مقابلات

ضيف "عربي21": مقابلة مع ضابط سابق بالجيش المصري

النقيب شريف عثمان أكد وجود تململ داخل صفوف القوات المسلحة- عربي21

* السيسي يقوم بتغييرات مستمرة في صفوف المؤسسة العسكرية حتى لا تتحول قيادات الجيش إلى "مراكز قوى"

 

* السيسي يسيطر الآن على القوات المسلحة ومتأكد من ولاء قياداتها له لهذه الأسباب

 

* تغيير العقيدة القتالية للجيش بدأ منذ اندلاع ثورة يناير بعدما لم تستطع القيادات العسكرية مواجهة الشعب بالسلاح

 

* السيسي جعل قيام الجيش المصري برفع السلاح في وجه المواطن "أمرا اعتيادا"

 

* الجيش سيتدخل ضد السيسي حينما يعلو صوت الشعب غضبا واحتجاجا ويزداد القمع أكثر

 

* مُطالبة السيسي للجيش بالاستعداد القتالي أمر مثير للسخرية لأن هذا دوره الطبيعي

 

* الخيار العسكري ضد "سد النهضة" مُستبعد تماما لأنه لا يخدم مصالح الداعمين للسيسي

 

* نظام السيسي يستغل العمليات الإرهابية للمتاجرة بدماء الشهداء

 

* السيسي صاحب رؤية شخصية ضحلة جدا ولا يريد تحسين الأوضاع لأنه لن يكون موجودا حينها

 

* هناك الكثير من الضباط المعتقلين بالسجون العسكرية ولا أحد يعلم عنهم أي شيء حتى الآن

 

* السيسي ما هو إلا "رأس جبل الجليد".. والقيادات العسكرية متورطة في كل ما يحدث

 

* التململ موجود داخل القوات المسلحة لكن يفوقه خوف غير عادي نتيجة القمع والبطش

 

* من بين كل خمسة ضباط هناك شخص أو اثنان غير راضين عما يحدث لكنهم يتكلمون بشكل سري جدا خوفا ممن حولهم

 

قال الضابط السابق بالجيش المصري، النقيب شريف عثمان، إن "القوات المسلحة ستتدخل ضد رئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي حينما يعلو صوت الشعب غضبا واحتجاجا، ويزداد القمع أكثر"، مشدّدا على "وجود تململ داخل صفوف الجيش، إلا أن هذا التململ يقابله خوف غير عادي، نتيجة القمع والبطش بكل العسكريين المعارضين".

جاء ذلك في مقابلته الخاصة ضمن سلسلة مقابلات مُصورة تجريها "عربي21"، تحت عنوان (ضيف "عربي21").

ولفت عثمان، الذي يُقيم بالولايات المتحدة الأمريكية قبل سنوات، إلى أن "عملية تغيير العقيدة القتالية للجيش بدأت منذ اندلاع ثورة يناير، فما حدث خلال المرحلة الماضية هو العمل على اعتياد القوات المسلحة رفع السلاح في وجه المصريين، حتى إذا ما تعرضوا لموقف ما استطاعت قيادة الجيش التدخل وإعطاء الأوامر بإطلاق النار، في حين أنها إبان الثورة لم تستطع فعل ذلك".

 

 

ورفض "عثمان" اختزال الأزمة في شخص السيسي فقط، قائلا: "السيسي ما هو إلا رأس جبل الجليد، وهم جميعا (قيادات المجلس العسكري) جزء منه، وكل ما يحدث الآن هو سيطرة وفرض قوة من ناحية، ونهب الثروات والسيطرة على مفاصل الدولة التي تدر عوائد مادية ضخمة من ناحية أخرى".

وانتقد الضابط السابق بالقوات الجوية تعويل البعض على المؤسسة العسكرية للقيام بإحداث التغيير، مؤكدا أنه لا ينبغي انتظار أن تقوم المؤسسة العسكرية بتسليم السلطة، فقياداتها منتفعين بشكل غير طبيعي في الوقت الرهن، مشدّدا على أن "التغيير سيأتي عبر اتحاد الشعب المصري بكامل أيدولوجياته وأفكاره وإرادته، وعندها فقط سيعود الجيش لثكناته".

وتاليا نص المقابلة الخاصة مع (ضيف "عربي21"):

 

كيف سيّطر "السيسي" على المؤسسة العسكرية؟ وهل تخضع له بنسبة 100% في الوقت الحالي؟

 

السيسي مثل أي رئيس آخر يصل للحكم، أول وأهم أهدافه هي السيطرة على القوات المسلحة؛ نظرا لما تعيشه مصر في حكم عسكري منذ انقلاب عام 1952 وحتى آخر انقلاب عام 2013؛ فأهم ما يشغل بال أي رئيس هو السيطرة على القوات المسلحة، والتأكد من أن قياداتها موالية له تماما، فمَن يأتي بانقلاب يخشى من القيادات التي بينها وبعضها البعض علاقات قرابة أو علاقات عمل قوية أو مصالح شخصية مشتركة، وغير ذلك. لأن تلك القيادات قد تُشكل عليه خطرا في المستقبل عن طريق القيام بانقلاب آخر، لذلك عندما يصل قائد الانقلاب للحكم يبدأ باختيار قيادات جديدة للجيش حتى يضمن ولائهم.

وحينما تولى السيسي مقاليد الحكم كانت قيادات الجيش موالية للمشير حسين طنطاوي – وزير الدفاع الأسبق – فبدأ بتغيير هذه القيادات تدريجيا أكثر من مرة وما زال يغير، حتى تكون له السيطرة الكاملة على كل قيادات الجيش، ومن حين لآخر يأتي بتغييرات جديدة حتى لا تتحول تلك القيادات إلى "مراكز قوى"، وبالتالي السيسي يسيطر الآن تماما على القوات المسلحة المصرية، وهو متأكد من ولاء قياداتها له؛ لأنهم يعيشون عيشة رغداء لم يعيشوها من قبل، حتى خلال فترة حكم "مبارك".

إلى أي مدى نجح السيسي في تغيير عقيدة الجيش وخاصة في العلاقة مع إسرائيل؟


العقيدة القتالية للقوات المسلحة المصرية خلال فترة خدمتي كانت عقيدة "دفاعية"، بمعنى نحن ندافع عن وطننا ولا نعتدي على أي دول أخرى، وفي كتب الكلية الحربية التي درستها كان هناك مصطلح "العدو"، وكان الضباط المكلفون بتدريس وشرح مادة التكتيك العسكري، و"فن القتال"، يقولون: "العدو هو إسرائيل"، ولكن نظرا لاتفاقية السلام فلا يمكن ذكر إسرائيل بشكل صريح في الكتب باعتبارها "العدو"، لكننا في نفس الوقت نعرف من هو العدو الذي يجب مواجهته.

وتغيير العقيدة القتالية ليس بالأمر الهين، ويتم خلال فترات متباعدة، وأتذكر أول تعاون عسكري مباشر بين الجيش المصري والإسرائيلي حدث عندما وقع حريق فندق هيلتون طابا عام 2004، ولم تستطع قوات الحماية المدنية المصرية الوصول للمكان بشكل سريع، فتدخلت القوات الإسرائيلية وساعدت المصريين في التعامل مع الحريق، ثم توالت الأعمال المشتركة بين الجيش المصري والإسرائيلي، كالاشتراك في مشروع عسكري لتأمين حدود وتبادل أمني، أو غير ذلك.

وقد بدأت عملية تغيير العقيدة القتالية المصرية منذ اندلاع ثورة 25 يناير 2011 – الثورة المصرية الحقيقية، والتي أتشرف بأني مؤمن بها وبأهدافها، وإن كانت ضلت طريقها في الوقت الحالي، إلا أني أؤمن بأهدافها – خلال هذه الثورة معظم قيادات الجيش رفضت رفع السلاح في وجه الشعب المصري، مما تسبب في مشاكل لدى هذه القيادات، فتركت التصرف لمن أراد فعل ذلك، لإيمانهم بأن إعطاء مثل هذه الأوامر داخل الجيش لن تكون في صالحهم، بل سيعقبه انهيارا تاما في الجبهة الداخلية.

وجهة نظري – من الناحية التحليلية وليس المعلوماتية – أن ما حدث خلال المرحلة الماضية هو العمل على اعتياد الجيش المصري رفع السلاح في وجه المصريين، حتى إذا ما تعرضوا لموقف مشابه استطاعوا التدخل وإعطاء الأوامر بإطلاق النار.

وتتم عملية تغيير العقيدة القتالية من خلال عدة عناصر، أولها: غسيل الأدمغة، بتلقين الجنود أن الثوار "خونة، وعملاء من الخارج، ومأجورون"، ثم مرحلة لاحقة "إرهابيون"، ودائما في الحروب – أيّا كانت أسبابها – أنت تحاول النجاة بحياتك، فالقائد يضعك في المواجهة وعليك أن تنجو بنفسك وبمَن معك، فتجد نفسك أمام خيارين إما حياتك أو حياة من أمامك.. فبدأ بوضع قوات الجيش أمام الشعب، ثم حدث ما حدث في شمال سيناء من هدم للمنازل، أو نسفها بالطائرات، والهجوم على الأهالي، وتفريغ أماكن بعينها من سكانها، وخاصة سكان الشريط الحدودي مع قطاع غزة، فوجد الجيش نفسه في مواجهة "الإرهابيين" الذين هم سكان شمال سيناء، فيهجرونهم من منازلهم، ويطلقون عليهم النار، وغير ذلك.

وأهم ما استفاد منه السيسي من خلال هذه الأحداث هو اعتياد الجيش المصري على رفع سلاحه في وجه المواطن المصري باعتباره "إرهابيا"، تلك مرحلة غسيل الأدمغة، وهو نفس ما كان يُقال لنا في مؤتمرات الضباط – ضمن عملية غسيل الأدمغة – : "لا تلتفتوا لما يُقال في الإعلام، فما نقوله للناس شيء بينما ما نقوله لكم شيء آخر مختلف تماما".

لماذا يحرص السيسي على شراء الكثير من الأسلحة رغم الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد؟


ليس غريبا على السيسي أن ينفق الكثير من المال على التسليح؛ لأن التسليح – وهي معلومات معروفة من ثمانينات القرن العشرين - يتم عن طريق شركات بيع الأسلحة التي يؤسسها جنرالات الجيش بالخارج، فالدولة عند تعاقدها لشراء الأسلحة لا تشتريه من الدولة الأخرى بشكل مباشر، وإنما من خلال تلك الشركات التي تقوم بدور "الوسيط" فتشتري السلاح بثمن التعاقد ثم تضيف إليه ثمن "العمولات" ويذهب جزء كبير من هذه العمولات لرئيس الجمهورية ووزير الدفاع وكبار قيادات الجيش حتى يضمن ولائهم ضد أي انقلاب كجزء من استراتيجية اللعبة الدائرة.

ومن غير المنطقي أن بلد في أسوأ الحالات الاقتصادية مثل مصر وما تمر به، وفي ظل زيادة الضرائب على المواطنين، وما تحصله الدولة من أموال بدعوى الفقر وقلة الموارد. نجد على الجانب الآخر الجيش يزيد من ميزانية تسليحه منذ عام 2013 و2014 بشكل كبير، ومن المؤكد أن هناك ترتيبات لشيء ما، وربما ظهرت نتائج هذه الترتيبات خلال المشاحنات مع تركيا، وفي ليبيا، بجانب ما يحدث مع أهالي سيناء، لكن عندما تسأل: ماذا عن إثيوبيا؟، يكون الجواب: "الحل العسكري ليس المناسب مع إثيوبيا، وإنما الحل الدبلوماسي"، وذلك لأن الداعمين للسيسي يفضلون بقائه، فهناك استثمارات كبيرة في إثيوبيا من بلاد كثيرة، حتى وصل الأمر أن تطلق إثيوبيا على إحدى طائراتها اسم "تل أبيب" تكريما لدور إسرائيل في النهضة التي تعيشها إثيوبيا هذه الأيام، بالإضافة إلى الاستثمارات الخليجية في إثيوبيا التي تُقدر بمئات الملايين من الدولارات، وتوقيع السيسي على اتفاقية المبادئ الخاصة بسد النهضة لم يكن محض صدفة.

السيسي أصدر مؤخرا تعليمات للجيش المصري بالاستعداد القتالي لتنفيذ أي مهام توكل لعناصر القوات المسلحة لحماية أمن مصر القومي سواء في الداخل أو الخارج.. فهل تتوقع قيام الجيش بأي عمليات خارج البلاد مثل ضرب "سد النهضة" أو التدخل في ليبيا؟


كون أن السيسي يطلب من الجيش الاستعداد القتالي هو أمر مثير للسخرية، فما هو دور الجيش إن لم يكن على استعداد قتالي، هل دوره هو الاستزراع السمكي؟، وإنشاء الطرق والكباري، وغيرها من المشروعات الاقتصادية التي أقحم فيها الجيش؟، بالطبع لا، أنا أرى أن الأمور تسير بشكل طبيعي، والجيش لا يحتاج أوامر عُليا من قادة القوات المسلحة للتجهز لأي حرب، لأنها مهمتهم الأساسية.

أما موضوع التدخل العسكري في إثيوبيا فهو مُستبعد تماما؛ لأنه لا يخدم مصالح الداعمين للسيسي، أما تدخله في ليبيا سيكون محاولة لإنقاذ «حفتر» وعواقب ذلك ستكون وخيمة، ولن تقل عن عواقب حرب اليمن مع الأسف، ونحن لا نتشفى في جيشنا، فقد كنت يوما ما ضمن أفراده، وأحمد الله أني لست جزءا منه الآن وإلا كنت خاضعا للأوامر أو ضمن المنكل بهم من المعارضين، أما مَن استمر في الخدمة سيجد نفسه الآن يدخل ليبيا ليقتل أهلها لا لسبب إلا لأنهم مختلفين مع جنرال انقلابي آخر بعيدا عن كل مصالح الدولة، كما نلاحظ في الفترة الأخيرة - التي انبرى فيها الإعلام لمهاجمة تركيا وليبيا -  انخفضت فيه وتيرة الحرب على الإرهاب في سيناء، وكأن الإرهاب يعطي النظام فرصة للتفرغ للجبهة الأخرى، إلا من بعض العمليات يستغلها النظام للمتاجرة بدماء الشهداء، فخلاصة القول إن هؤلاء لا يعملون لمصلحة البلاد، وإنما لمصالحهم الشخصية.

الباحث في مركز كارنيغي يزيد صايغ قال إن وضع الجيش المصري حاليا تحت قيادة السيسي يماثل وضعه عشية نكسة 1967.. إلى أي مدى هذا الكلام صحيح رغم تصنيفه التاسع عالميا وفقا لموقع "غلوبال فاير باور" العالمي المختص بالشأن العسكري للدول؟


في أي مرحلة تنفرد فيها السلطة السياسية بالحكم ستتكرر فيه نتائج حرب اليمن، وحرب 1967، وغيرها من الكوارث، لأن قيادة "الرجل الأوحد" الذي يخطط لمائة مليون، وهو صاحب رؤية شخصية ضحلة جدا، خالية من أي ثقافة أو علم، فالسيسي كان ضمن سلاح المشاة، فليس لديه أي علم، سوى التقاليد العسكرية، وقد قال ذات مرة: ما جدوى التعليم في وطن ضائع. بالطبع التعليم ينقذ الوطن الضائع، لكن مَن يحكم "الوطن الضائع" لا يريد أن تكون دولة متعلمة، لأنه لن يكون له فيها مكان.

هل أنت لاتزال على تواصل مع زملاءك داخل الجيش حتى الآن؟


ما زلت على اتصال ببعض الزملاء الذين كانوا في دفعتي، أو جمعني العمل بهم في صفوف القوات المسلحة، وعلى اتصال بآخرين داخل الجيش يؤمنون بحرية الدولة، وهنا أرد على المشككين في ذلك، فالجيش مثل المجتمع المصري: به مَن يُسلّم رأسه وينصاع للأوامر، وبه مَن هو تحت ضغوط ويخشى على نفسه وأسرته أو أن يفقد ما هو فيه، وهناك مَن يحاول الكلام من حين لآخر من باب تفريغ الشحنة، وهؤلاء يتم القبض عليهم داخل الجيش، ولا يشعر بهم أحد من المدنيين، وحتى ذويهم لا يستطيعوا الحديث عنهم حتى لا يتعرضوا للأذى.

ولك أن تتخيل سطوة المخابرات الحربية على المجتمع المدني كالإعلام والسياسة وغير ذلك، تزداد تلك السطوة بقوة وأكثر شراسة على المجتمع العسكري؛ وذلك لأن المجتمع العسكري مجتمعا منغلقا بطبعه، وما يدور فيه يصل إليها بسهولة، لذا فالصوت المعارض داخل الجيش منخفض جدا لكنه موجودا، وأنا على اتصال ببعض هؤلاء المستائين مما يحدث، لكن ليس بإمكانهم ما يفعلوه، لكن لو ثار الشعب سيكون الجميع معا، وهو أهم ما يجب أن يفعله الشعب المصري خلال الفترة القادمة، وأن يتحد بكل طوائفه حتى يستطيع الخروج من هذا المستنقع الذي نعيش فيه الآن، ما بين الحكم العسكري وقيادة عبد الفتاح السيسي.

كيف ترى صورة الجيش لدى الشعب المصري بعد 7 سنوات من انقلاب السيسي؟


لن أتحدث عن صورة الجيش المصري عند الشعب بعد الانقلاب، بل يمكن القول إن صورة الجيش عند المصريين بعد ثورة 25 يناير اختلفت عن صورته قبلها.

كان مجتمع الجيش منغلقا تماما على نفسه، وذلك بعد ظهور الوجه القبيح للحكم العسكري في الستينيات، ودخول عصر الانفتاح، والانتصار في حرب أكتوبر، ورجوع سيناء. ولا أصفه بالقبيح لأنهم قيادات مصرية، بل لأن الحكم العسكري في أي مكان في العالم هو نظام قبيح والتاريخ يثبت ذلك؛ فالجيش القوي لا يبني دولة، وإنما الدولة القوية هي من تنتج جيشا قويا.

هل انتهى تماما دور الفريق سامي عنان والفريق أحمد شفيق؟ وهل القيادات العسكرية "الكثيرة" التي تمت الإطاحة بها سابقا لا تستطيع فعل أي شيء ضد "السيسي"؟  


السيسي أظهر عدم احترامه لكل القيادات السابقة في الجيش، وهذا طبيعي في الجيش المصري؛ فأنور السادات حكم على الفريق سعد الشاذلي غيابيا، ومبارك نفذ الحكم بسجنه، لمجرد أن الشاذلي انتقد ما حدث في حرب أكتوبر، وهو ما أوصلنا لسعي مصر لوقف إطلاق النار يوم 23 تشرين الأول/ أكتوبر 1973، وإسرائيل كانت ترفض وقف إطلاق النار، كل ذلك بسبب أخطاء عسكرية تحدث عنها الشاذلي – رئيس أركان الجيش المصري خلال تلك الحرب- وتُعتبر محاكمة وسجن "الشاذلي" بمثابة الضوء الأخضر للتعامل مع كل مَن يعارض الحاكم العسكري – حتى وإن كان من داخل المنظومة العسكرية- بالسجن أو الإقصاء، حتى لو مر على هذه الأحكام سنوات، لأن الأحكام العسكرية لا تسقط بالتقادم، وهو ما جعلني لا أستطيع دخول مصر منذ ستة عشر عاما ولن أدخلها ما دام فيها هذا النظام.

وهذه ليست أول مرة يُسجن فيها قائد جيش أو حاكم عسكري قائده السابق. أحمد شفيق كان دائما شخصا هادئا، وقد عملت معه أثناء قيادته للقوات الجوية، وكنت ضابطا بالقوات الجوية، ويعرف بأسلوبه المحترم مع كل مَن تعامل معه أو عمل تحت قيادته، وهو مازال جزءا من النظام الفاسد الذي كان يديره "مبارك"، والذي لا يُقارن بأي حال من الأحوال بما تعيشه مصر حاليا، لكنه رجل في السبعينات من عمره وتولى مناصب كثيرة أهمها رئاسة الوزراء، وعاش في مستوى مُعين لا يليق به أن يعرّض نفسه للإهانة في نهاية حياته.

وكذلك، الفريق سامي عنان الذي شغل منصب رئيس أركان القوات المسلحة، والموالي جدا لمبارك، وقد حاول الاعتراض على بيع تيران وصنافير وتقدم للترشح للرئاسة، فقوبل بالاحتجاز داخل إحدى مستشفيات القوات المسلحة، ولا أظن أنه سيحاول مجددا الانغماس في المنظومة السياسية التي لا يستطيع أحد فيها التلفظ بكلمة، وكذا العقيد أحمد قنصوه الذي حصل على الدكتوراه في الهندسة من جامعة كاليفورنيا، وشغل مناصب عديدة داخل الجيش، والذي كان بإمكانه السكوت والتربح من مناصبه، إلا أنه رأى مصلحة بلده، وأهمية الوقوف مع الشعب، فكان عقابه السجن 6 سنوات تبدأ في 2018 أي أنه لن يرى النور حتى 2024 عند ترشح السيسي لفترة جديدة، وكذا الكثير من الضباط المعتقلين في السجون العسكرية الذين لا يعلم المدنيين عنهم أي شيء حتى الآن.

إلى أي مدى المؤسسة العسكرية راضية عن أداء السيسي؟ وما صحة ما يُقال عن وجود تململ داخل صفوف الجيش من ممارسات السيسي؟


المؤسسة العسكرية مثل مصر، فالموقف الرسمي للدولة شيء والموقف الشعبي مختلف تماما عن ذلك، والمؤسسة العسكرية بالطبع داعمة للسيسي ومؤيدة له، فالسيسي ما هو إلا رأس جبل الجليد، وهم جميعا جزء منه، أما على مستوى القيادات الصغرى (من رتبة ملازم وحتى مقدم) ليسوا على نفس المستوى من الولاء للسيسي، ولا يعرفون أبعاد كل ما يجري، وكل ما يحدث الآن هو سيطرة وفرض قوة من ناحية، ونهب الثروات والسيطرة على مفاصل الدولة التي تدر عوائد مادية ضخمة من ناحية أخرى.

والتململ داخل القوات المسلحة موجود بالطبع، لكن يفوقه خوف غير عادي، نتيجة للقمع ونتيجة لما رأوه من النظام الحاكم الذي لا يرحم لا مدنيين ولا عسكريين، فكلما كان القمع للمدنيين كبيرا كان القمع للعسكريين أكبر وأفظع.

ما هي نسبة الضباط الرافضين لسياسات وممارسات السيسي؟ وهل هم في ازدياد؟


لا أستطيع أن أجزم بالنسبة الحقيقية، لكن يمكن القول إن من كل أربعة أو خمسة ضباط هناك واحد أو اثنين غير راضين عما يحدث، لكنهم يتكلمون بشكل سري جدا خوفا ممن حولهم، وقد عانيت من ذلك حينما اقتربت من الحكم أثناء فترة خدمتي بمطار ألماظة العسكري أو مطار الرئاسة، وحينئذ أدركت أننا جميعا نعمل لخدمة شخص واحد فقط هو رئيس الدولة.

ما هي الحالة التي قد يتدخل فيها الجيش ضد السيسي؟


حينما يعلو صوت الشعب غضبا واحتجاجا، ويزداد القمع أكثر، وبالتالي ترى القيادات أنها باتت جزءا من آلة القمع، ويبدأ تدخل الجيش. وهي الحالة التي لا أتمنى حدوثها، فلا أفضل انقسام الجيش عن الشعب، لكن أتمنى أن يحدث شيء على مستوى أكبر فيتدخل الجيش ضد السيسي.

الجيش يتدخل ضد أي رئيس، بل ويعزله، وكنت أقول دائما أن فكرة الحكم العسكري في مصر تتلخص في قاعدة: «الوزير يأتي برئيس، والرئيس يأتي بوزير»؛ فوزير الدفاع هو مَن أتى برئيس الدولة، مثلما قدّم طنطاوي "السيسي" للإخوان ليتولى وزارة الدفاع، لكنهم كان يجهزون لما حدث من قبل ذلك بكثير، ولدي الأدلة على ذلك.

البعض يرى أن أي تغيير في مصر لن ينجح إلا بدعم المؤسسة العسكرية.. هل تتفق مع هذا الطرح؟


لا تنتظر أي دعم من المؤسسة العسكرية لتسليم السلطة، فقيادات المؤسسة العسكرية منتفعين بشكل غير طبيعي، أكثر بكثير من انتفاعهم في فترة مبارك، والسادات؛ فقد عدنا إلى مرحلة عبد الناصر: مصالح، وسلطة، وأموال، وأشخاص فوق القانون.

ولا تنتظر أن يقوم الجيش بالتغيير، فمَن يدعم التغيير هو اتحاد الشعب المصري بكامل أيدولوجياته وأفكاره، وإرادته، وأن يؤمن الجميع بأنه بدون الاتحاد لن يكون لهم شأن في المستقبل، وستزداد الحالة من سيء إلى أسوأ.

وعلى الشعب المصري أن يتحد وينسى الخلافات الأيدولوجيات، وأن يعلم الجميع أن المستقبل لهم إن كانوا مجتمعين، فما يخوف المدنيين من الإسلاميين أن يفعلوا بهم كما فعلوا بعد 25 يناير، وما يخوف الإسلاميين هو تحالف المدنيين مع العسكريين كما حدث أثناء الانقلاب، فلو توحد الجميع على دولة مدنية يُفصل فيها الدين عن الدولة، مع تحديد الأولويات للنهوض بالدولة، نهضة تعليمية وصحية بغير الطريقة الفاسدة التي نراها الآن، عندها فقط سيعود الجيش لثكناته.