كما هو متوقع، كانت نتيجة الجولة الثانية من الانتخابات الوطنية
لإسرائيل غامضة مثل نتيجة الجولة الأولى التي أجريت في أبريل. خلال الأسابيع
القليلة المقبلة، سينخرط القادة الإسرائيليون في مفاوضات في محاولة لتشكيل حكومة.
والأسباب
بسيطة. كانت نتائج الانتخابات متقاربة وغير حاسمة مع عدم وجود تجمع، لا تجمع
بقيادة رئيس الوزراء نتنياهو ولا آخر بقيادة الجنرال السابق «بيني جانتس»، في وضع
يتيح له الحصول على 61 مقعدا في الكنسيت والتي يحتاجها لتشكيل أغلبية. وبالإضافة
إلى ذلك، هناك حقيقة أن جميع اللاعبين الرئيسيين قد قطعوا، وما زالوا يؤكدون،
تعهدات مبدئية والتي، إذا تم الوفاء بها، ستجعل تشكيل ائتلاف حاكم أمرا مستحيلا.
وبالتالي، إما تكون هناك خيانات للتعهدات أو للشركاء أو لن تكون هناك حكومة جديدة.
وما
يلي هو حالة من اللعب والتعهدات التي قطعتها جميع الجهات الفاعلة المبدئية.
لقد
فاز حزب «أزرق وأبيض» بزعامة جانتس بـ 33 مقعدا. وفاز الحزبان «اليساريان» الآخران
الذي يمكنه الانضمام إليهما بـ 11 مقعدا. وهذا يعطي «جانتس» 44 مقعدا فقط في
المجمل.
وبينما
أضاف معظم المحللين لجانتس بشكل غير صحيح 13 مقعدا حصلت عليها القائمة المشتركة
(المكونة من أربعة أحزاب تمثل الفلسطينيين في إسرائيل)، فإن هذا لن يحدث لسببين.
تعهد جانتس بعدم تشكيل حكومة «تعتمد على العرب»، ومن جانبهم، قالت الأحزاب العربية
إنها بينما لن تصوت ضد حكومة يقودها «جانتس»، لكنها أيضا ستفكر في الانضمام
لائتلاف بشرط أن يلتزم بالمساواة الكاملة للمواطنين العرب في إسرائيل وإنهاء
الاحتلال، وهي شروط يعارضها جانتس عقائديا.
وقد
يسعى «جانتس» أيضا إلى ضم الـ 17 مقعدا التي يشغلها الحزبان الدينيان المتطرفان،
نظرا لأن هذا سيعطيه الـ 61 مقعدا التي يحتاج إليها لتشكيل أغلبية. بيد أن حزب
«أزرق أبيض» ترشح بناء على أجندة علمانية، وسيجد من الصعب تضمين أحزاب دينية والتي
ستطالب الحكومة بالاستمرار في تقديم التمويل لمؤسساتها، ودعم عدد من المحظورات
الدينية التقييدية. وهذا من شأنه أن يضع «جانتس» في خلاف مع الناخبين العلمانيين
الذين يشكلون قاعدة دعمه.
ونظرا
لأن العديد من قيادات «أزرق وأبيض» كانت مرتبطة أصلا بـ«ليكود»، قد يبدو من المنطقي
أن يتحول «جانتس» إلى «ليكود»، الذي فاز بـ 31 مقعدا في هذه الانتخابات، من أجل
تشكيل حكومة وحدة وطنية لليمين، لكن هنا أيضا توجد مشاكل. في الفترة التي سبقت
المفاوضات، حصل زعيم «ليكود» بنيامين نتنياهو على تعهد من شركائه (الحزبان
الدينيان المتطرفان وحزب «يمينا» اليميني القومي) بأنهم سيظلون متحدين ويتفاوضون
كحزب غير قابل للانقسام، تحت زعامة نتنياهو. وإذا صمدت هذه الوحدة، فإنها تستبعد
فعليا أي شراكة مع «جانتس» الذي أصر على أنه لن يشكل حكومة وفقا لشروط نتنياهو
وبالتأكيد ليس مع نتنياهو كرئيس للوزراء. وإذا حافظت المجموعة التي يقودها «ليكود»
على وحدتها، فإن هذا سيتطلب من «جانتس» قبول الأحزاب اليمينية ومطالبها.
والآن،
بينما يمكن لـ«جانتس» المطالبة بحق قيادة الجهود الرامية لتشكيل الحكومة القادمة،
نظرا لأن ائتلاف «أزرق أبيض» فاز بغالبية المقاعد (33)، إلا أن نتنياهو، على الرغم
من فوزه بـ 31 مقعدا فقط، يطالب بذلك نظرا لأنه يدخل الانتخابات بموقف أقوى، حيث
إن قاعدة دعمه أكبر (55 مقعدا في الكنيست – حزبه 31، والأحزاب الدينية 17، واليمين
7)، ويجب أن يكون الشخص الذي يضع الشروط. وهذا، بالطبع، غير وارد بالنسبة لـ«جانتس»،
لأنه استبعد الانضمام إلى حكومة برئاسة نتنياهو ولن يشكل حكومة مع الأحزاب الدينية
ومتطلباتها.
هذا
يبدو غامضا. وهكذا لن يبقى للإسرائيليين سوى إجراء انتخابات ثالثة أو مشاهدة
قادتهم وهو يخونون شركاءهم وتعهداتهم.
قد
يختار 17 من أعضاء ليكود «خيانة» نتنياهو، من خلال الانضمام لحكومة بقيادة
«جانتس». وقد يحدث هذا إذا استمرت المفاوضات بعد أكتوبر المقبل الذي قال النائب
العام إنه سيبدأ فيه الإجراءات التي ستؤدي إلى توجيه الاتهام لنتنياهو بارتكاب
جرائم فساد ورشوة وخيانة الأمانة العامة.
وهناك
أيضا احتمال أن يستطيع نتنياهو إقناع «أفيجادور ليبرمان» بالانضمام مجددا لحكومة
«ليكود»، فالمقاعد الثمانية التي يشغلها حزب «إسرائيل بيتنا» بزعامة ليبرمان،
ستمنح الأحزاب المؤيدة لنتنياهو فرصة زيادة إجمالي ما لديها من مقاعد إلى 63 مقعدا.
لكن هذا سيتطلب من ليبرمان أن ينكث عهده بعدم الانضمام لأي حكومة خاضعة لمطالب
الأحزاب «اليمين». لقد فعل هذا من قبل، وإذا كان «عرض/ رشوة» نتنياهو جيدا بما
يكفي، ربما «يخون» ليبرمان عهده ويفعل ذلك مرة أخرى.
وهناك
سيناريو آخر وهو أن يعلن نتنياهو، الذي يظل رئيسا للوزراء أثناء المفاوضات، حالة
طوارئ وطنية، مثل الحرب في غزة أو على الجبهة الشمالية، وقد يشعر وهو في خضم
الأزمة أنه في وضع أقوى للحصول على تنازلات من «جانتس» أو ليبرمان.
وهناك
إمكانية أقل احتمالا بأن يتم الإعلان عن «صفقة القرن» التي طال انتظارها بشروط غير
مقبولة للإسرائيليين اليمينيين في معسكري ليبرمان و«جانتس» – وبالتالي السماح
لنتنياهو بالمطالبة بالوحدة الوطنية لتجنب الأزمة التي نشأت بسبب المطالب
الأميركية. وكما قلت، فإن هذا غير وارد حيث إنه من الصعب تخيل أن تتضمن «الصفقة»
أي شروط تثير أزمة في إسرائيل.
وأخيرا،
هناك احتمال قوي بأن تتم إدانة نتنياهو، وإجباره على الإقرار بالذنب وترك الحياة
العامة –أو حتى الذهاب إلى السجن.
وفي
ظل وجود حكومة ائتلافية تضم أحزاب «أزرق أبيض» و«ليكود» –من دون نتنياهو – سيكون
لثالث أكبر تجمع في الكنيست، «القائمة المشتركة»، الحق في المطالبة بقيادة
المعارضة في الكنيست. وهذا من شأنه أن يعطيهم دورا غير مسبوق في المجتمع
الإسرائيلي. وفي محاولة لمنع ذلك، اقترح البعض أن يجمع الحزبان الدينيان مقاعدهما
الـ 17 ويطالبا بالحق في قيادة المعارضة في الكنيست – وبذلك يحرمان العرب من النصر
الذي حصلوا عليه بصعوبة.
ومن
الأهمية الإشارة إلى أنه وسط كل هذه المساومات، لا يوجد ذكر أو اهتمام بحقوق
الفلسطينيين الذين يعيشون في ظل الاحتلال الإسرائيلي. وحقيقة أنه ليس هناك تركيز
يذكر من جانب الغرب على الإنكار المستمر للحقوق الفلسطينية، وهذا هو الخيانة
العظمى.
عن صحيفة الاتحاد الإماراتية