة إسلاموية نشأت في أوغندا في بداية تسعينيات القرن الماضي، حسب مركز مكافحة الإرهاب بأكاديمية ويست بوينت. وفي أعقاب التمرد الفاشل الذي ضرب غرب أوغندا في عام 1995، اضطر أعضاء الجماعة الوليدة إلى الهرب إلى جمهورية الكونغو الديمقراطية، وأجبر قائدها جميل موكولو على الفرار إلى تنزانيا، حيث ألقي القبض عليه في وقت لاحق، وتم تسليمه إلى السلطات في أوغندا. وقد وأعاد خليفته، موسى بالوكو، بناء جزء كبير من قوة الجماعة في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، وأعاد بناء وهويتها الأيديولوجية كحركة جهادية عابرة للحدود.
يقطن المسلمون في شمال موزامبيق، وتزيد نسبة الفقر. ويصل عددهم إلى أربعة ملايين نسمة أي ما يوازي 18 في المئة من إجمالي عدد السكان

أما أصول الجناح الموزمبيقي لولاية وسط أفريقيا، فتعود جذوره إلى التمرد المستمر الذي اندلع في شمال موزمبيق في تشرين الأول/ أكتوبر 2017 كحركة انشقاقية سلفية، والتي أدت إلى انطلاق حملة تمرد مستمرة ضد الحكومة بعد عدة سنوات من تصعيد المواجهات، والمطالبة بتطبيق حكم إسلامي.

إذ يقطن المسلمون في شمال موزامبيق، وتزيد نسبة الفقر. ويصل عددهم إلى أربعة ملايين نسمة أي ما يوازي 18 في المئة من إجمالي عدد السكان. وبسبب تردي الأحوال الاقتصادية والتهميش خلال الأعوام الماضية، ظهر تنظيم "أهل السنة والجماعة" ونشط كحركة دينية محلية سلفية سلمية عام 2000، لكنه سرعان ما تأثر بالفكر الجهادي منتصف عام 2010، ثم تحول إلى حركة تمرد عنيفة في عام 2017، ليتم تدويل المعركة والعنف في نهاية المطاف ويتركز التنظيم في بلدة موسيمبوا دا برايا الواقعة في كابو ديلغادو، وفق تحليل مجموعة صوفان بعنوان "تفشي العنف وعدم الاستقرار يعصفان بشمال موزامبيق".

شهدت الحركات الجهادية المحلية في الكونغو وموزمبيق منذ الإعلان عن ولائها لتنظيم الدولة؛ تطوراً كبيراً على صعيد خططها الاستراتيجية والتكتيكات القتالية، وهو ما ينطبق على كافة ولايات التنظيم في أفريقيا وخارجها. وقد أظهرت هذه الولايات الأفريقية مرونة كبيرة وقدرة على الصمود، فبناء الروابط بين تنظيم الدولة المركزي في العراق وسوريا وفروعه في أفريقيا، لا يقتصر على بيعات أدبية شكلية، رغم نهج إدارتها اللا مركزي، حيث يوفر تنظيم الدولة قدرا كافياً من التوجيه الاستراتيجي والتنسيق والمساعدة المادية، في حين تطور الأطراف المحلية من قدراتها الذاتية الخاصة، حيث أصبحت ولاية وسط أفريقيا مجهزة بصورة جيدة نهاية عام 2019، بعدما كان أفرادها ينشطون في تمرد بدائي، وأصبحت الولاية لا تشن هجمات معقدة في أفريقيا فحسب، بل يمكنها احتلال الأراضي والتغلب على الجيوش المحلية.
يتداخل الإرهاب والجيوسياسة، حيث تتشكل الأسباب الجذرية للعنف من الاستبداد وغياب الحوكمة وحضور الفساد، وضعف الدولة والانقسامات الإثنية والعقية والدينية، والخلافات السياسية، والتدخلات الخارجية، ووجود ثروات، إلى جانب سوء الأحوال الاقتصادية

لا يمكن فصل تداخلات الإرهاب والجيوسياسة في تفسير سيطرة ولاية تنظيم الدولة وسط أفريقيا على مدينة بالما شمال موزمبيق في كابو ديلغادو. إذ ترجع أهمية المنطقة إلى وجود أكبر ثلاثة مشاريع أفريقية للغاز الطبيعي المسال، وهي مشروع إكسون موبيل، بقيمة 30 مليار دولار أمريكي، ويليه مشروع توتال بقيمة 20 مليار دولار أمريكي، ومشروع كورال إنفي/ إكسون موبيل، بقيمة 4.7 مليار دولار أمريكي، وفق ما وثقه تحليل شركة "inonafrica" (مؤسسة استشارات يقع مقرها في جنوب أفريقيا)، المنشور في حزيران/ يونيو الماضي بعنوان "واقع قطاع الطاقة في موزامبيق بعد أول تمرد إرهابي في الجنوب الأفريقي".

خلاصة القول أن حالة ولاية وسط أفريقيا التي تتبع تنظيم الدولة، والتي تشكلت من توحد حركتين جهاديتين محليتين في الكونغو وموزمبيق، تكشف عن القصة ذاتها دوماً يتداخل الإرهاب والجيوسياسة، حيث تتشكل الأسباب الجذرية للعنف من الاستبداد وغياب الحوكمة وحضور الفساد، وضعف الدولة والانقسامات الإثنية والعقية والدينية، والخلافات السياسية، والتدخلات الخارجية، ووجود ثروات، إلى جانب سوء الأحوال الاقتصادية وشيوع الفقر وانتشار البطالة، وهي الظروف والشروط والأسباب المثالية التي تستثمرها الحركات الراديكالية، ويبرع فيها تنظيم الدولة بردكلة الجماعات المحلية، وهي جماعات غالباً ما تكون سلمية دعوية تفشل مطالباتها السياسية والاقتصادية، وتحبط من الاستجابات الحكومية العنيفة لمطالبها العادلة.

twitter.com/hasanabuhanya