قضايا وآراء

ما لا يعرفه كثيرون عن قناة الحوار

1300x600
في العاشر من تموز/ يوليو أحيت قناة الحوار في لندن ذكرى مرور 14 عاماً على انطلاق أول بث مباشر لها، والذي لم تمض شهور قليلة عليه عام 2006 حتى ضغط نظام حسني مبارك لإيقافه على القمر الصناعي "نايل سات".

لكن لأن بوصلتها ثابتة وتعرف إلى أين توجهها فلم تستسلم الحوار، وأخذت تبث على أكثر من قمر صناعي ناهيك عن موقعها الالكتروني، ودخلت ولو متأخرة قليلا عالم منصات التواصل الاجتماعي، بدءا من يوتيوب ليقارب عدد مشتركي قناتها فيه نصف مليون، وحلّقت مع جمهورها في صفحتها الرسمية عبر فيسبوك مع قرابة أربعة ملايين متابع واثقين بكل ما تبث، وتعرض كل ما يعود عليهم بالنفع والفائدة.

ما لا يعرفه كثيرون أن قناة الحوار تعمل بعدد محدود جدا من الموظفين، ومن خلالهم تقدم ساعات طويلة من البث المباشر اليومي؛ لبرامج مثل "الرأي الحر" و"أضواء على الأحداث"، و"المشهد"، والبرنامج الصباحي المتنوع "لكل العرب"، تضاف إليها عدة برامج أسبوعية، مثل "مراجعات" مع الدكتور عزام التميمي، و"قضية وحوار"، و"حقوق الناس"، ناهيك عن برامج خدمية للجمهور في الجانب الديني؛ مع برنامج "لكل زمان ومكان" كل أحد، والذي أقدمه بمعيّة الشيخ حسين حلاوة، أمين عام المجلس الأوروبي للإفتاء، وبرنامج "كيف الصحة" الذي يستضيف نخبة من الأطباء العرب في لندن كل سبت.

ويحظى برنامج "حوار لندن" المباشر الأسبوعي مساء كل خميس مع الدكتور عزام التميمي وضيوفه؛ بحضور خاص، حيث ترقبه الدوائر الإعلامية للثورة المضادة لمعرفة السياسة التحريرية للقناة من خلاله، فضلا عن البرامج الأخرى. وقد استخدمت قناة العربية مقاطع مجتزأة منه في أكثر من موضع في إطار تحريضها المستمر على الربيع العربي ومناصريه.

ويشكل برنامج نافذة على مصر مع الزميل أسامة جاويش مصدر إزعاج للإعلاميين المنبطحين للعسكر، فهو يقدم قدر الإمكان الرواية بلسان الواقع، ويحرص على إحضار من يمثل رواية النظام الحالي لبيان موقفه منها مقابل الصوت المعارض، وهذا يصعّب مهمة خصوم البرنامج الذين يستسهلون انتقاد من يغيب صوتهم.

يزداد عدد مشاهدي قناة الحوار في الدول التي يغيب فيها صوت الإعلام المستقل، وعليه فقد كانت حاضرة في المشهد التونسي بقوة إبان ثورة الياسمين، وكانت قناة الحوار شبه الوحيدة في الميدان الإعلامي التي تستضيف الشيخ راشد الغنوشي بشكل مستمر؛ الأمر الذي أغضب نظام المخلوع ابن علي ودفعه لاستئجار خدمات شركة خاصة لمراقبة بث القناة ورفع قضايا عليها لدى الجهات المختصة بالإعلام في بريطانيا نكاية بها. وهنا كان رد الدكتور عزام التميمي "أن نظام ابن علي رفع نحو 11 شكاية على قناة الحوار خلال ست سنوات، وقد سقطت جميعها".

المفارقة أن هذه الشكاوى لم تكن حول محتوى بث مرتبط بتونس؛ وإنما كانت في قضايا مرتبطة بالبث حول المقاومة في فلسطين.

وما لا يعرفه كثيرون أيضا ما قيل عن إلغاء نظام محمد بن زايد صفقة تجارية مع الحكومة البريطانية في عهد ديفيد كاميرون بسبب الحوار! حيث اشترط ابن زايد إيقاف القناة لإتمام الصفقة! ليرد عليه كاميرون بأن الأمور لا تتم لدينا بهذه الطريقة، هذا يحتاج حكما قضائيا، فإن كان لديكم شيء ضدها فقدموه للقضاء وهو ينظر بِه.

طبعا هذا الكلام لا يفهمه شخص مثل ابن زايد، بل كان نظامه هو الأشد في ملاحقة من يتواصل مع قناة الحوار، وها هُو الأكاديمي والتربوي عبد السلام درويش يقبع في سجون أبو ظبي منذ سنوات؛ وإحدى التهم المثبتة عليه ظهوره على قناة الحوار، مع أنه كان ضيفا على برنامج اجتماعي كنت أقدمه في حينها تحت اسم "كل يوم" وكان حديثه حول الطلاق، ومع ذلك حُورت التهمة لتصبح ترويجا لتنظيم سري!!

وقد منعت أبو ظبي المؤسسات الخيرية ذات العلاقة بها من مجرد وضع إعلانات حول مشاريعها الخيرية على شاشة الحوار.

ولَم تكن الرياض أفضل حالا بهذا الصدد، فالحساسية بالغة من قناة الحوار والاتهام موصول لها بالتحريض على نظام آل سعود. وأذكر ذات مرة قلت لأحدهم: هل يمكنك أن تأتيني بخبر واحد بثته قناة الحوار حول النظام السعودي ولم يكن صحيحا؟ أنا مستعد أن أدخل معك بتحد بذلك، لأنك ببساطة لن تجد.

وعليه، فمن يظهر على الشاشة من العاملين بقناة الحوار أصبح يألف التأخير والتدقيق معه بعدد من مطارات الدول العربية، وهو أصلا يتجنب السفر لعدد لا بأس به من عواصم الدول العربية خشية الاعتقال أو الإيذاء، حيث يضيق صدرهم بكلمة الحق ولا يفقهون ثقافة الرأي والرأي الآخر، ولا يحتملون وجود من يقول لهم لا حتى لو بأبسط الأمور!

وما يستفزهم أكثر هو أن قناة الحوار تقدم ذلك بقالب مهني بحت، حيث تبتعد عن الإشاعات، ولا تدخل في قصص تجريح الأشخاص والهيئات، ولا تقبل التحريض على العنف.

وعليه شكلت قناة الحوار نموذجا في الإعلام الجاد المنحاز للشارع العربي، رغم محدودية الموارد المالية وقلة الكوادر البشرية، وستبقى - بإذن الله - منبرا عصيا على التطويع لظالم أو الانحياز لمستبد.