سياسة عربية

رحيل شحرور يشعل سجالات ساخنة بين مريديه ومبغضيه

محمد شحرور

بعد وفاة الكاتب والباحث السوري، الدكتور محمد شحرور مساء السبت الماضي في العاصمة الإماراتية أبو ظبي، ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بالحديث عنه، بين من أبدى فرحه بموته، وتخليص الأمة من شروره ومفاسده الفكرية، بحسب مبغضيه، وبين مترحم عليه وداع له، ومشيد بفكره وبمشروعه التجديدي كما يراه محبوه.

ومع أن الدكتور محمد شحرور ليس متخصصا في الشريعة الإسلامية وعلومها، إلا أنه اقتحم ميدان الدراسات القرآنية والإسلامية، وقدم جملة من الدراسات والبحوث أثارت جدلا واسعا في حياته، ففي الوقت الذي يصفه مريدوه بالباحث المتميز، والناقد العميق للتراث ومقولاته، والمؤسس لرؤى جديدة ومغايرة، يصر معارضوه على وصفه بـ"المنحرف الضال الزنديق، الذي يروم هدم الإسلام وتعاليمه من داخله".

 

اقرأ أيضا: تونس.. ما هو سر غياب الإسلاميين عن العمل النقابي؟

نستعرض في هذا التقرير أقوال وآراء مؤيدي شحرور، بتوضيح معالم مشروعه الفكري، وعرض أهم وأبرز القضايا والموضوعات التي تناولها في دراساته وبحوثه، بمنهجية فارق بها تقريرات وأصول المنهجية الأصولية والعقدية والفقهية المتبناة في المذاهب الإسلامية المقررة والسائدة، ومن ثم أقوال وآراء رافضي مشروعه، بتقريرهم لوجوه انحرافاته الدينية والفكرية التي يرونها تصل إلى درجة الضلال والزندقة.

أنسنة الظاهرة الدينية

ووفقا لمحبي شحرور ومتابعيه فإنه جاء بمشروع تجديدي، يروم تفكيك المفاهيم والتعاليم الدينية السائدة، وإعادة قراءة تلك المفاهيم بمنهجية جديدة، إذ يقوم مشروعه بحسب الكاتب والأكاديمي الأردني، الدكتور موسى برهومة "على إعادة قراءة التراث الديني في الإسلام قراءة حضارية جديدة تضع هذا التراث بكل حمولاته من النصوص المقدسة في ضوء التحليل والتأويل الذي يؤنسن الظاهرة الدينية، ويعيد الاعتبار إلى مكوناتها، وظروف تشكّلها وسياقاتها".

وأضاف "وهذا أمر أغفلته غالبية الدراسات التي تناولت هذا الموضوع، ولمع فيه قلة من الباحثين والمفكرين العرب والمسلمين أمثال محمد أركون، وحسن حنفي، ونصر حامد أبو زيد، وعبد الكريم سورش، وفريد إسحاق، وقليل سواهم".

وتابع برهومة حديثه لـ"عربي21" موضحا أنه "بدافع من المنهج التفكيكي والتحليلي واللغوي الذي استخدمه شحرور في مشروعه النقدي، اصطدم مع ما يُعتبر في العقل الديني السلفي ثوابت ومسلمات، لهذا جرت شيطنته؛ لأنّ العقل الديني لا يساوم على ذلك، ويعتبر أنّ من ينحو هذا المنحى هو بالضرورة فاسق وهادم للدين، وبالتالي خارج نطاق الشريعة".

وعن أبرز وأهم القضايا التي بحثها شحرور وأعاد القول فيها لفت برهومة إلى أن "شحرور في كتابه التأسيسي الأول "الكتاب والقرآن" نقض مفهوم الجبرية، ووضع مفاهيم جديدة عن كيفية كتابة الله للأعمار والأرزاق والأعمال وأنها غير مكتوبة سلفا، واعتمد المنهج اللغوي في تحديد معاني الألفاظ، والترادف في اللغة، كما حدد المعاني الدقيقة لمصطلحات الإسلام المهمة مثل (الكتاب) و (القرآن) التي فُهم في سياق الوحي أنهما مترادفان لبعضهما البعض وبالتالي خضع تفسير القرآن لهذا المنهج".

وأردف "وتوصل شحرور في غضون ذلك إلى أن الفهم السائد للإسلام يتعارض بوضوح مع المضمون الحقيقي للوحي الإلهي، ومما جلب الاعتراضات أيضا على شحرور، التي رافقته حتى مماته، قوله بأنّ السنة النبوية ليست مصدرا للتشريع؛ لأن الرسول بشر، وأن القرآن وحده يحتوي على الحقيقة الإلهية المطلقة التي لا يمكن للبشر أن يفهموها إلا في سياقها النسبي".

كما نظر شحرور في نظرية الحدود، وجعلها بحسب برهومة، متماشية مع الروح الإنسانية ومع الإيقاع الحضاري، إذ يرى أنّ عالمية الرسالة المحمدية تظهر من خلال نظرية الحدود، كما تظهر كذلك من خلال القيم الإنسانية التي جاءت بها، والتي تعبر عن المرجعية الأخلاقية العالمية لأنها تضم القيم الإنسانية العالمية التي يتفق عليها جميع الناس، وقد تم التعبير عنها في التنزيل الحكيم بالمحرمات التي تم إغلاقها وحصرها وتعدادها وجعلها خاصة بالله دون سواه".

وذكر برهومة أن "لشحرور جملة من الآراء الصادمة كذلك بخصوص الجهاد وشروطه، والعذاب، وتعدد الزوجات، والزنا، وشرب الخمر، التي أثارت جدلا واسعا من خلال آرائه، والتي رجّت الساكن في العقل الديني" وفق وصفه.

قراءة معاصرة للقرآن

في السياق ذاته رأى المدون والناشط الجزائري المهتم بالفكر الإسلامي، عمار دريد أن "الدكتور محمد شحرور ساهم على مدى خمسين عاما في بناء منهج متكامل لفهم القرآن الكريم تحت اسم القراءة المعاصرة للتنزيل الحكيم، بما يتناسب مع الأرضية المعرفية المعاصرة، ومع ما وصل إليه العقل البشري من تطور ثقافي وعلمي، مقتنعا أن الكثير من المسلمين لم تعد تقنعهم التفسيرات القديمة التي بنيت على سطح معرفي بسيط يناسب السقف المعرفي لتلك الأزمنة البعيدة".

وعن مدى تأثره بأطروحات شحرور ذكر دريد أنه "تعلم منه عدة أشياء غيرت من مفاهيمه عن الإسلام، فهو أول من قدم تعريفا شافيا للإسلام ينسجم مع عالمية الخطاب القرآني ورحمته، بعيدا عن التعريف التقليدي المعروف بني الإسلام على خمس، وقدم كذلك تفسيرا إنسانيا وعقلانيا جديدا لآيات القتال في سورة التوبة، وسورة الأنفال، وخصص لهما فصلا كاملا من كتاب تجفيف منابع الإرهاب".

وواصل حديثه لـ"عربي21" بالقول "لقد كان أول من قال إن كلمة الحجاب وردت في القرآن في ثمان مواضع، لا علاقة لها كلها بغطاء الرأس للمرأة، وبالتالي فإن مفهوم الحجاب مفهوم اجتماعي جاء مع الإسلام العباسي، وتعزز مع الإسلام العثماني، ولا علاقة له أبدا بالقرآن" على حد قوله.

وأشاد دريد بما قاله شحرور "الحرام محدد والحلال مفتوح، والحرام حدده الله في القرآن وعدد المحرمات 14 محرما لا تزيد ولا تنقص، وهي تتناسب مع أغلب الشرائع الأرضية والقوانين والديانات في الأرض، وهو من قال إن سلطة التحريم هي لله وحده، وسلطة المنع والنهي للرسول، وللسلطات التشريعية المدنية".

وامتدح دريد تفسير شحرور للآية الثالثة من سورة النساء (وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب..) إذ إنه هو الذي ربط تعدد الزوجات في حالة واحدة فقط هي الخوف من العدل بين اليتامى، وأن الأمر ليس مفتوحا كما فتحه الفقهاء في العصر العباسي فدمروا الأسرة في الإسلام لصالح الشهوات الذكورية التي لا تنتهي".

ولفت إلى أن "شحرور هو أول من فسر آيات الإرث في الإسلام، وقال إن الوصية وردت في القرآن في خمس آيات أُلغيت كلها لصالح حديث غير مسند هو (لا وصية لوارث)، وهذا ما يخالف الفطرة الإنسانية وتعاليم القرآن". مضيفا "تعلمت من شحرور أن مفاهيم مثل: الشرف والأخلاق والقيم والمبادئ والعادات والتقاليد لم يرد ذكرها في القرآن لأنها مفاهيم اجتماعية عربية تختلف من زمن لآخر ومن مجتمع لآخر، والقرآن جاء أبديا لكل زمان ولكل شعوب الأرض، فلا يمكنه التحدث بما هو عابر ومتغير".

ووجه دريد شكره "لأبو ظبي لأنها كانت السباقة إلى احتضانه، واحتضان فكره، وكرمته بجائزة الشيخ زايد للكتاب عن كتابه "الإسلام والحياة"، وكرمته كذلك في برنامج "لعلهم يعقلون"، في الوقت الذي حاربته كل القوى والمنصات الإسلامية التقليدية".


مشروع هدم وتحريف


من جهته وصف الأكاديمي والباحث الشرعي السوري، الدكتور علي محمد زينو "مشروع شحرور بأنه مشروع تيار كبير من المفتونين بحضارة الغرب أو الشرق، الشاعرين بعقدة النقص من الإسلام، ويسعون إلى تجريد الإسلام من أحكامه وتعاليمه ولا يبقون منه إلا اسمه".

ورأى زينو أن "التجديد لا يجتمع مع النقض، إذ لا يمكن أن يكون الشيء ونقيضه تماما هو مراد الله تعالى من القرآن والأحكام الشرعية، فإن كانت طروحات شحرور هدى وصوابا فهذا يعني أن الأمة جميعها ضلّت بضعة عشر قرنا، واعتقاد ضلال الأمة بهذا الشكل يتعارض مع أصل البعثة النبوية، وأصل إنزال القرآن الكريم".

وردا على سؤال "عربي21" حول أسباب تعلق بعض الناس بأفكار شحرور ومتابعته عليها، قال زينو "هذا أمر طبيعي، فبعض الناس يبحثون للأسف عمن يحقق لهم رغبات التحلل من الدين وأحكامه تحت شعار بقاء الانتساب الاسمي إليه، وتحت عناوين التجديد وغير ذلك من العناوين التي اتبع بعض الناس تحت ستارها الكثير من الملل والفِرق المنحرفة انحرافا يصل إلى نقض الإيمان بالإسلام من أساسه".

التجديد لا يكون بالطعن والتشكيك

بدوره استغرب الباحث الشرعي الأردني، المهتم بتراث أئمة التجديد، صالح السهيل "وصف محمد شحرور بالمجدد مع أنه لا يمتلك الحد الأدنى من المؤهلات والمقومات اللغوية والشرعية التي تؤهله لممارسة هذه المهمة".

ووصف السهيل في تصريحاته لـ"عربي21" أفكار شحرور وأطروحاته بأنها "تصب في خانة التشكيك بالثوابت الدينية، والطعن في التعاليم والأحكام الشرعية القطعية" منوها بأنه "حين ظهوره في الثمانينات آثر العلماء عدم الرد عليه، أو الالتفات إلى أطروحاته لأنهم رأوها خاوية ومتهافتة".

وتساءل السهيل: كيف يمكن اعتبار ما جاء به شحرور تجديدا، أو أنه امتداد لمدرسة أئمة التجديد كالشيخ محمد عبده، ورشيد رضا، ومحمود شلتوت، وهو الذي ينكر أحكاما شرعية ثابتة ومقررة كرأيه في الزنا وشرب الخمر ومعنى الصيام؟ وهذه الأحكام لم يكن يخطر ببال أحد من أئمة التجديد التشكيك أو الطعن بها بذريعة التجديد"؟

وشدد في ختام حديثه على أن "التجديد الذي دعا إليه الإسلام، وعمل به أئمة التجديد إنما يكون في دائرة تعظيم الشريعة، والتقيد التام بأحكامها الثابتة، وعدم الخروج عن ثوابت الدين وقطعيات الشريعة، وليس بهدم أحكامها، وتفكيك تعاليمها تحت عنوان التجديد والقراءات المعاصرة".