يُنظر في بعض أوساط النسويات العربيات إلى قوامة الرجال على النساء، بوصفها لونا من ألوان تكريس الذكورية في المجتمعات الإسلامية، التي تخول الرجال حق ممارسة دور المتسلط في البيت انطلاقا واستنادا إلى ذلك الحق الذي منحه لهم الشرع الإسلامي.
ومع أن مفهوم القوامة منصوص عليه في الآية (34) من سورة النساء: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ..} باعتباره تكليفا للرجال وتحميلهم مسؤولية القيام على شؤون البيت والأسرة، إلا أن بعض الممارسات الخاطئة أخرجت المفهوم عن حده الصحيح، فبات بعض الرجال يمارسون تلك القوامة بصورة تسلطية تمتهن كرامة النساء، وتجعلهن كالعبيد في بيوت سادتهن الرجال بحسب منتقدي تلك الممارسات.
وبإزاء مسالك القراءات التقليدية المعروفة للنصوص الدينية المتعلقة بالنساء من جهة، والقراءات الحداثية التي تدير ظهرها للتراث وتقطع معه بصورة جذرية، فإن ثمة من يدعو إلى طريق ثالث يتمثل بالدعوة إلى إعادة قراءة تلك النصوص، كما تدعو إلى ذلك الباحثة والطبيبة المغربية، أسماء المرابط في جملة كتبها المنشورة، والتي من أبرزها: (القرآن والنساء.. قراءة للتحرر) و (الإسلام والمرأة.. الطريق الثالث)، و (الإسلام والنساء.. الأسئلة المزعجة).
في كتبها ومقالاتها وحواراتها تنتقد المرابط مفهوم القوامة الذي تقدمه التفسيرات المعروفة كتفسير ابن كثير أو القرطبي، وغيرهما من التفاسير والمدونات الفقهية الأخرى لأنهم "كلهم فسروا القوامة كمنظومة سلطوية، وهذه إشكاليتنا اليوم، فالعديد من التفسيرات فيها مغالطات كثيرة عبر تبنيها نظرة دونية صريحة واضحة تجاه المرأة، فهي بدون عقل ولا بد أن يكون الرجل دائما قواما عليها".
وأضافت عبر تصريحات صحفية سابقة موضحة رؤيتها ورأيها: "أبو حامد الغزالي يفسر هذه القوامة كأن المرأة هي عبدة الرجل، هذه التأويلات كلها خاطئة، لأن القوامة في سياقها والسياق المجتمعي التقليدي تكفل الرجال بحاجات النساء، ففي ذلك الوقت وحتى الآن في بعض المجتمعات، يتكفّل الرجال بحاجات النساء والأسرة كلها، وهي مسؤولية قبل أن تكون مسألة أخرى، وهي مسؤولية وليست تشريفا".
وتابعت: "فالآية تقول: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} فالرجال يمكن أن يكونوا مفضلين على النساء بمعيار آخر، والنساء يكن مفضلات على الرجال بمعيار آخر، وحسب القرآن فإن أهم المعايير لتقويم الإنسان ذكرا كان أم أنثى: التقوى والعمل الصالح، والآية القرآنية واضحة: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً}، هذه هي الأفضلية وليس بالسلطة أو بأفضلية مطلقة".
وخلصت المرابط إلى القول: "إذن القوامة كاستبداد وتسلّط طغت على التفسيرات الفقهية، وترسّخت في الذهنيات والأعراف حتى الآن، فهذا هو الذي جعل آيات المساواة وآيات العدل، وآيات المساواة الأنطولوجية والروحانية والمعايير الأخرى كلها تُلغى بمنظومة القوامة" على حد قولها.
من جهته أوضح أستاذ القضاء الشرعي بجامعة جرش الخاصة الأردنية، حسن تيسير شموط، مفهوم القوامة بأنه يعني "مسؤولية الرجل عن تدبير شؤون زوجته، والقيام بما يصلحها، وتشمل قيادة الأسرة والواجبات التي كُلف بها الرجل من إنفاق ورعاية، وحماية وصيانة لها، فالرجل قائم على الأسرة، مسؤول عن الزوجة، يجب عليه القيام بما أمره الله به من واجبات شرعية تجاه زوجته وأسرته من مصالح وتدبير ورعاية وتوفير احتياجاتها وغيرها من الأمور".
وواصل حديثه لـ"عربي21" بالقول: "القوامة حينما أعطيت للرجل كان المقصود منها تكليفه بمسؤولية الأسرة، وليس الهدف منها تفضيله، فهي قوامة تكليف وتشريف، لكن الممارسات الخاطئة لبعض الرجال، والضغط الاجتماعي إضافة إلى جهل الكثيرين لمفهوم القوامة ومقصد الشارع منها، كل ذلك أدّى إلى تسلط بعض الرجال على النساء، وامتهانهن والتحكم بهن بطريقة سلبية".
وذكر شموط أنه "في حال تعسف الزوج في استعمال حق القوامة، فللزوجة أن تحاوره وتناقشه، فإن أصر الزوج على تصرفاته وأفعاله فلها أن تلجأ إلى أهل الخير والإصلاح من أقارب الزوج وأصدقائه لإفهامه ونصحه، وفي حالة أدّى تعسف الزوج إلى حرمان المرأة من حقوقها كالنفقة والمسكن الشرعي، فلها الحق بالمطالبة بذلك عبر اللجوء للمحاكم الشرعية".
بدوره أكدّ الكاتب والباحث في الفكر الإسلامي، حسام الدين عوض أن "القوامة تعني القيام بأمر المرأة والسهر على راحتها، والعناية بها، فهي إذن ـ أي القوامة ـ تكليف لا تشريف، فالرجل مكلف وملزم بالعمل والإنفاق على المرأة (أختا، بنتا، أما، زوجة) وإن كان فقيرا، لكنها ليست ملزمة بشيء من ذلك وإن كانت غنية، فإن فعلت ذلك فيكون تصدقا منها عليه وعلى أبنائهما".
وأضاف لـ"عربي21": "فمن جعل القوامة سبيلا للتملك، وسببا للتسيد والرياسة والقهر والتسلط فقد أبعد النجعة كما تقول العرب، وقد حدث هذا حين اختلطت مفاهيم الإسلام العظيم بقيم البداوة ورواسب الجاهلية، وحين امتزجت بالعادات والتقاليد والأعراف، حتى استقرت تلك الأخيرة في أذهان الكثيرين على أنها هي الإسلام وليست كذلك".
وأردف: "لقد أوضحت السيرة النبوية وأكدت على عدم تمييز الناس على أساس الجنس أو اللون أو النوع في كثير من الأحاديث والمواقف، منها قوله عليه الصلاة والسلام: "يا أيها الناس ألا إن ربكم واحد، وإن وأباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود، ولا أسود على أحمر إلا بالتقوى".
وفي السياق ذاته قالت الكاتبة والداعية المصرية، منى مصطفى: "مما لا شك فيه أن القوامة التي شرعها الله في كتابه العزيز تكليف ومسؤولية، وكان الرجال يقومون بها على أكمل وجه حتى خرجت المرأة للعمل، في بداية الأمر لم نواجه تعقيدا في مفهوم القوامة، لأن المرأة تعمل وتعين زوجها، وكلاهما سعيد بأن الخير لهما ولأولادهما".
وأردفت لـ"عربي21": "لكن المشكلة تفاقمت عندما صار المجتمع من حولنا يحاكي المجتمعات الغربية في سلوكه دون بنيته، في سلوكه أي بجعل الوظائف الرائجة للنساء، وسوق العمل يختلق فرصا للنساء أكثر منها للرجال، ولم يتغير في بنيته إذ إننا مسلمون ننظر للحياة بمنظور الدين، أي أن المتوقع من الرجل هو القوامة الكاملة، فوقع الرجل بين فكي الرحى، قلة فرص العمل، وواجب القوامة" وفق تعبيرها.
وتابعت: "وهو ما حمل المرأة على تغيير نظرتها للرجل، بإقناع نفسها أنها هي المنفقة كذلك، وهي المربية للأولاد، وهي التي تدير شؤون المنزل، وهو جالس على هاتفه، كل دوره أنه ذهب للعمل الذي تقوم هي بمثله أو ربما بما هو أصعب منه".
ورأت مصطفى أنه نتيجة لكل هذا "فقد استلب قدرا من قوامة الرجل، والتي انحسرت في حجم إنفاقه الذي يقل عن حجم إنفاقها أحيانا، وصارت لها هي كذلك درجة إذ إنها إلى جانب الإنفاق قلّ أو كثر تربي وتدبر وتتابع الدراسة، فباتت تطرح وبكل أسف ومع طغيان المعايير المادية السؤال التالي: ماذا يقدم لي الرجل لأخضع له؟".
ووفقا لمصطفى فإنه من الخير للمرأة أن تقبل بقوامة الرجل عليها، ولا تعاند ذلك وترفضه، "فهذه فطرتك، فلا تعانديها فتشقي، وهذه سعادته فلا تحرميه منها فيشقيك" مضيفة أنه "وبنظرة للمجتمع الغربي الذي تفتنكم النظرة إليه، فإن المرأة هناك تتمنى لو نالت ما نلناه نحن المسلمات، هي هناك مسكينة، تتحمل نفسها حتى آخر نفس، وكم رأيت منهن من يغبطن المسلمات، بل كم رأيت منهن من دخلت الإسلام من باب الانبهار بمبدأ قوامة الرجل الذي يجعلها قريرة العين، مجبورة الخاطر، إن كسبت مالا أو لم تكسب فهي مكفولة محمولة مدى عمرها من أب وأخ وزوج وابن".
يُشار إلى أن مفهوم القوامة بمعناه القرآني الأصيل إنما يعني "تكليف الرجل بتدبير شؤون البيت، وتحميله مسؤولية إدارته، باعتبار البيت مؤسسة قائمة بذاتها كغيرها من مؤسسات المجتمع الأخرى التي يلزمها لكي تكون ناجحة في إدارة شؤونها أن يتولى ذلك القوي الأمين القادر على رعاية مصالحها، وتحقيق غاياتها، من غير أن تُتخذ القوامة ذريعة لتسلط الرجال على النساء، أو فرض إرادتهم عليهن بالقوة".
عسر الانتقال الديمقراطي في العالم العربي في مرآة السياسيين
اليسار الفلسطيني: الجذور الفكرية والواقع والتحديات (1 من 2)
كيف يستعيد التصوف المعاصر دوره الإصلاحي؟