يبدو
خبر موت رئيس كوريا الشمالية كيم جونغ أون مثيراً وسعيداً ومبشراً لدى العامّة في العالم العربي، وسببه الإسراف في الملذات وليس كورونا. وتقاس صحّة الزعيم الكوري من خلال قطاره، وليس من درجة حرارته، ولا من خلال النظر في عينه، فمن يجرؤ على النظر في عينيه، وقطاره واقف في محطة خاصة بالأسرة الحاكمة؟ وهذا يشبه الاحتشاء القلبي. ونستطيع بآلة القياس السياسية أن نحكم على صحة الرئيس العربي من خلال سجادته الحمراء الموحشة، أو من خلال أبواب المساجد فتحاً وإغلاقاً، أو من خلال أبواب السجون، أو من دعوات مطربين ومصارعين أمريكان يأتون ويغنمون أموالاً تعيش بها بلدان شهرا وسنة، من غير خيل ولا ركاب، ويمضون وهم يسخرون من حماقة ملوكنا، وحماقة الملوك تعني حماقة الشعوب عندهم.
ومعلوم أن الأسرة الجمهورية الحاكمة كلها من الجدّ المؤسس كيم إل سونغ، والأب كيم جونغ إل إلى الحفيد كيم جونغ أون الذي يبلغ السادسة والثلاثين، يفضّلون السفر بالقطار، ويبدو أنهم يخافون السفر بالطائرات. ونستطيع أن ندرك سبب حرص الزعيم على مرحاضه الخاص، وهذا شائع لدى الرؤساء، ففضلاتهم آثار قومية يخشى من تحليلها وقياس صحة الزعيم التي يجب أن تظل سراً من أسرار الدولة.
وظهر أن بومبيو نفسه كان سعيداً بمعرفة أخت الزعيم الغامض، وزفَّ لنا خبر معرفته
بخليفة الرئيس الكوري وهي شقيقته، وهي الأوفر حظاً في الخلافة على المنصب. ويذكر المنشقّ الكوري كين ايون أنَّ الشعب الكوري يفضِّل الذكور وحظ الشقيقة قليل في الخلافة، وإن انتخبتْها اللجنة المركزية.
وتُذكر عمّة الزعيم كيم كيونغ كواحدة من المرشحين لزعامة
كوريا، لكن محللين يقولون إن العمّة التي أُعدم زوجها جانغ سونغ- تايك في عام 2013 بتهمتي الخيانة والفساد، لا تبدو مرشحة لخلافة ابن أخيها، وربما كانت هي التي وشتْ به، لكن ثمة ما يشوب سيرتها إذا علمنا أنها لم تحسن تربية ابنتها الوحيدة جانغ كوم- سونغ، وطنياً، فقد تمرّدتْ على العائلة أثناء دراستها في فرنسا، قبل أن يُعلن انتحارها "رسمياً" عام 2006. لقد لحقت بأبيها المسكين.
ولها عيب ثانٍ هو إدمانها على الكحول، وكانت غائبة عن الأضواء قبل خروجها علناً في كانون الثاني/ يناير الماضي في احتفال بوجود الزعيم الكوري الشمالي. أما شقيقه الأكبر عازف الغيتار، فيفضِّل الموسيقا على السياسة، وفقاً للمنشق عن النظام، السفير الكوري الشمالي السابق في بريطانيا، ثاي يونغ- هو.
وسبق للزعيم الكوري أن تخلّص من أخيه غير الشقيق، كيم جونغ- نام في ماليزيا عام 2017، فجعل نام ينام إلى الأبد، خوفاً منه. كما ترون، هي عائلة رائعة ومثالية، لأن التقارير لا تذكر الخالة والجدة وابن الأخ وابن الأخت وبقية القبيلة.
لكني وجدت صحفياً فلسطيناً حزيناً لهذا الخبر، وأظن أن إعلام الطغاة كلهم حزين للخبر، وذكر له أهم فضائله، وهو أنه رئيس دولة نووية، وهو يشبه قولنا إنه طالب شاطر في مادة الفيزياء وحدها وساقط في كل المواد، وينكّل بجميع الطلاب والمدرّسين، ويسرق طعامهم. فقد تسبب نظامه بمجاعة تشبه مجاعة الصين التي استمرت عشر سنوات، والتي قادها ماو تسي تونغ الذي قتل جميع العصافير. هل هناك علامة على القسوة أكثر من إبادة العصافير؟ يُظن أن الدود التقدمي سعد بمجزرة العصافير، والتهم المحاصيل، وتسبب بالمجاعة، وكان يشكر ماو تسي تونغ بعد كل وجبة، ويدعو له بطول العمر!
لم يذكر الصحفي الفلسطيني، وأول حرف من اسمه هو عبد الباري، إعجابه بقصة شعره، وألمح إلى أنه دكتاتور. وهذا أمر معتاد، وشائع، لكنه وجّه صفعة إلى الولايات المتحدة، وهذا يكفي لكي ينال المجد كله. وأشاد بإيران المحاصرة مثل كوريا.. ولم يعرف العالم دولة مثل كوريا في
الاستبداد، وتردّي حقوق الإنسان، فالشعب كله يبكي على الزعيم حياً وميتاً، يبكي سعيداً بلقائه ويبكي حزيناً بموته، وقد مضى على خبر موته أيام، ولا يعرف أحد حقيقة الخبر،
وليس لدينا سوى القطار لقياس حرارته، وبعض الإشاعات.
وذكر الصحفي الفلسطيني أنه بدين، وأن عنده وزن زائد، ولم يعقّب على هذا الأمر، فهو يُشكر على أنه لم يعتبر الوزن الزائد علامة على الوطنية الزائدة. وذكر عيباً آخر وهو أنه يدخّن، وقال في تسويغ ذلك إن الزعيم يدخّن لأنه يتابع مصير أمّة عظيمة، وتجلو همومه بالتدخين حسب القول الشائع: دخّن عليها تنجلي. وعلمنا من خلال تحليله أن التدخين علامة على الوطنية، وتذكّر الصحفي الملك حسين الذي كان يدخّن بشراهة، وذكر أنه التقاه، تباهيا بلقاء الملك، والتدخين علامة وطنية مسجلة.
العلامة الثالثة هي النكاية بالولايات المتحدة، ولم نعرف أحدا من الزعماء العرب سوى القذافي الذي كان يسبّها ظاهراً ويعمل بأمرها باطناً.
وتذكّر متذكرون الرئيس السوري حافظ الأسد الذي استورد من بلاد كوريا طلائع البعث، وبين كوريا وسوريا حرف واحد، وبثّ تلفزيونه الرسمي خبر جنازة كيم جونغ إل طويلاً، وأسلوب بكاء شعبه عليه، تدريباً للشعب السوري على البكاء على موت رئيسه إن لحقَ بالرئيس الكوري الأب. ويقال إن حافظ أسد بقي ميتاً عشرين يوماً دون أن يجرؤ أحد على إعلان موته، وقيل أسبوع. والذي ذكر خبر الموت هو مروان شيخو وكان يرتجف مثل المذيعة الكورية ري تشون هي.
وتذكّر متذكّرون رواية البطريرك في خريفه الذي اختلقَ خبر موته في الرواية، ليختبرَ شعبه، ويعرف الحزين من السعيد. وذكرت أخبار أن فريق الأطباء الذي قام بإجراء عملية جراحية للزعيم المريض في قلبه خلطوا بين الشرايين، فارتكبوا خطأ أدى لقتل الزعيم، وأن الصين أرسلت فريقاً طبيّاً لإنقاذه، لكنه وصل متأخراً، فالهدف دخل المرمى، وانتهى الوقت المستقطع. الرعب غير منتَج، لكن ثمة من يريد أن يقول إنه منتَج. وقد أثنى الصحفي المعروف عبد الباري على الزعيم بعد أن هنأنا برمضان، وذكر أنه حزين عليه، ولكنه يظن أنها إشاعة و بشّرنا أن أخته حديدية وأقوى منه.
يحذّر مساعد وزير الخارجية الأمركي لشؤون منطقة شرق آسيا والمحيط الهادئ السابق، داني راسل، من تصديق الشائعات. وهي طريقة جيدة لاستحصال انتصار مجاني كاذب على الخصوم. ولم يكن خبر مرض حافظ الأسد في الثالث عشر من تشرين الثاني/ نوفمبر 1983 كذباً، ولم تشهد سوريا حدثاً سعيداً مثل ذلك الحدث قط، وعدَّ شفاؤه من المرض حدثاً يشبه قيامة المسيح أو بعث العزير من موته لدى أنصاره!
ويُخشى أن ينهض كيم جونغ أون صاحب القطار وأن يقول لنا: فاتكم القطار.
twitter.com/OmarImaromar