دأب عضو اللجنة الشعبية في بلدة العيسوية شمال شرقي القدس المحتلة، محمد أبو الحمص، على مسابقة الزمن لتوثيق اعتداءات الاحتلال بالصوت والصورة، ليصبح بذلك أحد أهم المصادر الموثوقة لما يجري في البلدة.
وليس بالأمر السهل أن يترك أبو الحمص حياته مع عائلته ليتابع ويوثق ويصوّر؛ ولكنه منذ سنوات لم يحتمل حجم ما تتعرض له قريته من اعتداءات وحملات اعتقال وهدم وعقوبات جماعية، فاستخدم سلاحا وحيدا يملكه وهو النشر بعد التصوير والتوثيق.
ويقول أبو الحمص (53 عاما) لـ"عربي21" إنه تعرض للاعتقال على يد قوات الاحتلال حوالي 50 مرة أمضى في إحداها سبعة أعوام كاملة، والتهمة دائما هي توثيق اعتداءات الجنود والتصدي لهم والدفاع عن القرية.
ويوضح أنه تعرض للإبعاد عن العيسوية عدة مرات كانت أطولها لمدة ثلاثة أشهر وعشرة أيام، حيث يتم منعه من دخول قريته التي فيها منزله وعائلته ويُجبر على أن يمضي هذه الفترة في مكان آخر داخل القدس أو خارجها، كما أنه كان يتعرض للتوقيف لساعات عشرات المرات.
ويضيف:" قبل أسبوع تقريبا تمت مداهمة منزلي في القرية في ساعات الفجر وتفتيشه بوحشية ثم قال لي أحد الجنود: أنت رهن الاعتقال. قاموا بتقييدي واقتيادي إلى إحدى آلياتهم العسكرية ومن ثم لمركز التحقيق وهناك اتهموني بإعاقة عمل الجنود بسبب توثيقي لما يحدث في القرية ودفاعي عنها ومتابعة أمور المعتقلين منها، وبعد ثلاثة أيام من الاعتقال تم الإفراج عني مع أمر بالإبعاد عن العيسوية لمدة 19 يوما".
وبعد تسلمه القرار رفض أبو الحمص أن يأوي إلى منزل آخر خارج قريته وآثر أن ينصب خيمة اعتصام على مدخلها في محاولة لجذب الأنظار إلى حال المقدسيين تحت الاحتلال وإلى سياسة العقاب الجماعي التي يتبعها بحقهم عبر أشكال متعددة.
اقرأ أيضا: هل يطبّق الاحتلال خطة تقسيم المسجد الأقصى؟
ويبين أن سياسة الإبعاد بحقه جائرة كما هي بحق أي مواطن مقدسي، وأن الهدف من ذلك هو كسر إرادة المقدسيين والتأثير عليهم ضمن معركة صمودهم في وجه الاحتلال، وكأنه يقول لهم إن من يتحرك يتم قمعه.
ويتابع:" الذي يحدث في العيسوية أمر كبير جدا وحرب ممنهجة منظمة تم التخطيط لها بإحكام من قبل أذرع الاحتلال المختلفة، حيث إنه خلال شهرين فقط تم اعتقال أكثر من 340 شابا وفتى وطفلا وسيدة من بين أبنائها وفشل الاحتلال في إدانتهم ما يدل على أنها اعتقالات انتقامية فقط منذ استشهاد الشاب محمد سمير عبيد في حزيران/ يونيو الماضي، كما يواصل الجنود إغلاق مداخلها وسياسات القمع والتفتيش والمخالفات التعسفية بحق أهاليها، وكل هذا يستدعي أن نكون كلنا يدا واحدة في الوقوف أمام هذه السياسات ونشرها للعالم".
ويواصل أبو الحمص اعتصامه الذي تزوره فيه مختلف الشخصيات والمواطنين الذين يقدّرون عمله في الدفاع عن العيسوية، بينما يفتح قرار إبعاده ملفاً معقدا تحت عنوان "الإبعاد عن المنازل في القدس بحيث يصبح المقدسي غريبا في مدينته".
بدوره يؤكد رئيس لجنة أهالي أسرى القدس الناشط أمجد أبو عصب لـ"عربي21" أن الاحتلال يهدف إلى زعزعة الاستقرار في أي بلدة أو حي أو تجمع في القدس المحتلة، حيث تعتبر سياسة الإبعاد قديمة جديدة يستخدمها من أجل التأثير على المقدسيين.
ويوضح أن الاحتلال مارس هذه السياسة بحق الكثير من الشخصيات أبرزهم الشيخ رائد صلاح الذي تم إبعاده عن المسجد الأقصى المبارك عدة مرات أو عن البلدة القديمة ثم عن القدس بأكملها.
ويضيف: "هذه السياسة تتضمن الإبعاد عن منطقة بعينها داخل القدس بحيث يسلم الاحتلال خريطة مع أمر الإبعاد تبين للمبعد الأماكن التي لا يستطيع دخولها والتي يتعرض للاعتقال فورا إن تواجد فيها، وفي بعض الأحيان يتم تحديد مسافة معينة مثل الإبعاد لمسافة 300 متر عن أسوار البلدة القديمة".
ويشير إلى أن هذه السياسة تستهدف شخصيات فاعلة مقدسية ونشطاء لهم تأثير ونشاط مميز خاصة في المسجد الأقصى المبارك من خدمة المصلين وتأمين الوجبات والسهر على راحتهم.
ويلفت أبو عصب إلى أن سياسة الإبعاد عن المنازل والأحياء منتشرة بشكل كبير داخل القدس، حيث إن الاحتلال قام بإبعاد الكثير من أبناء بلدة سلوان جنوبي المسجد الأقصى المبارك إلى أحياء أخرى داخل القدس ومنهم من تم إبعاده إلى مدن حيفا وعكا وكابول وغالبيتهم أطفال، مبينا أنها سياسة تهدف إلى استنزاف المقدسيين في حال إبعادهم عن منازلهم خاصة حين يطول القرار لعدة أشهر.
اقرأ أيضا: الاحتلال يحرض على تركيا.." لها نشاط بالقدس".. والأخيرة ترد
ويتابع:" الأمر مرهق جدا للجميع خاصة إذا كان المبعد متزوجا ولديه أطفال فيضطر إلى استئجار منزل آخر وتغيير ظروف حياته وحياة عائلته بأكملها، وهناك مقدسيون تم إبعادهم أكثر من عام عن كامل مدينة القدس ما أثر على حياتهم بشكل كبير".
ويرى أبو عصب أن هذه السياسة لا تشكل عقابا جماعيا فقط وإنما تسعى لترك فراغ قيادي في حي أو بلدة ما حتى لو كان تأثيرا معنويا، فالاحتلال يوجه رسالة من خلال هذه القرارات مفادها أن من يطالب بحقه فسيتعرض للعقاب سواء كان اعتقالا أو إبعادا أو إقامة جبرية، لكسر كرامة المقدسيين واستهداف شخصياتهم.
ويقول في ختام حديثه إن بلدة العيسوية تحديدا لا توجد فيها بؤر استيطانية ولا أي مؤسسة إسرائيلية كبقية البلدات شرقي القدس المحتلة، ولكن الاحتلال يعلم أنها منبع الرجال وأن القمع فيها سيؤثر على القدس والمسجد الأقصى بشكل عام؛ ويعمل على إخفات الصوت الشريف فيها للاستفادة من ذلك في تفريغ القدس.
وأظهر التقرير السنوي الصادر عن قسم الأبحاث والمعلومات في مؤسسة القدس الدولية لعام 2018 أن قوات الاحتلال أصدرت العام الماضي قرارات بإبعاد 35 طفلا مقدسيا عن منازلهم بعد عقد جلسات محاكمة لهم وفرض غرامات مالية بحقهم، كما أن بعضهم تم فرض الإقامة الجبرية عليهم في المكان الذي يتم إبعادهم إليه.
استمرار معاناة أسيرين يفتح ملف الإهمال الطبي بسجون الاحتلال
تقرير استراتيجي يحذّر من خطورة تكنولوجيا التجسس الإسرائيلية
ما أهداف حديث الاحتلال عن "تسهيلات للهجرة من غزة"؟