قضايا وآراء

مستقبل الإعلام المصري في ظل التعاطي مع جائحة كورونا

1300x600
اكذب، ثم اكذب، ثم اكذب حتى يصدقك الناس.. تلك هي القاعدة التي تحكم الإعلام المصري بوجه عام، لكنهم يكذبون ويكذبون وهم موقنون بأن لا أحد يصدقهم. فهم يكذبون، ويعلمون أنهم يكذبون، ويعلمون أن الشعب يعلم أنهم يكذبون، ومع ذلك فهم مستمرون في نفس الكذب منذ الأول من كانون الثاني/ يناير 2020، حين أعلنت منظمة الصحة العالمية وجود آلاف الحالات الإيجابية من كورونا في كل أنحاء العالم تقريبا، لتنكر مصر، ويهاجم الإعلام المصري كل صوت يطالب بكشف الحقيقة، حتى تنكشف فضيحة تضاف لفضائح النظام، حين أعلنت عدة دول استقبال حالات إيجابية قادمة من مطار القاهرة لحالات قضى أصحابها أسابيع في مصر، ليضطر النظام عبر صحافته الكاذبة أن يعترف بعدد قليل من الحالات لا يتعدى العشرات.

وتظل الصحافة المصرية تبشر بمصر الآمنة من فيروس كورونا، ومصر المحروسة التي تستعد لاستقبال أفواج من السياحة العالمية، خاصة السياحة الصينية، في الوقت الذي كانت فيه الصين بؤرة عالمية مخيفة ومنبعا للمرض.

ويتخطى تعاطي الإعلام المصري التبشير باستمرار الأوضاع الطبيعية في البلاد ومهاجمة من يدعي وجود المرض، لتخوين كل من ينشر أرقاما معظمها من مصادر خارجية، وأنه يعمل لدى منظمات تعادي النظام وتشوه جهوده غير العادية والتي يشيد بها العالم.

ومنذ ذلك الحين وحتى اليوم، والصحف المصرية التي اعتادت الكذب والعناوين الحمراء المغلفة بانفجارات كلامية، مثل عنوان "السيسي حلها" في حديثهم عن سد النهضة مصحوبا بصورة للزعيم بينما يحتفل بتوقيعه بالتنازل عن مياه النيل، تتحدث عن "مصر المحروسة بالعناية الإلهية" في تغطية أزمة كورونا في بدايتها، وإنكارها من الأساس، لتنشر المواقع الإعلامية بكافة أنواعها في كل يوم أن العالم يشيد بالتجربة المصرية، ويسعى لنقلها للاستفادة منها.

الإعلام المصري مقارنة بالإعلام العالمي

الفرق كبير بين الأداء الإعلامي المصري وإلاعلام الآخر، حتى إذا قمت بمقارنة دقيقة فسوف تخرج الإعلام المصري من دائرة التعريف الإعلام لدائرة أخرى لا مسمى لها إلا "الردح" باللفظ المصري الدارج.

وقد ترتبت أولويات المؤسسات الصحفية الكبري كالجزيرة في قطر مثلا، على أساس سلامة طاقمها الصحفي والإعلامي في المقام الأول، فكان البث المنزلي هو السائد إلا في أضيق نطاق، بما يضمن الالتزام بالمعايير الصحية العالمية ويضمن كذلك  سلامة الصحفي والإعلامي، لتعطى نفس الأولوية لسلامة المواطنين وصحتهم، ونقل المعلومة الصحيحة إليهم عبر استضافة الفرق الطبية المتخصصة على مدار الساعة، وعرض تطورات المرض بالأرقام الصحيحة والدقيقة على مدار الساعة، وفتح خطوط تواصل مع المواطنين والمضارين من جراء توقف العمل أو مصابي الفيروس منذ الأيام الأولى لإعلان منظمة الصحة العالمية الجائحة وباء عالميا.

وعلى نفس مستوى الاهتمام بالإعلام العالمي، وُجه الاهتمام للفرق الطبية، حيث أُلقي الضوء على معاناة الطبيب والفريق الطبي، في الوقت الذي توفر له الأنظمة أعلى وسائل الحماية المطلوبة والمتوفرة. فسقوط طبيب واحد لا يعني سقوط فرد، وإنما يعني سقوط عشرات المرضى وتركهم بلا معالج.

لقد نالت أزمة كورونا الاهتمام العالمي الأكبر كوباء عالمي لم يشهده أحد من الأحياء اليوم من قبل، ومع ذلك ظل الإعلام المصري يتعامل بإنكار وسطحية وتطبيل لأداء نظام فاشي فاشل ما زال يضع المواطن المصري في آخر أولوياته، فيتبرع هذا النظام هنا وهناك، بالمواد الطبية تارة، وبالمواد الغذائية من المخزون الغذائي للشعب تارة أخرى، ليتسول شرعية يفتقدها، ويعلم جيدا أنه لن ينالها في الداخل بهذا الأداء المخزي منذ اليوم الأول للانقلاب، فتصبح مصر في عهده، وفي ظل التواطؤ الإعلامي هي أكثر الدول في نسبة الوفيات للإصابات المعلنة، والتي تبلغ خمسة في المئة كما تعلن الوزيرة يوميا، بينما هي في العالم أقل من ذلك بكثير.

كما تحتل مصر المواقع الأولى في عدد وفيات الأطباء الذين أُعلنت الحرب عليهم لمجرد مطالبتهم بحقوقهم الأولية في اللباس الطبي المناسب، والأجر المناسب، وهم يواجهون الموت في اليوم ألف مرة بغير وسائل وقاية أو حماية ككل الأطباء في العالم. فتعلن الدولة الحرب على جهازها الطبي، ويعلن الإعلام الحرب الإرهابية بالاتهام بالخيانة العظمى.

لقد تفرغ الإعلام العالمي للتقصي عن ملابسات المرض وأصله وسبل الوقاية وعدد المصابين وعدد الوفيات ونقل الحقيقة، ولو منقوصة أو مشوهة، إلا الإعلام المصري الذي وقف نفسه للدفاع عن الأداء الحكومي الصفري، بل ويصفه بأنه النموذج الأمثل للعالم.

نعم لقد وقع الإعلام العالمي في أخطاء إعلامية قد لا تغتفر مستقبلا؛ تتعلق بإشكالية التهويل أو التهوين من الجائحة، وانعكس ذلك على الجماهير بصورة سلبية في التعاطي مع الجائحة، بالتقليل من شأنها كما حدث في بعض الدول الأوروبية ومنها إيطاليا على سبيل المثال، لكن السقطة التي وقع بها الإعلام المصري غير مسبوقة ومتفردة في ذاتها، فلم يقع فيها إعلام دولة تحترم شعوبها وتعلم أنهم حقل اهتمامها، وتحاسب كل مقصر أو مدلس على الناس، خاصة في وقت المحن العظمي.

وكلمة حق يجب أن تقال في هذا الجانب، فالإعلام المصري لم يكن مهنيا ثم هبط في تغطية الوباء، إنما تلك هي سمة ملاصقة له. ويكفي أن تطلع على عناوين الصحف قبل كانون الثاني/ يناير 2011، ثم تطلع على نفس الصحف لنفس الكتاب بعد الثورة، ويكفي أن تعيد مشاهدة القنوات المصرية قبل الثورة، وتعيد مشاهدة نفس القنوات لنفس فريق المذيعين والمعدين والمخرجين، لتعلم كيف تتغير المواقف في ساعات معدودة حسب توجه النظام، وليس حسب ما يفيد الشعب ومصلحته.

المواطن دائما هو المقصر (العيب في الشعب)

وظل الإعلام المصري يمثل الصورة المشوهة للأداء الحكومي مع الأزمة، فمن الإنكار ومناطحة الحقيقة التي فضحها العالم، للإشادة بدور مفقود للدولة وغياب الجاهزية لمواجهة احتياجات المواطن الصحية البسيطة، فضلا عن مواجهة الجائحة، للتغني بخطط غير موجودة من الأساس، لتقديم برامج من الشارع والتصوير مع المواطنين والاستهزاء بالأمر كلية، للدعوة لعدم التهويل واتهام كل من يطرح الحقائق بالعمالة والخيانة، لغض الطرف عن مستوى المشافي الحكومية في البلاد والتي لم تعد صالحة لمعالجة حيوانات الشوارع، بسبب التلوث وقلة الإمكانات واستهلاك البنية التحتية فيها، لقلب الطاولة على المواطن المصري (الهمجي) الذي يعصي أوامر الحكومة ولا يلزم بيته مما أدى لانتشار الوباء في البلاد..

ثم قفزت الأرقام فجأة من نطاق تحت المئة إصابة في اليوم، لتتخطى حاجز الألف ومئتين في اليوم الواحد. ومع أن الأرقام فيها مغالطة كبيرة وتدليس ثان على الشعب، إذ أن هذا العدد المعلن هو من ضمن أربعة آلاف مسحة تم أخذها خلال اليوم على أقصي تقدير، بما يؤكد أن عدد الحالات المصابة في البلاد تتجاوز تصورات عقولنا، إلا أنها رغم ذلك مؤشرات مخيفة تنذر بأن القادم مخيف.

وهذا المخيف قد حذرت منه صحافة أخرى غير صحافة البلاد الوطنية، وصورته بدقة وصورت مآلات الكذب في مثل تلك الكوارث، وكأن إعلام النكسة ما زال مسيطرا، وكأن النظام الانقلابي الدموي هو من يقوم بوظيفة الإعلام.

لقد صار الشعب الذي صرخ منذ أكثر من ثلاثة أشهر في الشوارع بأن هناك خطرا سندفع ثمنه جميعا؛ هو المذنب اليوم، وكأنه هو من أنكر وجود المرض، وكأنه هو من أرسل المساعدات التي يستحقها هو، وكأنه هو من أدخل السياح الصينيين دون ضوابط وقت المصيبة التي كانت تعانيها الصين، وكأن الشعب هو من يقرر بناء القصور والمدن السياحية، متجاهلا المستشفيات والمدارس والطرق والكباري التي تنهار قبل استعمالها.

إن مهمة الإعلام تتلخص في نقل الحقائق مجردة دون تهويل أو تهوين، وتقديم المعلومات والرأي كدعم لأصحاب القرار، وترتيب أولوياته تبعا لمصلحة الشعوب، والقيام بالنقد ومحاسبة من يخطئ محاسبة شعبية. فالإعلامي ليس ساعي بريد، وليس مجرد قارئ لرسائل تأتيه من هاتف سامسونج يخطئ كثيرا في مجرد قراءتها علي الهواء. لقد كانت أزمة كورونا وما زالت القشة التي يتساقط  حولها الكثيرون..

أنظمة فاسدة سرقت مقدرات شعوبها، إعلام فاسد همه إرضاء تلك الأنظمة أو هو أحد فروعها، أجهزة صحية عاجزة عن حماية العاملين فيها فضلا عن مواطنيها، لتمتلئ وسائل التواصل الاجتماعي التي مثلت الإعلام البديل؛ بصور واستغاثات لذوي موتى لا يجدون من يدفن ضحاياهم والذين تساقطوا أمام أبواب المستشفيات دون رحمة.