يرى مراقبون أن ثمة صراعا قائما على تمثيل "الإسلام السني" بين مرجعيات تدعمها دول عربية وإسلامية، كالاتحاد العالمي لعلماء المسلمين (مقره قطر)، ومجلس حكماء المسلمين (مقره الإمارات)، والأزهر الشريف في مصر، وهيئة كبار العلماء في السعودية.
وإبان ثورات الربيع العربي؛ وقف الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بوضوح مع إرادة الشعوب في التغيير، وأعلن رفضه لانقلاب المؤسسة العسكرية على حكم الرئيس الشرعي في مصر محمد مرسي في تموز/يوليو 2013.
بينما انحاز شيخ الأزهر إلى الانقلاب، في الوقت الذي سكتت فيه هيئة كبار العلماء عن دعم النظام السعودي لقائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي، بينما قررت الإمارات تأسيس هيئة بديلة عن الاتحاد العالمي في تموز/يوليو 2014 حملت اسم "مجلس حكماء المسلمين" ليكون رديفا شرعيا للثورات المضادة، بحسب مراقبين.
وتجلت صورة هذا "الصراع" حينما حذرت هيئة كبار العلماء في تشرين الأول/أكتوبر 2017 من الانضمام إلى الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، متهمة إياه بأن له دورا "في إثارة الفتن في بعض الدول الإسلامية والعربية".
اقرا أيضا : سلفي جزائري يخرج الإخوان والصوفية من أهل السنة.. وردود
يرى مستشار وزير الأوقاف الشرعي في مصر، سلامة عبدالقوي، أن وجود كيانات كبيرة ومتعددة تمثل "الإسلام السني" ظاهرة إيجابية، معللا ذلك بأن "تعدد الدول والجنسيات والمذاهب والثقافات يحتاج إلى كيانات تتناسب مع كل بيئة وثقافة وقطر".
واستدرك في حديثه لـ"عربي21" قائلا إن هذا التنوع جيد لو تم استيعابه في مظلة واحدة جامعة، كالاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، الذي يجمع تحت مظلته هيئات كثيرة جداً من أوروبا وأفريقيا ودول العالم العربي، بالإضافة إلى قامات علمية كبيرة تمثل معظم القارات".
دوافع سياسية
وأشار عبدالقوي إلى وجود كيانات دينية "أسست لدوافع سياسية واضحة، كمجلس حكماء المسلمين الذي أسسته الإمارات، وكان الهدف من تأسيسه هو ضرب الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وخاصة بعد الانقلاب العسكري الذي حصل في مصر".
وأضاف أن "اللافت للنظر هنا أن الإمارات أسست هيئات أخرى بالتزامن مع تأسيس مجلس الحكماء، كالهيئة التي يرأسها علي الجفري، والمجلس الذي يرأسه الدكتور عبدالله بن بيه"، مؤكدا أن "جميع هذه المجالس هدفها ضرب الكيانات والروابط العلمية الشرعية السنية التي أسست قديماً".
وكشف عبدالقوي عن "تلقي شيخ الأزهر أحمد الطيب راتبا كبيرا جدا، مقابل وضع اسمه على رأس مجلس حكماء المسلمين"، لافتا إلى أن "الأزهر كيان قديم، ومنارة كبيرة، إلا أنه منذ انقلاب 1952 في مصر تحول إلى فريسة بيد العسكر، ليصبح غير مستقل بالمرة".
واعتبر الاتحادَ العالمي لعلماء المسلمين "كيانا مستقلا أو شبه مستقل"، لافتا إلى أن وجوده في الدوحة "لا يعني أن هناك سيطرة معينة عليه من قبل دولة قطر، فيمكن أن تتحول الظروف وينتقل مقر الاتحاد إلى أي دولة أخرى".
من جهته؛ أكد عضو رابطة علماء أهل السنة، الدكتور أسامة أبو بكر، أن هناك "صراعا بين عدة هيئات علمية على تمثيل الإسلام السني لغايات مختلفة".
وقال لـ"عربي21" إن ثمة أهدافا سياسية لتأسيس بعض هذه الهيئات، ممثلا بمجلس حكماء المسلمين "الذي أسسته دولة الإمارات لمواجهة الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، ولسحب البساط من تحته، ومحاولة تمثيل الإسلام السني بما يوافق أجندة حكام الإمارات ومنظومتهم".
اقرا أيضا : هل سيؤدي التوتر بين إيران والسعودية لانقسامات طائفية؟
وأضاف: "من خلال أنشطة مجلس الحكماء ومؤتمراته؛ يظهر جلياً هذا الدور الذي يغلب عليه إبعاد الاتجاه السلفي والإخواني، وكل مسلم حركي وناشط في الدعوة، والتقارب مع الأديان الأخرى، وصولا للتقارب مع الصهاينة، وإنهاء قضية فلسطين والقدس والمسجد الأقصى".
وأشار أبو بكر إلى وجود هيئات أسست لغرض علمي ودعوي بحت، ثم ما لبثت أن "بدأت تفقد مكانتها ومصداقيتها، وأصبحت خاضعة للحاكم ولتوجهه السياسي، ولرغبته في تطويع الدين لتثبيت حكمه ومنحه الشرعية الدينية، كالأزهر الشريف، وهيئة كبار العلماء في السعودية".
مرجعية واحدة
وبالنظر إلى انضواء أغلب المدارس الشيعية المختلفة تحت مرجعية واحدة؛ يطالب كثير من الباحثين والكتاب بأن يكون للسنة مرجعية واحدة، توحد موقفهم تجاه النوازل الراهنة والقضايا المصيرية.
ولكنّ للشيخ عبدالقوي رأيا آخر، وهو أن وجود مرجعية واحدة حاكمة للسنة أمر سلبي؛ يؤدي إلى الجمود الفكري والحركي والسياسي.
وأوضح عبدالقوي أن "الشيعة لهم مرجعية واحدة، لكنها مدفوعة ومسندة وممولة من قبل نظام حاكم يريد أن يضفي توجها واحدا"، لافتا إلى أن "الحالة السعودية شبيهة بالحالة الإيرانية، حيث توجد مرجعية دينية واحدة تمنح الحاكم المبررات والأحكام الشرعية التي تتناسب مع تصرفاته، فإن قتل أو زنى أو سرق فلا حرج".
وأضاف أن "جمع علماء السنة تحت مظلة واحدة أمر لا ينسجم مع روح الشريعة الإسلامية التي تتميز بوجود مساحات تقبل تعدد وجهات النظر، لكن تجمعها كلها ثوابت واحدة"، مؤكدا أنه "من الصعب أن يكون للأمة الإسلامية السنية مرجعية واحدة تأخذ الجميع إلى مسار واحد".
وتابع: "حتى الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين؛ وإن كان هو مظلة للعديد من الكيانات السنية، إلا إنه في التفاصيل يدَع لكل علماء منطقة معينة أن يتخذوا القرارات التي تتناسب مع شعوبهم ووضعهم الجغرافي".
وخلص عبدالقوي إلى القول بأن فتح المجال لتكوين كيانات متعددة "يصب في النهاية في بوتقة واحدة، وهي خدمة الشرعية الإسلامية، ويقدم بعدا إيجابيا وليس سلبيا".
من جهته؛ رأى أبو بكر أن "وجود مرجعية واحدة للسنة أمل منشود لدى المسلمين".
واستدرك بأنه "ربما يكون هذا الأمل صعب التحقق في ظل الفرقة السياسية للمسلمين، وفي ظل التجاذبات السياسية والمذهبية والفكرية، ولذلك لا بأس بوجود أكثر من كيان، على أن لا يكون بينها تضارب، وحتى إذا ما سُيست واحد منها؛ استطاع الثاني أن يقول الحق ويواجه الباطل".
وتابع أبو بكر: "لهذا السبب قامت رابطة علماء أهل السنة، بالرغم من وجود الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وكان تأسيسها ليكون لها مساحة أوسع في التحرك والمشاريع والعمل والبيانات، ولكي يكون أعضاؤها من السنة فقط، وكان كثير من مؤسسيها أعضاء في الاتحاد العالمي".
ولفت إلى أن "كثيرا من المسلمين يؤلمه تعدد الجهات العُلمائية في الأمة، ويعتبرها حالة من الضعف والتشرذم، ويرى أنها صورة من صور تفكك هذه الأمة، ويلوم العلماء على ذلك، وبالتالي فهي صورة سلبية".
وأعرب أبو بكر عن أسفه كون هذه المؤسسات جميعها "لم تحظ بالتفاف الشعوب الإسلامية حولها، ولم تأخذ مكانتها المطلوبة"، مؤكدا أن "أثرها في الشارع المسلم ضعيف".
وحاولت صحيفة "عربي21" التواصل مع عدد من شيوخ الأزهر وغيرهم من مسؤولي الأوقاف الرسميين في أكثر من دولة، إلا إنهم امتنعوا عن التعليق.