صحافة دولية

NYT: رئيس وزراء العراق يستكشف حجم الدمار في بلده

تعرف الكاظمي على الدمار الذي حل بالموصل - (المكتب الإعلامي للكاظمي)

نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا لمديرة مكتبها في بغداد إليسا روبين، قالت فيه إنه من اللحظة التي نزل فيها رئيس الوزراء العراقي الجديد من طائرة الهيلوكوبتر العسكرية في زيارة للموصل، أكثر المدن تضررا بعد احتلال تنظيم الدولة عام 2014، عرف مدى الخسارة.

ففي كل مكان تنظر ترى البنايات المدمرة والمجتمعات قد شردت وتشاهد ظلال "المفقودين" الذين أخذهم التنظيم ولم يجدهم أحد وأولئك الذين قتلوا وسجنوا من القوات العراقية أو الميليشيات.

وبعد 12 ساعة ومحادثات كثيرة، عاد رئيس الوزراء، مصطفى الكاظمي إلى بغداد، لم يبد عليه التعب ولكن كان واضحا أنه يحاول ترتيب أفكاره، بحسب ما ترجمته "عربي21".

ونقلت عنه الصحيفة قوله: "رأيت محنة مكونات المجتمع والنازحين والناس يتحملون عبء شيء لم يكونوا سببا به".

وفي الموصل، ثالث أكبر مدينة في العراق تتشكل "مكونات المجتمع" من عرب سنة وعرب شيعة ومسيحيين وايزيديين وتركمان، وكل منهم يشعر بأن شيئا قد سرق منهم، أولا عندما احتل تنظيم الدولة المدينة ومرة أخرى في الحرب للتخلص منه.

وتعلق روبن أن الكاظمي يشبه الزعماء الغربيين من نواح كثيرة، فلديه رسالة لكل مناسبة ولكن لم يكن يمكنه تقديم أي شيء للغضب والحزن الذي كان الناس هناك يعبرون عنه.

 

اقرأ أيضا: إجراءات مشددة في العراق لمنع استهداف الجنود الأمريكيين

ومن بين أول الأماكن التي وقف فيها كان متحف الموصل، الذي قام تنظيم الدولة بتحطيمه، كما زار أنقاض مسجد النوري الجامع ذي المئذنة الحدباء، الذي كان يشكل أحد أهم المعالم.

وإن كان هناك مكان في العالم للحجارة فيه صوت، فهي الموصل. فهناك يمكن سماع الدمار تقريبا. حيث تحولت مجمعات كاملة إلى أكوام من الأنقاض.

وتستدرك قائلة: "هذا ما لمحه رئيس الوزراء عندما مر موكبه من شوارع المدينة التي تم إفراغها لتأمين سلامته. ولكنه تعرف من خلال لقائه بالسكان على حجم المشكلة التي ستواجه إدارته الجديدة".

وبعد أن اجتمع مع قادة القوات الأمنية، اجتمع بشيوخ العشائر السنة، بعباءاتهم القبلية وكوفياتهم.

وقال الشيخ صالح الخالدي: "نرحب بك باسم مجلس عشائر نينوى"، ثم أدرج حاجات الموصل: جسور جديدة مكان الجسور التي دمرها تنظيم الدولة وتعويض لأصحاب البيوت والمتاجر التي دمرت أو تضررت خلال المعركة لاستعادة المدينة. واستئناف إصلاح قبر النبي يونس، وإعادة بناء المستشفيات والعيادات. وأيضا إعادة بناء وإصلاح كل المساجد والكنائس التي دمرها تنظيم الدولة.

واستمع رئيس الوزراء، ثم ذكرهم قائلا: "إننا نشهد أسوأ وضع اقتصادي للدولة العراقية منذ نشوئها". وقال: "لقد اعتمدنا على النفط حصرا كمصدر للدخل.. حيث يشكل النفط 94% من دخلنا، ولذلك ليس هناك قطاع خاص".

وقام رئيس الوزراء بتلاوة قائمة ما يحتاجه: المال، الذي لا تملكه الحكومة الجديدة، وروح إعادة البناء الخالية من الفساد وهو ما سيأخذ وقتا لتحقيقه والتصالح بين العشائر والطوائف والأديان والإثنيات وهو ما يحتاج جهدا من الجميع.

أما بالنسبة "للمفقودين؟"، فهم على رأس أولويات الكاظمي بحسب وعده. وتقدر منظمات حقوق الإنسان العراقية والدولية بأن هناك آلافا من الناس اختفوا في العراق خلال فترة تنظيم الدولة.

وتضيف الصحيفة أن الكاظمي زار سهول نينوى التي تمتد شمال وشرق الموصل، ويقول علماء الآثار إنه تحت تلك السهول الهادئة العديد من المواقع الأثرية التي تعود للأشوريين قبل حوالي 3000 عام. وفوق الأرض هناك قرى ومزارع لبعض المجتمعات المتبقية المرتبطة بطوائف عاشت في هذا الجزء من العالم من المسيحيين الآشوريين والسريان الأرثودوكس إضافة إلى الأزيديين والكاكاي. وكما هو الحال في نواح مختلفة من العراق، توجد أضرار كبيرة هناك أيضا.

 

وتعمد الكاظمي أن يمد يده لهم وزار قريتين مسيحيتين بارتيلا والحمدانية مرسلا بذلك رسائل تطمين إلى المجتمع المحاصر. وظهر حماسهم للزيارة من خلال قيام مجموعة من المسيحيين الشباب من الحمدانية بارتداء ملابس تقليدية مطرزة تستخدم عادة للمناسبات الدينية المهمة.

وقال نيكوديماس داود شريف، مطران الموصل للسريان الأرثودوكس الذي التقى الكاظمي في الحمدانية: "لأول مرة منذ عام 2003 نشعر بالأمان"، ولكنه أضاف: "ليس لدينا ثقة بالحكومة".

وقال المطران: "لقد غادر أهلنا يا صاحب السعادة.. لقد قال العراقيون في الماضي ذهب السبت وبعدها سنتخلص من الأحد .. وأنا أقول إن ذهب الأحد لن يكون هناك جمعة.. لأن الجمعة تستمد قوتها من الأحد والأحد يستمد قوته من السبت".

وفي هذا اللقاء الذي تضمن المسلمين والمسيحيين أرسل الكاظمي رسالة تأييد واضحة، فقال: "هذا المكان رمز للتعايش.. إخوتي من حق الجميع الانتماء إلى هذا المكان، ويجب علينا الدفاع عن هذا الإرث".

وأضاف: "أنصحكم بالتسامح تجاه بعضكم البعض لأن عيسي نادي بالتسامح ولأنه بدون تسامح لا نستطيع العيش معا. كما يجب أن يكون تنوعنا مصدر قوة لنا".

وكان آخر موقف للكاظمي مخيم نازحين جنوب شرق الموصل. وكان الجو حارا عندما تجمع الرجال، كبارهم يرتدون الدشداشة وصغارهم ملابس غربية، ولكن كلهم يبدو قلقا ويخشى من التفاؤل.


ونظر الكاظمي إلى الرجال، أحدهم في كرسي متحرك يدفعه قريب شاب وآخرون يتكئون على عصي وقليل منهم يقف منتصبا ووجوههم لا تعبر عن شيء، وقال لهم: "خانت عصابات داعش الشعب.. ومهمة الحكومة هي الحفاظ على كرامتكم".

وكان من أوائل من تكلم الشيخ محمد خفاش الذي يمثل أهالي بلدة باعج في شمال غرب المحافظة. وبدا يائسا وبدت الكرامة مسألة يصعب تخيلها. وقال: "مطلبنا هو العودة إلى بيوتنا.. البعض هنا ليس له بيت يؤويه، حصادنا في حقولنا ولا أحد سيجمعه. نحن محظوظون أنك زرتنا. نرجو أن تعيدنا واحدا تلو الآخر".

 وأضاف: "ومطلبنا الثاني هو المفقودون، أقاربنا الذين أخذهم تنظيم داعش وبعضهم أخذتهم قوات الأمن العراقية.. لا نعرف مصيرهم".