قضايا وآراء

نماذج معاصرة من دبلوماسية حافة الهاوية (Brinkmanship Diplomacy)

1300x600
نشهد الآن دروسا ثمينة في الدبلوماسية الحديثة التي تدار على حد السيف. وقد شاع في الخمسينيات من القرن الماضي مصطلح التفاوض قرب الهاوية، أي أن أي خطأ يمكن يفجر الموقف. وهذا المصطلح أمريكى ويعني أن الدولة لا بد أن تكون مستعدة لأسوأ الاحتمالات وهي تتفاوض، فلا تراجع ولا تنازلات، والبديل عن قبول المطروح هو انهيار المفاوضات والحرب، فتضطر الدولة الضعيفة إلى تفادى الحرب فتقبل فورا ما تعرضه عليها الدولة الأخرى.

ونختار بعض النماذج المعاصرة وأهمها: الدبلوماسية التركية والدبلوماسية الروسية، والدبلوماسية الإيرانية، علما بأن أرضية الاختبار لا تزال متفجرة، وأي خطأ في الحساب يمكن أن يؤدى إلى انهيار وصدام.

أولا: الدبلوماسية التركية: العلاقات التركية السعودية

هناك توتر مكتوم في هذه العلاقات في عشرة مجالات أو ملفات:

المجال الأول هو الساحة السورية. فتركيا والسعودية في سوريا يفترض أنهما في معسكر واحد ضد الحكومة السورية، وكلاهما يدعم الجماعات المسلحة الإسلامية، وكلا البلدين على نفس الموقف السياسي.

وعلى العكس، في المشهد الليبي: فتركيا والسعودية تتواجهان في ليبيا. تركيا تدعم حكومة الوفاق، أما السعودية فتدعم الجانب الآخر وإن لم يكن ظاهرا، وإنما موقف الإمارات هو الذى احتجت عليه حكومة الوفاق.

المجال الثالث هو القضية الفلسطينية. ففي القضية الفلسطينية جهود الدعم التركي تزعج إسرائيل ودولا عربية أخرى، خاصة جهود تركيا لرفع الحصار عن غزة، فيما تقف السعودية في معسكر معاداة حماس، خاصة بعد اتهامها في الجامعة العربية بالإرهاب، كما أن العلاقات السعودية مع حماس تتسم بالتوتر الشديد بسبب اعتقال بعض مسؤولي حماس.

ولا شك في أن التقارب السعودي الإسرائيلي هو محل عدم ارتياح تركيا؛ لأن ذلك يدعم إسرائيل على حساب تركيا.

وهناك مجال رابع للاحتكاك غير الظاهر والتوتر المكتوم، وهو دعم تركيا لقطر في مواجهة الرباعي السعودي- البحريني- الإماراتي- المصري.

المجال الخامس للتوتر هو العلاقات الثنائية، حيث تقف قضية مقتل خاشقجي على الأراضي التركية (في القنصلية السعودية في إسطنبول) بالمرصاد لهذه العلاقات.

كل هذا التوتر المكتوم في العلاقات السعودية التركية رغم أن كليهما حلفاء لواشنطن وهما في سوريا مع الموقف الأمريكي. وفي ليبيا، نرى أن الموقف الأمريكي غامض ولكنه داعم لحفتر من وراء الستار.

المجال السادس للتوتر التركي السعودي هو في إطار منظمة التعاون الإسلامي، ودور السعودية في إفشال المبادرة التركية مع إيران وباكستان وماليزيا وأندونيسيا لإحياء المنظمة بعيدا عن الهيمنة السعودية.

المجال السابع هو دعم السعودية للموقف المصري المهدد بالتدخل ضد تركيا في ليبيا، ودعم السعودية للنظام في مصر.

المجال الثامن: احتضان تركيا للمعارضة المصرية، وبعضهم من عناصر الإخوان، ولوسائل إعلام معارضة تهاجم السعودية والحكومة المصرية.

المجال التاسع هو حرب اليمن، حيث تعارض تركيا الجرائم التي يرتكبها التحالف السعودي الإماراتي ضد الشعب اليمنىي، وإن كان الصوت التركي خافتا في هذا الموضوع بالذات، حتى لا تتهم تركيا بالانحياز لإيران ضد السعودية في اليمن.

المجال العاشر هو المسألة الكردية، حيث تتهم تركيا السعودية وإسرائيل بدعم الأكراد في تركيا وسوريا والعراق وإيران، وهي المسألة بالغة الحساسية في تركيا.

ثانياً: الدبلوماسية الروسية: العلاقات الروسية التركية

المجال الأول: العلاقات الثنائية حيث توترت بسبب إسقاط تركيا طائرة حربية روسية، ثم تدارك الطرفان المصالح المشتركة وازدهرت العلاقات.

المجال الثاني: سوريا، حيث تتواجه روسيا مع تركيا، لكن هذا لم يؤثر على الطرفين، وكلاهما يتفادى على الأرض أى صدام. ومعلوم أن تركيا تعادي الحكومة السورية التي تدعمها روسيا عسكريا ودبلوماسيا.

المجال الثالث: التعارض في ليبيا، حيث تدعم روسيا حفتر بينما تدعم تركيا حكومة الوفاق.

المجال الرابع: هو حساسية الدور التركي بين روسيا والولايات المتحدة، حيث تدعم واشنطن تركيا نكاية في روسيا، وكان الاتحاد الأوروبي والناتو يدعم تركيا في ليبيا، أما في النزاع اليوناني التركي فإنهم جميعا يدعمون اليونان.

ثالثا: الدبلوماسية الإيرانية: العلاقات الروسية الإيرانية

تعتمد إيران على دعم روسيا دبلوماسيا ضد الولايات المتحدة في الملف النووى والعقوبات، وإيران حليف روسيا في هذا الملف. كذلك يتساند البلدان في دعم الحكومة السورية.

أما الصراع الإيراني الإسرائيلي، فهو مفتوح في سوريا، ولذلك نسقت إسرائيل مع روسيا حتى لا تتسبب الحماية للحكومة السورية في صدام إسرائيلي روسي، أو بسبب إيران وحزب الله.

تدخلت ايران في سوريا بحكم التحالف بينهما منذ 1979، وحتى تحارب الجماعات السنية المعادية لايران، وهو نفس الدافع لروسيا. أما حماية سوريا من إسرائيل والتمركز الاستراتيجي ضد إسرائيل في سوريا، فهو موضوع لا تشاطر روسيا إيران فيه.