بالتأكيد لا يوجد حاليا شعب أتعس حظا وأسوأ حالا من اليمنيين فقد اجتمعت عليه كل المصائب في الوقت نفسه، كل واحدة منها كارثة حقيقية في حد ذاتها فما بالك إذا نزلت على رأسهم مرة واحدة. لقد ابتلي اليمنيون الذين هم أصلا في حالة اقتصادية واجتماعية ومالية رثة للغاية بخمس مصائب كبرى ولحقت بهم السادسة:
1) قيادة عاجزة، كسولة وخانعة، استمرأت البقاء في فنادق الرياض وقصورها فباتت مشلولة الحركة مصادرة الارادة. لم تستطع أن تكون مقنعة لشعبها المغلوب على أمره فكيف تكون مقنعة لغيره؟!
اكتفت من العمل السياسي بصمت المغلوب على أمره مع بيانات بين فترة وأخرى كأنها إحدى منظمات المجتمع المدني. حتى حين يفيض القهر على صدر إحدى الوزراء فينطق بما يعانيه الوضع الحكومي من خلل يتم ابعاده بأوامر من باتوا رعاة هذه الحكومة التي لم تعد تملك من أمرها شيئا، بعد أن بات قرارها مرهونا للرياض بشكل دائم ولأبوظبي بشكل متقطع.
2) حوثيون طائفيون أدخلوا البلاد في نفق مظلم، بسبب جهلهم ورعونتهم، حتى بات زعيمهم يتوهم أنه رقم مهم ولاغنى عنه في معادلة البلد بل والمنطقة ككل، ولهذا فهو يخرج علينا في كل مرة بخطاب منمّق يحاول مجاراة ذاك الذي في بيروت وكلاهما جزء أساسي من مصيبة بلاده. وعوض أن يكون الحوثيون جزءا من المشهد السياسي في البلاد، وهذا حقهم المشروع بلا جدال، باتوا عبئا عليه وعقدة من الصعب حلها دون ترك ندوب غائرة في ذاكرة الوطن، خاصة مع ازدياد علاقاتهم مع طهران وثوقا وربما ارتهانا.
3) قوى سياسية جنوبية متآمرة وتابعة، همّها الوحيد الانفصال وكأن هذه الدولة الجديدة التي يراد إحياؤها من جديد ستشكل نقلة نوعية في حياة الجنوبيين البائسة، الذين تعرضوا لظلم وتهميش لا سبيل لإنكاره، وكأن «سنغافورة جديدة» ستنشأ في تلك الربوع في حين أن هذه القوى والشخصيات ارتضت أن تكون مجرد مرتزقة ومخلبا لدولة الامارات ذات الحسابات المعقّدة التي تتداخل فيها أوهام الهيمنة بالعمل بالوكالة لمصلحة الحسابات الاسرائيلية ومشاريعها في المنطقة.
4) تحالف عسكري جاء لحل مشكل فبات هو المشكل الأكبر. جاء مزهوًّا في البداية بوجاهة الهدف الذي حدده لنفسه، وهو إنقاذ الشرعية وإنهاء التمرد الحوثي، فانتهى به الأمر مُدجّنا للشرعية ونافخا في قوة الحوثي. هذا التحالف الذي بدأ عربيا وانتهى سعوديا-إماراتيا، على شكل قوة الردع العربية في لبنان إبان الحرب الأهلية في سبعينيات القرن الماضي الذي بدأ عربيا وانتهى سوريًّا، لا هو أفلح في الحسم العسكري.. ولا هو امتلك شجاعة الاعتراف بالهزيمة.
5) مجتمع دولي متواطئ لم يكن لا حازما ولا واضحا. اكتفت الأمم المتحدة بميوعة مبعوثيها الدوليين إلى هناك وفشلهم المتلاحق في تحقيق أي انجاز، فيما اكتفت الدول الكبرى، وأساسا الولايات المتحدة، بالتنبيه لخطورة الأوضاع الإنسانية في اليمن دون أن تكون لها الارادة لممارسة ضغط على الرياض وأبوظبي لوقف عملياتهما القاتلة هناك أو على الأقل منع مدهما بالسلاح الذي يقتلان به المدنيين الأبرياء في المدارس ومآتم العزاء التي تفتح بشأنها تحقيقات لا تنصف الحقيقة ولا الضحايا.
حتى مؤتمر المانحين لدعم اليمن، الذي نظمته الأمم المتحدة واستضافته السعودية مؤخرا لم يستطع أن يجمع المبالغ التي كان يُمنّي النفس بها حيث لم يتمكن سوى من جمع 1.35 مليار دولار، كمساعدات إنسانيّة أي أقل بمليار دولار من الرقم المأمول. الغريب أن في هذا المؤتمر الذي شاركت فيه 130 حكومة وهيئة مساعدات لم تتبرع فيه الإمارات بدولار واحد (!!) رغم أن السعودية قدمت المساعدة الأكبر وهي 500 مليون دولار.
ولأن المصائب لا تأتي فرادى، كما يقول المثل، هاهو وباء «كورونا» يضرب هذا الشعب المغلوب على أمره بعد أن خسر أكثر من 200 ألف بسبب الحرب والمجاعة والكوليرا منذ 2015.
ووفق تحقيق أجراه مراسل «الجزيرة نت» في اليمن فإن الوباء كورونا عرف طريقه للانتشار في جميع أنحاء اليمن تقريبا بعد تؤكد وفاة نحو ألف شخص في العاصمة المؤقتة عدن جراء الإصابة بموجة من الفيروسات والأمراض مؤخرا، بالإضافة إلى نحو مئتين في صنعاء التي أكد بعض أهاليها للمراسل أن الحوثيين قاموا بتهديدهم بالتخلي عن رعاية مرضاهم أثناء إصابتهم، إضافة إلى تهديدهم بالسجن في حال تحدثوا عن وفاة أقاربهم بالفيروس. كما أن منظمات عديدة، على رأسها منظمة الصحة العالمية، ما فتئت تكرر تحذيراتها من احتمال أن يخرج الوباء عن السيطرة في اليمن ما لم تتوافر ظروف تسمح بايصال المساعدات الصحية والطبية مع انتقاد تعتيم الجميع على الأعداد الحقيقية لضحايا الفيروس.
إن بلدا عربيا، هذه هي ظروفه، وهذه هي المصائب التي تنزل تباعا على رأس أبنائه، يحتاج إلى عقود حتى يستعيد توازنه، كما أننا لا ندري أبدا ما الذي يمكن أن يخرج عن جيله الجديد من سياسات وتصرفات بعد أن عاش بالملموس ما فعلته به قواه السياسية من ظلم بعد ظلم ذوي القربى.
(القدس العربي)