نشر موقع "ميدل إيست آي" البريطاني تقريرا، سلط من خلاله الضوء على وضع
السنة في
لبنان، خاصة إثر مشاركة
حزب الله وميليشيات إيران في الحرب السورية، وإبان التوترات الأخيرة التي عصفت بالخليج، وخاصة في ظل تراجع دور المملكة العربية السعودية أبرز الداعمين للسنة في لبنان.
وقال الموقع، في هذا التقرير الذي ترجمته "
عربي21"، إن "حزب الله الشيعي يسيطر، في الوقت الراهن، على الشأن السياسي الداخلي في لبنان. ويعزى ذلك إلى غياب قوة حقيقة قادرة على مواجهته، الأمر الذي ولد مشاعر الخذلان والانهزام في صفوف المواطنين السنة في البلاد".
وفي هذا الصدد، أورد مصطفى علوش، العضو السابق في البرلمان اللبناني، أن "شعورا بالهزيمة يطغى على السنة"، علما وأن عددهم متساو تقريبا مع عدد السكان من
الشيعة.
وأفاد الموقع أن إيران تعد أبرز المساندين لهذا التغول الشيعي في لبنان، خاصة بعد مشاركتهما في المعارك الدائرة في سوريا جنبا إلى جنب في إطار مساندتهما للنظام السوري. عقب ذلك، نجح ميشال عون، الذي يعتبر أحد أبرز حلفاء الحزب المسلح، في الوصول لسدة الحكم.
في المقابل، تشهد الكتلة السنية التي يتزعمها، سعد الحريري، العديد من الأزمات المالية والسياسية العميقة، خاصة في ظل فتور العلاقة مع المملكة العربية السعودية، التي تعد من أبرز المساندين لها.
ومن المثير للاهتمام أن رئيس الوزراء سعد الحريري قد حظي بأغلبية الأصوات السنية في الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي أجريت سنة 2009. في الأثناء، أكد بعض المراقبين فضلا عن عدد من أعضاء حزبه، أن الحريري قد لا يتمكن من أن يحافظ على هذا التفوق على اعتباره الممثل الوحيد والأبرز للسنة، في الانتخابات المزمع إجراؤها خلال السنة المقبلة.
وأشار الموقع إلى أن الحريري قد دخل منعرجا خطيرا في مسيرته السياسية، حتى أصبح بعض المتشددين يرون أنه بصدد تقديم العديد من التنازلات لصالح القوة الشيعية. في المقابل، يؤمن حزب الله أن الحريري يمثل الذراع اليمنى لأشد أعداء إيران، أي المملكة العربية السعودية.
وفي هذا السياق، أوضح أشرف ريفي، الذي عمل سابقا مديرا عاما لقوى الأمن الداخلي، كما شغل منصب وزير العدل، قبل أن ينأى بنفسه عن معسكر الحريري، على خلفية التنازلات الأخيرة التي قدمها أمام رغبات حزب الله، أن "آفاق تيار المستقبل توحي بالهزيمة".
ويعد أشرف ريفي من بين أبرز الشخصيات التي أصبحت لها مكانة بالغة الأهمية في أوساط المواطنين السنة، ما قد يمثل تهديدا للموقع الريادي لسعد الحريري. ونقل الموقع تصريحات ريفي الذي ألقى باللوم على تيار المستقبل، فيما يتعلق بالوضع المتردي الذي يعيش في ظله سنة لبنان.
وأفاد ريفي أن سنة لبنان "يشعرون بأن القيادة قد استسلمت بالفعل في وجه نفوذ حزب الله الذي ما فتئ يتوسع"، مشددا على أن القيادة التي منحوها ثقتهم وأصواتهم لم تكن على قدر المسؤولية التي كلفت بها، في حين عجزت عن مجابهة مختلف التحديات التي كانت تواجهها. وأضاف ريفي أن "القيادة السنية تبنت مواقف تدل على أنها قد أقرت بالهزيمة في وجه حزب الله. وبالتالي، باتت تتخذ قرارات مخالفة تماما لتطلعات الفئة المجتمعية التي تمثلها".
والجدير بالذكر أنه ومنذ بروز الإسلام، كان السنة يحظون بالسلطة في معظم البلدان، في حين كانوا يعتبرون أنفسهم جزءا لا يتجزأ من الأمة الإسلامية، وليسوا مجرد مجتمع يعيش على الهامش، وذلك وفقا لما أكده مصطفى علوش. وفي أعقاب انهيار الإمبراطورية العثمانية في نهاية الحرب العالمية الأولى، فوجئ السنة بفقدان مركز القيادة في العالم.
وأوضح الموقع على لسان علوش أن لبنان لا تعد استثناء بين الدول العربية. فقد أدى اغتيال رفيق الحريري، وتحول حزب الله إلى القوة المسيطرة في البلاد، إلى تنامي شعور سلبي في صفوف السنة، على اعتبارهم أقلية، فضلا عن تبني موقف الضحية. وفي الأثناء، عمقت الحرب السورية هذا التصور، علما وأن السنة يؤمنون بأن هناك حرب عالمية يقودها الغرب وروسيا وإيران ضدهم.
وأكد الموقع أن نظريات المؤامرة التي تحيل إلى أن طهران تعمل سرا مع واشنطن لزعزعة أمن واستقرار المسلمين السنة، قد غذت مشاعر العداء تجاه إيران والشيعة في المنطقة. وفي الأثناء، يعد شعور سنة لبنان بالقهر والإحباط جزءا من مشاعر الاضطهاد المتفشية على نطاق واسع بين الشعوب العربية منذ فشل الربيع العربي.
وذكر الموقع أن علوش وريفي يعارضان بشدة بروز الجماعات المسلحة في لبنان على غرار جماعة أحمد الأسير، معتبرين أنهم لا يخدمون إلا مصلحة أعدائهم. في المقابل اعتبر ريفي أن "هذه الجماعات المتطرفة" قد سادت الأوساط السنية في البلاد نظرا لأنها تملأ الساحات العامة، في حين يغيب المعتدلون عنها. وفي هذا الصدد، أورد ريفي أن "موقفنا في تيار المستقبل يدعم في الغالب فكرة أن التطرف لا يمكن مجابهته إلا من خلال إستراتيجية تتسم باعتدال أكبر".
ومن المثير للاهتمام أنه ومنذ بداية الصراع السوري، شهد لبنان صعودا مضطردا للجماعات المسلحة، بما في ذلك جماعة الشيخ أحمد الأسير، الذي حكم عليه بالإعدام في 28 أيلول/ سبتمبر، على خلفية الاشتباكات الدامية، في أحداث "عبرا" ضد الجيش اللبناني.
وتطرق الموقع إلى دور دول الخليج فيما يتعلق بالوضع الحرج الذي يمر به سنة لبنان. وفي هذا الإطار، تتواتر الشائعات في طرابلس التي تفيد أن قطر تقف وراء التمرد السياسي الذي يتبناه أشرف ريفي.
في المقابل، نفى المدير العام السابق لقوى الأمن الداخلي هذه الشائعات، مؤكدا على أن السنة في لبنان يتطلعون إلى المملكة العربية السعودية والإمارات على اعتبارهما تمثلان الزعامة في المنطقة. وفي هذا السياق، أفاد ريفي قائلا: "نأمل أن يعود الانسجام إلى صفوف دول الخليج"، داعيا قطر للعدول عن مواقفها ومراجعة سياساتها، حتى تسهم في حل الأزمة.
وفي الختام، أوضحت الصحيفة أنه وفي ظل التزام الرياض بموقف محايد، أعرب مصطفى علوش عن عميق أسفه لفتور العلاقات بين الرياض والحريري. في المقابل، رفض علوش أن ينتقد المملكة العربية السعودية، مشيدا بما قدمته الرياض سابقا لسنة لبنان ووقوفها إلى جانبهم في الماضي.