قررت السلطة الفلسطينية أواخر شهر تموز (يوليو) الماضي وقف العمل بالاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل، يجري الحديث عن إتفاق أوسلو بمشتقاته السياسية الاقتصادية والأمنية، أي سحب الاعتراف الفلسطينىي بإسرائيل، ووقف التنسيق الأمني، ووقف العمل باتفاق باريس الاقتصادي الذي يحكم العلاقة بين السلطة وإسرائيل.
استهلاك إعلامي ليس إلا
طبعاً ثمة أسئلة وعلامات استفهام عديدة لا تتعلق فقط بالقدرة على تنفيذ القرار، وإنما بالإرادة، وهل السلطة جادة فعلاً في التنفيذ أم أنها اتخذت القرار للاستهلاك الإعلامي وتهدئة الرأي العام الفلسطيني بعد مجزرة الاحتلال بحق ممتلكات الناس وبيوتهم في صور باهر بالقدس المحتلة. كما لإرسال رسالة تهديد للإدارة الأمريكية والحكومة الإسرائيلية في ظل التماهي التام بينهما في السياسات على أعتاب اعتزام واشنطن طرح صفقة القرن المنحازة أصلاً، والتي تزداد انحيازاً مع الوقت وفى مراحلها النهائية لصالح تل أبيب؟
بداية لا بد من الانتباه إلى أننا أمام قرار بوقف أو تعليق العمل بالاتفاقيات، وليس إلغائها كما تطالب عديد بل معظم القوى الفلسطينية، ما يشكك طبعاً في إرادة ونية السلطة تنفيذ القرار، وبالتالي الانفصال الجدي عن إسرائيل والاتفاقيات معها.
القيادة الفلسطينية تعترف الآن أنها فاوضت إسرائيل بشكل سيء ووافقت على إتفاقيات مجحفة قدمت فيها تنازلات مجانية من حقوق وثروات الشعب الفلسطيني دون مقابل
في سياق السلطة الفلسطينية واضح أيضاً أن القيادة كما اتضح من اجتماع اللجنة المعنية لا تملك تصوراً محدداً لكيفية والية وقف العمل بالاتفاقيات، ناهيك عن تصور لصباح اليوم التالي وكيف ستتصرف بعد تعليق الاتفاقيات؟ وما هي البدائل والخيارات المتوفرة ووأكيد أن لا إجابات عن ذلك كله من قيادة تصرفت دوماً بعشوائية دون تخطيط مسبق، قيادة بعدما فاوضت ـ كما تقر الآن ـ بشكل سيء في أوسلو اكتشفت عند صياغة الاتفاق أنها لا تملك خبيرا قانونيا مجربا قادرا على صياغة التفاهمات السياسية في سياق إطار قانوني صلب وراسخ، فقام المستشار القانوني لوزارة الخارجية الاسرائيلية ـ يوئيل سنجر ـ للقيام بالعمل وحده وطبعاً بما يتوافق مع الرؤى الأهداف والمصالح الاسرائلية.
التوافق الفلسطيني المطلوب
لا يقل عن ذلك أهمية النظر إلى السياق الفلسطيني الأوسع، وبالتاكيد لا يمكن اتخاذ قرار كبير مثل هذا دون التوصل إلى تحقيق الحد الأدنى من التوافق الفلسطيني المتمثل بإنهاء الانقسام، أو على الأقل الشروع الجدي في عملية المصالحة وتطبيق اتفاقياتها بشكل نزيه وعادل. واضح أن هذا غير متوفر، بل على العكس في نفس الجلسة التي أعلن فيها محمود عباس عن قرار أو النية في وقف العمل بالاتفاقيات تحدث عن المصالحة بنفس اللهجة المستبدة المتعالية القائمة على قاعدة لا صوت يعلو فوق صوت المعركة، وضرورة الالتفاف حول بل الاصطفاف خلف الرئيس القائد الذي يخوض معركة إسقاط صفقة القرن، دون أي اعتبار لذهنية الشراكة والعمل الوطني الفلسطيني القائم على الجماعية والمؤسساتية في اتخاذ القرارات، ومن ثم السهر المشترك الجامع على تنفيذها.
عموماً، فإن السوابق مع القيادة المتنفذة الحالية غير مطمئنة، كونها تصرفت دائماً بشكل أحادي، بغياب التخطيط والعمل المؤسساتي في اتخاذ القرارت وتتنفيذها، ناهيك عن الاستئثار والتصرف بذهنية الفلول القدامي - الخاتم في الأصبع - كما يقول عباس حرفياً وعدم الاستعداد لاتخاذ خيارات آخرى قائمة على الشراكة الوطنية، وبناء مؤسسات ديقراطية نقية من الفساد الاستبداد، وفي أفضل الأحوال وبظل الواقع الحالي حتى لو افترضنا النية السليمة. فالنتائج حسب التجارب الفلسطينية وحتى العربية سيئة بل كارثية بكل ما للكلمة من معنى.
باحث وإعلامي
"النهضة" واستحقاق الرئاسة في تونس
"الكرامة" في مواجهة الظلم والاستبداد