كتاب عربي 21

اليمن: أيهما أفدح.. موت الرئيس أم تنازلاته؟

1300x600
في العشرين من شهر أيار/ مايو المنصرم، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي وصل عيدروس الزبيدي إلى الرياض قادماً من أبوظبي، في مهمة لن يقدم خلالها على الأرجح تنازلات للعودة إلى اتفاق الرياض وتنفيذه، بل سيحصل على المزيد من التنازلات من الجهة المستعدة دائماً (طوعاً أو كرهاً) على تقديمها، وهي السلطة الشرعية الموجودة في العاصمة السعودية منذ أكثر من خمسة أعوام عجاف.

خلال الأيام الماضية نشر عدد من اليمنيين المتصلين بالشأن العام تغريدات أفادت بأن نبأ فاجعاً سيصدر عن الشرعية في الرياض، على نحو فُهم منه أن صحة الرئيس عبد ربه منصور هادي في خطر نتيجة إصابته بمرض أو ما شابه.

لكن اتضح فيما بعد أن هذه التغريدات كانت مدفوعة بالقلق من تنازلات وشيكة سيقدمها هذا الرئيس بين يدي السعودية؛ التي تضغط عليه للتعامل على أساس نتائج الحرب الدائرة حالياً في محافظة أبين، والتي يتعثر خلالها الجيش ولم يحرز أهدافه المخطط لها من هذه الحرب؛ لأسباب جوهرية أهمها أن التحالف هو من يدعم الموقف العسكري للانفصاليين.

ليس موت الرئيس هو ما يُقلق، بل تنازلاته التي تنتزعها السعودية استغلالا لمنصب هادي وصلاحياته الرئاسية المطلقة. لذا فإن الخطر المحدق اليوم بالدولة اليمنية لا يأتي من حرب الحوثيين والانفصاليين على الشرعية ولا من دعم الأطراف الخارجية لهذه الجماعات المسلحة، بل من عجز الرئيس وتواطئه. 

لكن ذلك لا يمنع من الإضاءة على الأجندة العدائية للتحالف، فبعض المراقبين من أهل الخبرة العسكرية، رصدوا اشتراك دبابات حديثة من نوع "لوكريك" التي حصلت عليها الإمارات من فرنسا في تسعينيات القرن المنصرم، والتي تتمتع بسرعة عالية، وبقدرة مناورة ممتازة في المناطق الرملية. هذا المشهد لم يتم التركيز عليه كثيراً، مع أنه يمكن أن يمثل حالة مفصلية في الصراع العسكري الدائر حالياً بين طرفين يخضعان بالكامل لإرادة التحالف بقطبيه السعودي والإماراتي.

هذا النوع من الدبابات يشير إلى وجود جنود إماراتيين متورطين في المواجهات العسكرية الدائرة حالياً في أبين والمتوقفة منذ أول أيام عيد الفطر، إثر وساطة قبلية. فالإمارات تريد تسييج الانقلاب على الشرعية في عدن من قبل المجلس الانتقالي، إلى جانب الإجراءات التي اتخذها هذا المجلس مؤخراً من جانب واحد، ومن بينها إعلان الإدارة الذاتية والسطو على موارد الدولة، والهيمنة على مؤسساتها في العاصمة المؤقتة عدن، ومن ثم التصرف على أساس أن كل ذلك يمثل مكاسب ميدانية راسخة وأمر واقع يتعين البناء عليه في أي تسوية للحرب الدائرة بين الشرعية والمتمردين الانفصاليين.

نحن أمام حرب يديرها ويتورط فيها التحالف بشكل مباشر، إما عبر المشاركة الميدانية كما تفعل الإمارات، أو عبر التهيئة السياسية والضغط الممنهج على الشرعية كما تفعل السعودية.

في الحقيقة نحن لا نحظى برئيس جدير بالثقة ولا يمكن أن نأمن جانبه، فالأمر يتعلق بشخصيته التي تعكس حقيقته ككائن لزج يفتقد إلى عبقرية القادة الطموحين، ويغرق في نرجسية مقيتة. وحينما جاءته زعامة اليمن بكل ثقلها في لحظة مفصلية هامة من التاريخ، لم يكن في مستوى الحدث، ومضى يستحضر كل ضغائنه ويفرزها الواحدة تلو الأخرى ضد الجميع: أفراداً وكيانات ومناطق، حتى أنه لا يتمتع بحلفاء حقيقيين وليس له مؤيدون أو مُريدون.

لذا لا ضمانات من أن الشرعية سوف تخضع في نهاية الأمر للإملاءات السعودية، التي تريد أن يبصم اليمنيون بأقلامهم ودمائهم على مخطط يفككهم ويشتت شملهم ويشظي جغرافيتهم، ويجعلها سهلة المنال للطامعين السعوديين والإماراتيين، الذين ما فتئوا يحاولون الاستحواذ على المزيد من الجغرافيا اليمنية، خصوصاً السعوديين الذين يركزون على مكامن النفط في الربع الخالي، وعلى المنافذ الاستراتيجية المفضية إلى بحر العرب وخليج عدن، فيما يواصل ابن زايد مساعيه للحصول على محافظة أرخبيل سقطرى.

يجري الحديث اليوم عن ملحق جديد لاتفاق الرياض، ومثلما ساهم الاتفاق في تثبيت كيان سياسي انفصالي متحدثاً وحيداً عن قضية الجنوب، هو المجلس الانتقالي، فإن المحادثات التي لم يُكشف الغطاء عن مضمونها والتي تجري حالياً في الرياض؛ من المرجح أن تؤدي إلى إعادة تكييف اتفاق الرياض مع المتغيرات الميدانية في الساحة الجنوبية.

يمكن للسلطة الشرعية أن تتخلص من الضغوط السعودية إن بقي لديها شيء من الخيال، أن تستثمر أوراقاً مربحة لإرباك الحسابات السعودية والإماراتية، ومنها أن الأولويات اليوم ينبغي أن تنصب على إنقاذ اليمن من جائحة كورونا، وخصوصاً في إحدى أهم بؤر هذا الوباء وهي العاصمة المؤقتة عدن، وأن توفر الدعم الكافي لانتفاضة عدن الذاتية، التي أظهرت أن هذه المدينة مثل بحرها؛ لا تقبل بالجِيَفْ الإماراتية التي يمثلها المجلس الانتقالي، بما هو تركيبة سيئة من الاصطفافات المناطقية والارتزاق والماضي الإرهابي والقتل بالأجر اليومي. 

ومن الأوراق المربحة هي العمل باتجاه تعظيم الحالة الوحدوية التي تسود محافظات مهمة في الجنوب من المهرة شرقاً حتى عدن غرباً بالإضافة إلى محافظة أرخبيل سقطرى، والدفع باتجاه تشكيل مجلس وطني يمثل الإرادة الشعبية في هذه المحافظات، ويقود المواجهة مع المجاميع المأجورة والمشاريع الممولة من الإمارات والسعودية.

مجلس كهذا ينبغي أن تكون من أبرز أولوياته أيضاً إعادة النظر في الانتشار العسكري السعودي في المهرة، والالتحام بالجهد النضالي لمقاتلي الجيش الوطني والمقاومة في المحافظات الشمالية التي تواجه عدوا مدللاً لم تحرقه الحمم التي ألقاها الطيران السعودي الإماراتي على اليمن طيلة أكثر من خمسة أعوام؛ بقدر ما أحرقت آمال وتطلعات وإمكانيات الشعب اليمني، وعمَّقتْ مأساته وأورثته الفقر والتشرد والهوان.

twitter.com/yaseentamimi68