كتاب عربي 21

قطر "المتآمرة" على المغرب!

1300x600

كانت البداية باستدعاء رئيس دائرة التعليم والمعرفة بأبو ظبي لما أسماه "استهداف أمن المغرب الشقيق من خلال دعم قناة الجزيرة لمنظمة البوليساريو" قبل أن يضيف مغردا: "يأتي دعم الجزيرة للبوليساريو في إطار دعم النظام القطري لكل خائن لوطنه". كان هذا منتصف شهر أبريل الماضي. لكن الواضح أن "الحملة المنظمة" التي بات واضحا أنها تستهدف التأثير في العلاقات المغربية القطرية والمغربية الكويتية بدرجة أقل، باعتبار موقف الدول الثلاثة من "الأزمة الخليجية"، مرشحة للتصاعد في المرحلة القادمة. كل ما يستدعيه الأمر خبرا أو حدثا للاستغلال، وكذلك كان بعد قطع المملكة المغربية علاقاتها الديبلوماسية بالجمهورية الإسلامية الإيرانية. 


كان منتظرا ألا تتأخر بيانات الدعم السعودية والإماراتية والبحرينية للمغرب بالنظر إلى أن الدول الثلاث مستعدة للتضامن مع "الشيطان" في أي قرار تكون إيران طرفا فيه. لم يسأل أحد عن موقف الطرف الرابع في رباعية حصار قطر بالرغم من أن الدول تلك صارت تنسق مواقفها السياسية والإعلامية أو هكذا يبدو. عيون الصحافة المصرية والإمارتية ركزت على الموقف القطري، ومعها بعضا من المواقع الإلكترونية المغربية، ووصفته منافقا أو محتشما أو خجولا وشككت في صدقيته وذكرت بـ"تذبذب" موقف الدوحة من قضية الصحراء و"علاقاتها الغامضة" بجبهة البوليساريو.

 

التنسيق الإعلامي بين صحافة البلدان الثلاثة، تؤشر على أن دولة الإمارات العربية المتحدة حولت بوصلتها الإعلامية في اتجاه المغرب في خرق غير معهود. العلاقات الإماراتية المغربية "الراسخة" كانت دوما سدا مانعا من التدخل في الشؤون الداخلية للبلد وعلاقاته الخارجية. وقد كان رئيس الحكومة المغربية السابق، عبد الاله بنكيران، اشتكى للعاهل المغربي من تصريحات لضاحي خلفان "بشر" فيها بسقوط الإخوان بالمغرب في الانتخابات البرلمانية، وهو ما ثبت بعد النتائج أنه مجرد "رؤيا" كاذبة. كان ذلك في مرحلة بداية "الثورة المضادة" ضد حكم الإسلاميين. وكان واضحا أن المغرب قد حذر من ذلك لدرجة أن الاستثمار الإماراتي في رأسمال قناة ميدي سات الفضائية المغربية كان دون أثر في توجهات القناة على المستويين الداخلي والخارجي، بل إن تقريرا بث على أمواجها كان نقدا عنيفا لتدخلات أبو ظبي في اليمن، وهو ما اعتذر عنه مسؤولوها بعد ذلك. 

 

وفي أثناء الأيام الأولى للأزمة الخليجية، لم تتحرج قنوات تابعة للسعودية والإمارات من تقديم مواد على شاشتها تشير لـ"نضال" البوليساريو لتحرير الصحراء "الغربية" أو تقديم خارطة المغرب مجزأة ومنقوصة من صحرائها، في رسالة قُرأت وقتها على أنها "تحذير".

 

الأكيد أن "شراء" الولاءات الصحفية جزء أصيل في حرب البحث عن التأثير في الرأي العام والسياسات الحكومية، وهو ما تأكد من حجم صرف الأموال على شركات العلاقات العامة والجرائد الغربية على الخصوص. ولأن قناة الجزيرة أظهرت منذ نشأتها أن التأثير في الرأي العام العربي يمكنه أن يتم بأدوات إعلامية عربية تحترم شغفه في المعرفة والبحث عن رأي آخر يخرج عن النص الرسمي، فقد توجهت كثير من دول الخليج للمنافسة في الملعب ذاته. التجربة أكدت أن المصداقية لا تشترى لكنها تبنى على مر البرامج والنشرات وتغطيات الأخبار.

 

في المقالات "الموجهة" ضد التضامن القطري والكويتي مع المغرب في قراره الأخير، عابت الأقلام التي كتبت من نفس المحبرة، على الدولتين دعوتها ل"حل الخلافات بالحوار من خلال الوسائل السلمية المتعارف عليها دوليا" وكأن المغرب أعلن الحرب على إيران. نسي هؤلاء أن وزير الخارجية المغربي كان أول من سافر إلى طهران بحثا على الحوار قبل أن تستقر لديه القناعة بضرورة قطع العلاقات. ولأن الموضوع في حاجة لبهارات، فقد نقلت ذات المواقع والجرائد عن "ائتلاف المعارضة القطرية" اتهامه قطر "باحتضان مجموعات من المعارضين المغاربة والهاربين من وجه العدالة القضائية المغربية" و"تجنيد الشباب المغاربة في دول أوربية وإلحاقهم بتنظيمات إرهابية قبل إرسالهم لليبيا".

 

في الحرب الإعلامية كل شيء جاهز، وتكرار الأكاذيب ونسبها لجهات مجهولة أو خبراء أو معلقين أو محللين دون ذكر أسمائهم سبيل ممولي التضليل الإعلامي لترسيخ الأكاذيب في الأذهان. وبعد أن تحقق للمضللين مرادهم في تأليب الرأي العام في دولها ضد قطر وقناة الجزيرة الفضائية أو يكادون، يبدو أن الوقت قد حان لنقل المعركة إلى دول المغرب الكبير التي ارتأت "النأي" بالنفس عن مجاراة الرباعية في غيها.

 

تحقق المراد في ليبيا حيث كشفت دراسة أعدها إعلاميون ليبيون حجم التمويل الذي تحقق لكثير من الأبواق الإعلامية الليبية الموزعة بين عدد من الدول العربية جمعت بين الليبرالي المعارض وداعمي نظام القذافي لدرجة الحديث عن سيطرة إماراتية على 70 بالمائة من الإعلام الليبي بهدف توجيه الرأي العام وتعبيد الطريق أمام الأذرع السياسية والعسكرية التابعة للإمارات.

 

أما في تونس، فالحرب على حركة النهضة وحلفائها في الترويكا امتدت إلى اليوم عبر نفس الوسائل التي جمعت بين تمويل الأحزاب المناوئة لها أو محاولات تشويه صورتها إعلاميا في أفق استبعادها عن التأثير في القرار. وحاولت جرائد إماراتية إظهار البلد كشريك في الحصار المفروض على قطر رغم كل البيانات التي صدرت عن الدولة لتأكيد حيادها. ويجري حديث تؤكده وقائع ثابتة عن وجود خلايا تشتغل في كل الاتجاهات، والإعلام أهمها، لإعادة فرز الساحة السياسية وتحويل بوصلتها وفقا لأجندة أبو ظبي و"حلفائها".

 

في المغرب، تبدو المحاولات جنينية لم تجد غير قناة الجزيرة بوابة للدخول قبل التبحر في حياد المغرب في الأزمة الخليجية الذي قوبل بتضامن "كاذب" قطري. الإفلاس دفع الواقفين على تنفيذ الجزء المغربي من الحملة الإعلامية للاتجاه بعيدا في الصحراء على حدود المغرب الشرقية الأقرب إلى مخيمات البوليساريو حيث "محميات طبيعية قطرية لتربية طائر الحبار" اعتبروها وجودا قطريا بالمغرب في منطقة حساسة تعتبرها ساكنة ومنتخبون "استعمارا جديدا". الاتهامات أن ذاك الوجود دليل علاقات خفية وأعمال مشبوهة تضر بالأمن القومي الوطني. والمقابل تتويجات بالجائزة العربية للصحافة وتكريمات تميز لا تتوقف على أرض الإمارات.

 

هذا الصيد في الماء العكر إساءة بالغة إلى المغرب ومؤسساته الأمنية والسياسية قبل تكون إساءة لدولتي قطر والكويت. وهو في الآن ذاته إعلان على أن "المؤامرة" صار لها صدى في أقصى المغرب الكبير.

الأكثر قراءة اليوم
الأكثر قراءة في أسبوع