حاولت غالبية الأنظمة العربية إثبات أنها أنظمة مختلفة وذات خصوصية مميزة على المستوى العالمي، عبر إنكار حصول أي إصابات بفيروس
كورونا بين الشعوب التي يحكمونها، لعل ذلك يسجل في سجل ما تزعمه من إنجازات "تنموية وعسكرية وسياسية"، لكن هل فعلا ستكون الشعوب العربية بخير بمجرد نكران مستبديها؟
اللافت في قضية كورونا والنكران العربي، وخاصة الأنظمة العسكرية، أن الدول التي جاء رعاياها من بعض البلدان العربية، وخاصة
مصر و
سوريا، أعلنت إصابتهم بفيروس كورونا، كما أن تقارير دولية وجهات موثوقة تحدثت عن وقائع مرعبة حول تفشي الفيروس، وتعامل أجهزة تلك الأنظمة مع الإصابات أو حتى المشتبه بإصابتهم، وتحدثت التقارير عن عمليات إعدام ممنهجة تجري بحق حاملي الفيروس، وكأن الاعتراف بوجود هذا الوباء، الذي وصفته منظمة الصحة العالمية بأنه جائحة عالمية، سيقلل من هيبة تلك الأنظمة، ويقطع سيرورة إنجازاتها المذهلة!
وفي الواقع، أكدت أزمة كورونا حقيقة أن الأنظمة
الاستبدادية تتعامل مع الكوارث والجوائح على اعتبار أنها ملف استخباراتي، ويجب احتكار وحصر المعلومات حوله ضمن دوائر صغيرة، لاعتقادها أن توفير المعلومات حول هذه الجائحة، بما فيها أعداد المصابين، ومناطق انتشار الوباء في البلد، من شأنه الإضرار بأمن السلطة الحاكمة، والتأثير على قدرتها على السيطرة وضبط الأمن في البلد.
وتثبت تجربة الدول الديمقراطية عدم صحة هذه التقديرات، إذ من الأفضل لمواجهة هذه الجائحة، تنوير قطاعات الشعب المختلفة، ومشاركتها المعطيات المتوفرة، ومشاركتها في القرارات التي ستتخذها الجهات العليا، باعتبارها مصلحة عامة للجميع، كذلك تنحي السياسي، ليعطي مقود إدارة الأزمة للعالم والطبيب والاختصاصي. فالوقت ليس وقت الخوف من الشعب، بل الخوف عليه، وليس وقت إخفاء المعلومات، بل نشرها، أقله ليتمكن الشعب من اتخاذ الاحتياطات اللازمة، ويتحمل مسؤوليته في مواجهة الجائحة.
لكن منذ متى تثق الأنطمة الاستبدادية بقدرة الشعوب والعلماء والاختصاصيين على تحمل المسؤولية؟ لا تثق هذه الأنظمة إلا بأجهزتها الأمنية والعسكرية، ودائما ما تكون النتائج مدمّرة، والشعوب في النهاية هي من يدفع أثمانها الباهظة.
أيضا ليس الوقت وقت تقييم ديمقراطية الأنظمة العربية، لا أحد يملك رفاهية الحديث عنها وسط هذا الواقع المأزوم، لكن من حق الشعوب العربية معرفة كيف ستعمل هذه الأنظمة على إنقاذها من هذه الجائحة، وخاصة أن المبادرة في مواجهة هذا الوباء هي بيد الدول التي يقع عليها عبء إدارة أزمة بهذا الحجم، وتوفير الأدوات المناسبة للخروج من هذا الوضع بأقل الخسائر.
لا ملامة على الشعوب العربية إن أبدت تخوفها، بل ورعبها، من القادم، لإدراكها أن أنظمة حكمها
مجهَزة بأدوات قمع التظاهرات والتعذيب في السجون أكثر مما هي مجهزة لأي طارئ صحي، إذ تمتلك الأنظمة العربية أحدث وسائل التجسس على شعوبها، وأحدث أجهزة التعذيب، حتى الموت، لاستنطاق محكوميها وإجبارهم على الإدلاء بشهادات تمليها عليهم الأجهزة الاستخباراتية والشرطية، كما دفعت مبالغ طائلة من ميزانياتها لتدريب أطقمها الأمنية على التعامل مع أي مظهر من مظاهر الاعتراض والاحتجاج ضد سياساتها.
أما الوضع الصحي والكوارث عموما، فهي آخر همّ هذه الأنظمة، وليس سرا أن أنظمة الرعاية الصحية في غالبية البلدان العربية، بائسة ومتخلفة، وفاشلة حتى في التعامل مع
حالات المرض العادية. وتوصف المشافي الحكومية في غالبية البلدان العربية بـ"المسالخ" كناية عن بؤسها ومخاطر اللجوء إليها، فهل تتحمل الأنظمة الصحية في هذه البلدان ضغط الجائحة، أليست هي في حالة انهيار حتى قبل ان تتعرض لهذا الاختبار القاسي؟
الأهم من ذلك، لم تطرح أغلب الدول العربية استراتيجيات محدّدة للتعامل مع هذه الجائحة العربية، وكل ما تم الإعلان عنه مجرد
إجراءات خاصة بالعزل، لكن ماذا بخصوص مستتبعات العزل؟ وكيف سيتم دعم الفئات الضعيفة والفقيرة، وتعويض الخسائر على المستويات الوطنية؟ وماذا عن الفئات التي تعمل بالمياومة، وهم الكتلة الأكبر في غالبية البلدان العربية، ويعيشون على ما يتحصلون عليه كل يوم بيومه، وكذلك كبار السن؟ ألا يحتاج هؤلاء جميعهم، الذين يشكلون نسبة معتبرة من السكان، وضع استراتيجية إسعافية لإنقاذهم؟
ليس الهدف تخويف الشعوب العربية من هذه الجائحة، لكن المؤكد أن أضرارها ستكون الأكبر على مستوى العالم في ديارنا العربية، أمام هذه المعطيات الصحية البائسة، ولن يكون للشعوب العربية سوى انتظار أوروبا وأمريكا اكتشاف علاج لهذا الوباء، أو يقضي الله أمرا كان مفعولا.