يصادف اليوم مرور عقد على اندلاع الثورة التونسية، والتي حدثت في الرابع عشر من كانون الثاني/ يناير، حينما التقى فيه جمع تونسي غاضب، وطالب بالتحرر من قمع نظام دكتاتوري، وأجبر هذا اليوم التاريخي الحاكم على الهروب، والشعب على كسر حواجز الخوف.
عشر سنوات مرت منذ اندلاع ثورة
الحرية والكرامة بتونس، تحررت الأقلام والعقول، تعزز المشهد الإعلامي السمعي والبصري،
كتب دستور جديد، تعددت الأحزاب فأصبحت بالمئات، ولم يعد هناك حزب واحد يحكم ويتسلط،
فالكلمة الأخيرة للشعب "إذا الشعب يوما أراد الحياة".
ولكن، عاشت البلاد أياما عصيبة
وعرفت الثورة نكسات بلغت حد الاغتيالات السياسية، إضرابات عامة واحتجاجات واسعة تطالب
بالتنمية والتشغيل، عودة رموز من النظام المخلوع وخلافات سياسية تتعمق ما انعكس سلبا
على الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، فأصبح الشارع يتحدث عن ثورة جديدة لعلها تحقق
له بعض آماله في العيش الكريم.
الحرية والديمقراطية
يقول رئيس الحكومة السابق علي
العريض في حديث خاص لـ"عربي21" عن الثورة التونسية في عيدها: "أترحم
على أرواح الشهداء، وتحية للشعب التونسي، عشر سنوات فيها الكثير مما يمكن الاحتفاء
والاعتزاز به وعلى رأسها الانتقال الديمقراطي، فالتخلص من الاستبداد واكتساب الحرية يشابه
الاستقلال والتخلص من الاستعمار".
ويتابع العريض: "حققنا
فعلا إنجازا معتبرا يشهد له داخليا وخارجيا، فمنعرج الديمقراطية يزداد بعد معاناة طويلة
لحماية ديمقراطيتنا الناشئة وبلدنا من محاولات الإفشال والإرباك من الداخل والخارج".
من جانبه، يعتبر أستاذ التاريخ
والمحلل منذر القيطوني في حديث خاص بـ"عربي21" عن الثورة التونسية بعد عقد
من الزمن: "على الصعيد السياسي يتباهى أنصار الثورة بالدستور التوافقي الحداثي،
والهيئات الدستورية الضامنة للديمقراطية والتعدّدية والتداول السلمي للسلطة، وللحريات
الفردية والجماعية، وللشفافية والحوكمة والتشاركية، واستقلالية القضاء وحرية الإعلام إلى حد كبير".
اقرأ أيضا: سياسة تونس الخارجية بين ثقافة الاستعمال والبناء المؤسسي
ويشير القيطوني إلى أن الثورة
حققت وفق أنصارها "صمود النموذج التونسي من ضمن جميع "ثورات الربيع العربي"،
في وجه مخططات المتآمرين من أنصار الثورة المضادة في الداخل والخارج، ويرون أن الصعوبات
والانتكاسات تحديات طبيعية بالنسبة لكل ثورة، وأن الثورة ليست حدثا ظرفيا عابرا وسحريا
يقلب الواقع رأسا على عقب، بل هي تراكمات تحققها الأجيال عبر تضحياتها على عقود من
الزمن".
أي مشهد؟
كيف يبدو المشهد السياسي في
تونس منذ الثورة وبعد عشر سنوات؟ سؤال يجيب عنه الباحث والمؤرخ والسياسي المستقل عدنان
منصر في لقاء خاص مع "عربي21" قائلا: "لنتفق أولا أن الأمر يتعلق بعشر
سنوات منذ اندلاع الثورة وليس عشر سنوات من الثورة، ما عشناه منذ عشر سنوات هو انتقال
ديمقراطي نشأ عن محاولة الاستفادة من الثورة كحدث، أما الثورة في حد ذاتها فقد ركنت
في الأدراج طيلة عشر سنوات، وكذلك تم الفعل بمطالبها، ما يحصل منذ عشر سنوات ويحصل
إلى اليوم هو تنظيم حركة المرور بين النخب السياسية التي أصبحت طبقة سياسية منفصلة
عن المجتمع وعن الثورة، هذا هو الوصف العام للمشهد إلى اليوم".
ويعتبر منصر أن "ما يحصل
من أزمات ومن أفكار حول الصلاحيات وتحوير القوانين الانتخابية أو حتى الدستور، وإتمام
تركيبة الهياكل الدستورية، كل هذا يفكر فيه من أجل حل الإشكالات الناجمة عن التنافس
بين مكونات الطبقة السياسية وليس للاستجابة للطلبات الاجتماعية والاقتصادية للناس،
في المقابل، فإن تلك الطلبات تجد يوما بعد يوم مشروعيتها في الحدة التي تصبغها عليها
الأزمة المتصاعدة، وأيضا في غياب حلول قادمة من الطبقة السياسية".
بدوره، ينبه الأكاديمي زهير
إسماعيل في تصريح لـ"عربي21" من "ضعف الثقافة الديمقراطيّة، إذ لا يوجد
التزام حقيقي بالاختيار الشعبي الحر من قبل من ناضلوا من أجل حياة سياسيّة ديمقراطيّة،
ذلك أن بعض "الديمقراطيين السابقين" لم يترددوا في الدعوة إلى تدخل الجيش،
ومطالبة رئيس الجمهوريّة بحلّ البرلمان، إلى جانب دعوات الحوار المتكررة منذ 2011 وهي
دعوات في معظمها من قبل من همّشتهم الانتخابات الحرّة".
اقرأ أيضا: تونس تحيي ذكرى سقوط بن علي العاشرة على وقع إغلاقات كورونا
من جانبه، يرى علي العريض أنه
"في هذه اللحظة نعم هناك تشنج وتشتت وسلطة سياسية فيها قدر من الصراع، ما زالنا
نخلط بين المنافسة والصراع الذي ينفي الآخر وبقايا الفكر الاستئصالي من أقصى اليسار
ومن بعض بقايا النظام السابق ولكن المسار يتجه تدريجيا إلى الاستقرار السياسي للديمقراطية
لا للاستبداد".
ملل وصعوبات
يخيم في الوسط الشعبي التونسي خوف وملل من الواقع الذي يعرف صعوبات اقتصادية واجتماعية ومطالب يومية بالتنمية والتشغيل ما أثر سلبا على النفسية العامة وعمق من توسع رقعة الاحتجاجات بأغلب المحافظات وخاصة في الوقت الراهن وتزامنا مع ذكرى الثورة.
يقول السياسي منصر: "الوضع
يتطلب استعادة الناس للثقة في الدولة، وهذا مسار لم يبدأ بعد لأن هناك انفصالا بين
السياسيين والمجتمع. لا يمكن لمسار استعادة الثقة أن يحصل في ظل ممارسات اقتصادية ليبرالية
تجعل من الدولة خادمة للفئات المترفة ومهملة ومستغلة للفئات الضعيفة والمتوسطة وغير
عادلة تجاهها".
أما العريض فيعتبر أن الثورة
لم تحقق بعد "الكثير في ما يتعلق بالإصلاحات والتنمية والجوانب الاجتماعية نتيجة
أخطاء على المستوى الوطني والأزمات العالمية، نعم هناك قدر من القلق، الشعب له الحق
في المطالب وعليه أن يكون واعيا بما يتطلبه ذلك من وقت وعمل وهدنة اجتماعية ".
في المقابل يفيد أستاذ التاريخ
منذر القيطوني أن "الفريق المتشائم يعتقد أن الثورة فشلت في تحقيق أهدافها الحقيقية،
وهي الاستقرار والتنمية والتوازن والأمن، ما أدى إلى انهيار الدولة، ما سبب تنامي ظواهر
الإرهاب والجريمة والانفلات الأمني وضياع هيبة الدولة".
كما فشلت الحكومات المتعاقبة
وفق القيطوني في "ملف العدالة الانتقالية وإنصاف ضحايا الاستبداد وتحقيق المصالحة
الوطنية الشاملة وطي صفحة الماضي، كما تعاني البلاد من تدنّي نسبة النمو الاقتصادي
وتفاقم اختلال الموازنات -وخاصة ميزانية الدولة - وتفاقم المديونية والارتهان للمؤسسات المالية الدولية المانحة مثل صندوق النقد
الدولي، وتفاقم ظواهر البطالة والفقر وانهيار المقدرة الشرائية لأغلب التونسيين".
يلتقي من تحدثنا إليهم عن ثورة
تونس منذ عشر سنوات في شعور بالأمل في المستقبل حيث يقول العريض: "الأصعب تحقق
وما زال المستقبل واعدا، وتبقى الحرية تاجا على رؤوس الأحرار".
وينتهي القيطوني بالقول:
"في كل الأحوال، وبعيدا عن هذا الجدل الدوري الذي قد لا ينتهي، الثابت أن الواقع
التونسي ليس ورديا، ولا هو بالسّودوي، وأن المستقبل يبقى مفتوحا على كل الاحتمالات،
فرغم أن الصراع والاستقطاب الإديولوجي والسياسي وصل حدا مخيفا، فإن التونسيين أثبتوا
في كل مرة قدرتهم على الخروج من عنق الزجاجة، والمدارة على فتيل الثورة كي لا ينطفئ".
تغيير وزاري مرتقب بتونس وسط تصاعد الاحتقان السياسي
حملات للإفراج عن المسنين والمرضى بسجون مصر.. هل يستجيب النظام؟
ماذا وراء الأحكام المفاجئة والتصريحات الصادمة بالجزائر؟