هاجمت الكاتبة المعارضة، مضاوي الرشيد، في مقال لها في موقع "ميدل أيست أي" البريطاني، ما أسمتها "مملكة الصمت"، مشيرة في الوقت ذاته إلى أن الصمت ذاته غير مسموح به في السعودية.
وانتقدت بشكل حاد في مقالها الذي ترجمته "عربي21"، مراقبة السلطات السعودية للمواطنين السعوديين على مواقع التواصل الاجتماعي، مهاجمة "قمع النظام السعودي".
وأشارت إلى أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان يريد تدشين عهد جديد من التواصل في السوشال ميديا.
وقالت: "يريد ابن سلمان رصد المخالفين والقبض على المعارضين، وتقويض ما يمارسه السعوديون في الخارج من نشاطات، حيث يتم رصد الطلاب والأكاديميين والنشطاء في وسائل التواص الاجتماعي وتجري مراقبتهم عن كثب ثم تقوم القنصليات المحلية بإرسال الملفات المعدة عنهم إلى الرياض".
وتاليا النص الكامل للمقال كما ترجمته "عربي21":
تسمح وسائل التواصل الاجتماعي (السوشال ميديا) للنظام التعرف على الأصوات المخالفة والقبض على أصحابها وعلى دفع المواطنين نحو الإشادة بسياسات الدولة
أدانت حكومة الولايات المتحدة اثنين من الموظفين السابقين في تويتر بالتجسس لصالح المملكة العربية السعودية بعد قيامهما كما يُزعم باختراق البيانات الشخصية لأكثر من ستة آلاف حساب على تويتر، بما في ذلك حساب معارض بارز أصبح فيما بعد مقرباً من الصحفي جمال خاشقجي.
يُزعم أن الموظفين الاثنين جُندا من قبل عملاء سعوديين أغدقوا عليهما عشرات الآلاف من الدولارات والهدايا الثمينة، ويقال إن المهمة التي كلفا بها تمثلت في تمرير المعلومات حول معارضي النظام لبدر العساكر المقرب من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
قد يكون بدر العساكر الآن جاثماً داخل مكتب ولي العهد يفكر بطريقة تمكنه من احتواء الفضيحة الأخيرة وتحسين صورة المملكة وتقديمها على أنها ملاذ آمن للسياحة والرحلات التراثية.
بعد هذه الحلقة الأخيرة من مسلسل الفضائح، تهاوى طاغوت تويتر تارة أخرى من برجه العاجي بعد انكشاف عملائه ومبعوثيه المنتشرين حول العالم.
نشاط السوشال ميديا
إلا أن النظام السعودي القمعي لم يبادر بعد إلى حظر تويتر وغيره من وسائل التواصل الاجتماعي، وذلك لأسباب عدة. يرغب محمد بن سلمان في تدشين عهد جديد من التواصل عبر السوشال ميديا، بما يسمح له بإطلاق حملات دعائية مصاحبة للكثير مما يطلق عليه إصلاحات، ويعلم يقيناً أن الشباب السعودي منغمس في نشاط السوشال ميديا، حيث يعبرون عن تطلعاتهم من خلال هذه المواقع كما يعبرون عن انتقاداتهم للنظام.
حينما ارتقى محمد بن سلمان إلى منصب ولي العهد في عام 2017، كان الشباب السعودي من بين أكثر الشباب حول العالم نشاطاً عبر السوشال ميديا، يلجأون إلى الإنترنيت ليعلنوا مقاومتهم ويعبروا عن تظلمهم ويطالبوا النظام بالوفاء بالكثير من تعهداته بتحسين أوضاعهم المعيشية.
ومن خلال مطالبتهم بتوفير مساكن ووظائف، كشف الشباب السعودي عن التصدعات الذي تعتري الخطاب الدعائي الرسمي للنظام.
ومؤخراً سخر الشباب بشعار محمد بن سلمان الذي يقول "السعودية عظيمة" من خلال الإشارة إلى أن ذلك الشعار مجرد دعاية لا قبل لها بستر التصدعات التي يعاني منها النظام – وبشكل خاص فيما يتعلق باعتقال وتعذيب سجناء الرأي.
أطلق النشطاء الذين يعيشون في المنفى في الولايات المتحدة هاشتاغ مقابل بهدف كشف زيف هذه العظمة الزائفة، والتي لا يشعر بها ملايين السعوديين.
كما أطلق الشباب السعودي العاطل عن العمل هاشتاغ خاص بهم عنوانه "منتدى السعوديين العاطلين عن العمل" لتسليط الضوء على الطموحات المدفونة لجيل متعلم لم يتمكن حتى الآن من إيجاد فرص عمل بموجب رؤية 2030، خطة ولي العهد الذي لمشروع يعد بإحداث عملية إحياء وطني.
لقد قام الشباب السعودي فعلياً بإنشاء برلمان خاص بهم عبر تويتر حيث يناقشون همومهم ويتبادلون الرأي بشأنها. ولكن مع الأسف تمت مصادرة ذلك البرلمان من قبل ولي العهد الذي حوله إلى آلة دعائية لتمرير أكاذيبه وأوهامه.
مراقبة ورصد المعارضة والاختلاف
لم يفتأ حواريو محمد بن سلمان يبذلون كل ما في وسعهم لمواجهة مقاومة الشباب السعودي عبر الإنترنيت، وهي المقاومة التي ما لبثت أن ألجئت إلى الهجرة إلى الشتات.
وبينما شدد ولي العهد قبضته على السوشال ميديا وجند جيشاً إلكترونياً لنشر أكاذيبه ورصد الأصوات المخالفة وإنزال أشد العقوبة بها، اتخذ المنفيون في الشتات زمام المبادرة وتسلموا راية النضال من نظرائهم داخل البلاد.
يستخدم ولي العهد تويتر لرصد المخالفين والقبض على المعارضين، وتقويض ما يمارسه السعوديون في الخارج من نشاطات، حيث يتم رصد الطلاب والأكاديميين والنشطاء في وسائل التواص الاجتماعي وتجري مراقبتهم عن كثب ثم تقوم القنصليات المحلية بإرسال الملفات المعدة عنهم إلى الرياض. وكثيراً ما يبلغ موظفو القنصليات الأشخاص الذين ينتقدون النظام بأنه لن يمكنهم تجديد جوازات سفرهم إلا إذا عادوا إلى بلدهم.
في مقابلات أجريتها معهما، أخبرني كل من عبدالله العودة، نجل الشيخ المعتقل سلمان العودة، والناشط عمر الزهراني أنهما يواجهان احتمال تعليق منحهما الدراسية ورفض تجديد جوازات سفرهما. ويذكر أنهما كلاهما تقدما بطلب لجوء سياسي ومنحا حق الإقامة في الولايات المتحدة وكندا على الترتيب.
هناك سعوديون آخرون ممن علقوا في كندا وأوروبا وأستراليا لأن جوازات سفرهم انتهت صلاحيتها ولم تتخذ البلدان التي يقيمون فيها قراراً بعد بمنحهم اللجوء أو الإقامة.
إنهم الشتات السعودي الجديد. كان جواسيس النظام داخل تويتر جزءاً من الآلة التي تعد التقارير حول هؤلاء المنفيين وتقوم بإلحاق الأذى بهم، وخاصة النشطاء وأصحاب الأصوات المرتفعة منهم مثل الزهراني، والذي أصبح أيقونة للمقاومة عبر وسائل الإعلام.
مازال التويتر شغالاً داخل المملكة العربية السعودية لمساعدة النظام في تقييم المزاج الشعبي ولمساندة ولي العهد في الترويج لنفسه وعهده. في بلد تكتم فيه الأنفاس ويحظر فيه التعبير بحرية عما يجول في الخاطر وحيث لا يسمح بأي عمل سياسي منظم، ثمة صوت واحد فقط لا غير، إنه صوت آلة الدعاية التابعة للنظام. ومع ذلك يرغب النظام في معرفة ما الذي يفكر به السعوديون، وكيف يتفاعلون مع ما تخوضه الدولة من مغامرات متعددة داخل البلاد وخارجها.
قائمة بأسماء من تراقبهم الرياض
أثبت تويتر أنه وسيلة تنصت جيدة، ليس فقط للإمساك بالمعارضين ومن ثم معاقبتهم ولكن أيضاً لمعرفة من يكيلون المديح للنظام، حتى يتسنى إجزال العطاء لهم. وبات الصمت بحد ذاته جريمة، بعد أن أصبح متوقعاً من السعوديين الآن الانضباط بما يقرره لهم ولي العهد، حيث أن من يخفقون في ذلك قد يجدون أسماءهم مشمولة ضمن قوائم من يوضعون تحت المراقبة خشية أن يتحولوا إلى نقاد ومعارضين.
في مملكة الصمت، حتى الصمت بات ممنوعاً. وتلك هي الحكاية المأساوية للشيخ سلمان العودة الذي حافظ على صمته إزاء الخلاف الذي نشب بين الرياض والدوحة، ولم ينطق سوى مرة واحدة حينما دعا الله أن يوحد المسلمين ويلم شملهم، في إيماءة منه إلى المصالحة مع قطر.
ألقي القبض على سلمان العودة في عام 2017 ومازال ينتظر المحاكمة أمام محكمة تخضع بالكامل لولي العهد.
فيما لو طمح ولي العهد يوماً في تحسين صورته فإن تحديات حقيقية تقف له بالمرصاد، وذلك أن صورته تلطخت بسبب تحميله المسؤولية عن انتهاك أهم وأعرق الأعراف الدولية المتعلقة بسيادة السفارات وانتهاك حرمة الصحفيين العاملين في الخارج، على إثر جريمة قتل وتقطيع جثة جمال خاشقجي، ناهيك عن قتل آلاف اليمنيين في حرب ضروس ما لبثت نيرانها مشتعلة منذ خمسة أعوام فدمرت البلاد وأتت فيها على الأخضر واليابس.
ينبغي كخطوة أولى نحو تحقيق العدالة إطلاق سراح من يقبعون في السجون من علماء دين وشعراء ونشطاء حقوقيين وزعماء قبليين ومهنيين وغيرهم. ومع ذلك، ما من شك في أن سمعة ولي العهد قد تشوهت إلى الحد الذي لم يعد ممكناً معه إصلاح شيء منها.
(عن موقع "ميدل إيست آي" بريطاني، مترجم خصيصا لـ"عربي21")
كوربين تحت القصف.. حملة بتويتر ضده مدعومة حكوميا
نيوستيمان: كيف أصبحت كراهية الإسلام مقبولة بالإعلام البريطاني؟
أوبورن يحذر من انقسام المعارضة والإسلاموفوبيا بانتخابات بريطانيا