كلما اقترب موعد
الانتخابات الرئاسية، ازداد عبد الفتاح
السيسي خوفا، ومن ثم تكررت الدعوة لتعديل
الدستور، بما يسمح له بالبقاء في موقعه لعامين، بمد الفترة الرئاسية لتصبح ست سنوات بدلا من أربع، ولتصبح مددا بدلا من مدتين لا تجوز له الثالثة إلا بمحلل يجري تمكينه من أن يقضي منها وطرا!
منذ أن أعلن عبد الفتاح السيسي خوضه للانتخابات الرئاسية عقب الانقلاب
العسكري، وهناك مباراة في التقرب إليه بالدعوة لتعديل الدستور، وفي البداية كان الهدف توسيع اختصاصاته، ومن حقه في الترشح لأكثر من دورتين، ثم لم يعد هناك من يتحدث عن اختصاصاته هذه، فهو الحاكم بأمره، وما الحكومة إلا "سكرتارية" له، متجاوزا بذلك الاختصاص المعقود لها بحكم الدستور، وهو يختار رؤساء حكومات،"لا يهشوا ولا ينشوا"، ورئيس الحكومة الحالي، سبق وأن وصفه سكرتير السيسي اللواء عباس كامل بـ "الصايع الضايع"!
بعد تشكيل ما يسمي برلمانا، تبارى النواب، كما تبارت الأحزاب السياسية في الدعوة لتعديل الدستور، وتقدم أحد النواب بطلب للتعديل موقعا عليه من أكثر من ثلاثمائة نائبا، وبعد صمت من قبل السلطة على ما فعله، وهو سكوت فسر بأنه علامة الرضا، حسم رئيس مجلس النواب الأمر؛ بإعلانه أن الدستور يمنع تعديل المواد الخاصة بانتخابات رئيس الجمهورية، ومن ثم مات الطلب، لكنه تم النفخ فيه من جديد هذه الأيام، وسط "زفة" من المقربين من الرئاسة بضرورة تعديل الدستور، لأنه وضع في مرحلة عدم الاستقرار، وكأن الأمن استتب، ليعدل الدستور بما يتفق مع المرحلة الجديدة.
هذه الدعوة الجماعية، تدور حول زيادة مدة الفترة الرئاسية، وأن يصبح من حق السيسي الترشح لأكثر من دورتين، وأخذ هذه الدعوة شكل الحملة الإعلامية، على نحو كاشف أنها صدرت بتوجيه رئاسي، وكل هذا لا يعني أنه تقرر بشكل قاطع تعديل الدستور، مع بداية الفصل التشريعي الجديد، في أكتوبر المقبل، وبعد العطلة البرلمانية.
السيسي بهذه الحملة يحتاط لنفسه، فإن جاء شهر أكتوبر المقبل، وظهر مرشح منافس قوي، فقد تم تمهيد الأجواء للتعديلات الدستورية، ونفس الأمر إذا استشعر أنه لن يستطيع أن يمرر الانتخابات كما فعل في المرة السابقة، بالتزوير الآمن، وهو يعلم أن هذه المرة لن تكون الأحوال هادئة كما في المرة الأولى، فعلى الأقل كان هو مرشح الضرورة، التي تقدر بقدرها، وكان يستمد سمعته من كونه ينتمي للجيش المصري، الذي لم يكن قد تعامل مع الشعب عن قرب، لكن هذه الانتخابات الآن تأتي في وقت تأكد الناس من فشله، ومن إضرار سياساته بهم، ثم أنه ظهر أمام الرأي العام، كتاجر أراضي، يبيع الأرض التي هى كالعرض، للسعوديين والإماراتيين، دون أن يعود هذا بالفائدة على الشعب المصري!
وإذا كان في السابق بشر المصريين بالرخاء بعد سنتين، ثم بعد ستة شهور، فكانوا بعد ذلك كمن صام ثم أفطر على بصلة، فحتى هذه البصلة لم يجدوها، فلن يعد هو من يصدق إذا وعد عند خوضه الانتخابات هذه المرة، ولن يقبل منه فكرة خوض الانتخابات بدون برنامج، فلم يعد مرشح الضرورة. ثم أن كل وعوده تبخرت ومن أول الحديث عن قناة السويس الجديدة، إلى استصلاح مليون ونصف مليون فدان!
الأمر الذي يجعل من خوضه لانتخابات جديدة، مخاطرة، مع تسليمنا بقدرة أجهزته على التزوير، وهو أمر لن يتحقق إذا كانت المنافسة مع الدولة القديمة، لأنه حينئذ سيفقد حماس الأجهزة التي تدير العملية الانتخابية، فإذا كانت قد استفادت من عصره، إلا أن الامتيازات التي حصلت عليها، دون فئات المجتمع الأخرى، فقدت قديمتها مع الزيادة المجنونة في الأسعار، ثم أن هذه الفئة التي حصلت على الامتيازات باتت تدرك، أن الدولة المصرية تواجه المجهول معه، وأنه ليس مؤهلاً بالحفاظ عليها، والحال كذلك فلا معنى لهذه الامتيازات والزيادة في الرواتب في وطن ضائع!
السيسي، الذي خان رئيسه محمد مرسي، وخان والده الروحي المشير محمد حسين طنطاوي عندما وشى به عند مرسي فعزله، لا يشعر بالأمان أبدا، لأنه يتوقع دائما حركة غدر من أقرب الناس إليه ومن دائرته المحيطة، لذا فهو – دائما – يأخذ بالأحوط!
عندما اجتمعت لجنة الخمسين لتضع دستور سنة 2014، كانت النية عنده تتجه في مد الفترة الانتقالية، أو إقناع "الرئيس المنتدب" عدلي منصور، ليرشح نفسه للانتخابات الرئاسية، ويظل هو الحاكم الفعلي من مكتب وزير الدفاع، لاسيما وأن الدول الإقليمية الراعية للانقلاب، لم تكن متحمسة له رئيساً، وهناك تصريحات صدرت من الرعاة الإقليميين بأنهم يتمنون أن يستمر وزيراً، عندئذ أوحى للجنة بتحصين موقع وزير الدفاع لثماني سنوات، فلا يكون قابلاً للعزل، وتكون الجهة التي تختاره هى المجلس الأعلى للقوات المسلحة.
بيد أنه بعد تفكير عميق، وإزاء اعتذار "عدلي منصور" عن الترشح، وأخذاً بالأحوط فقد قرر خوض الانتخابات الرئاسية، لأنه لا يضمن "أن يُغدر به"، فماذا لو جاء بـ "خيال مآتة"، كما فعلت دولة عبد الناصر، فعدل الدستور، وألغى التحصين، وأطاح به من منصب وزير الدفاع، كما فعل السادات عندما زج بكل "تركة عبد الناصر" إلى السجون، وكانوا يظنون أنه الأضعف، وفي حالة السيسي، سيكون هدف الرئيس المختار أن ينتصر لذاته من ناحية، ومن ناحية أخرى، حتى يكسب شعبية وبحثا عن الاستقرار الذي لن يتحقق لسلطانه في ظل وجود وزير دفاع أوغل في الدماء!
فإذا كان إعمال مبدأ "أخذا بالأحوط" دفعه لتحصين منصب وزير الدفاع، فإن إعمال هذا المبدأ أيضا دفعه للترشح، فهو لا يأمن بوائق أحد. ومعلوم أن الدعوات التي انطلقت في البداية لتعديل الدستور، كان تطلب إلغاء التحصين المقرر لمنصب وزير الدفاع، وإذا تقرر الآن التعديل من البرلمان، فقطعا فإنه سيلغي هذا التحصين، ليس لأن وزير الدفاع ضده، أو أنه يخشى أن يتآمر عليه، لكن لأنه يريد أن يتخلص من كل من ساعده في الوصول للحكم، ومن شركائه في الدم، كما فعل مع وزير الداخلية السابق اللواء محمد إبراهيم، مع أن الرجل كان يرش بالنار من يرش سيده السيسي بالماء!
المادة (226) من الدستور تحول دون تعديل المواد الخاصة بانتخابات رئيس الجمهورية، لأنها مثل النصوص الخاصة بالحريات، وما يُعرف بالنصوص فوق الدستورية، لكن لم يوجد من يمنع السيسي من انتهاك عرض الدستور، الذي يمنع التفريط في الأرض، بأي طريقة وبأي سبيل، ومن هنا فلو وجد نفسه مضطرا فسوف يعدل الدستور، رغم أن المدة المتبقية من دورته لا تسمح له بذلك، فبداية إجراءات الانتخابات الرئاسية لن تتجاوز شهر فبراير المقبل، أي بعد أربعة شهور من بداية الفصل التشريعي الجديد!
ومهما يكن، فالجدير بالإشارة، أن الذين احتشدوا يروجون لضرورة تعديل الدستور، يعزفون على نغمة واحدة، فمسير أخوك لا مخير، ومن الواضح أنهم ينطلقون من تعليمات صدرت لهم، وتدور دعايتهم حول أن الأربع سنوات ليست كافية لانجاز (الرئيس) برنامجه وينتهي من مشروعاته!
يلاحظ هنا أن المئة يوم كانت كافية وزيادة، لحساب الرئيس محمد مرسي "حساب الملكين"، وأن فترة السنة كانت تكفي لإصدار الحكم بعزله وإعلان فشله!
لا نعرف للسيسي برنامجا ليطلب له الوقت الكافي لتطبيقه، فهو أول مرشح منذ أن عرفت البشرية الانتخابات يخوضها بدون برنامج، ثم أن كل مشروعاته تكتمل لتثبت فشله باكتمالها، ولا أعرف له مشروعات تحتاج إلى الوقت لتنفيذها، إلا مشروع توصيل مياه النيل لإسرائيل، ومشروع إتمام عملية انتقال السيادة للأراضي المصرية لدولة الإمارات، وأيضا في إكمال مهمته في رفع الدعم نهائياً، وزيادة تخريب مصر، فلا تصلح بعده "طبلة أو طار"!
وإذا كان القوم يرون أن السيسي لديه مشروعات تحتاج إلى وقت لاستكمالها، فإن عليه أن يعرض هذا لجمهور الناخبين، وهو يملك ترسانة إعلامية لا يمتلكها أي حاكم على مر التاريخ، فإذا وجد الرأي العام أنها مفيدة، فسيكون من الطبيعي أن يتمسك به لفترة جديدة، تكفي لاستكمال ما لم يستكمل من المشروعات!
لكن تكمن المشكلة، في أن القوم يعلمون أن "بيت القصيد"، هو في انخفاض شعبيته، كما قال النائب إبراهيم حجازي وغيره، وإن أرجعوها إلى القرارات التي اتخذها، ولأول مرة نرى حاكما يتصرف على أنه فيلسوف، فيقول رأيه وليس معنياً بوقعه على الناس، فالفيلسوف يقول رأيا لا يلزم أحدا به ومن ثم لا تعنيه شعبيته، لكن الحاكم يتخذ قرارات متعلقة بمصائر الشعوب، وفي حالة السيسي فكأننا أمام قاعدة "الفن للفن"، فليس مطلوباً أن يُقدم الناس على الفن!
وإذا كان قرارات السيسي قد أضرت بالناس، فالمعنى أنها قرارات فاشلة، فدور الحاكم هو العمل على رفع الضرر، لكسب التأييد، لكن في حالتنا فمطلوب من الشعب المصري أن يتعامل على أن الخير في الإضرار به، وأن الانجاز الاقتصادي في إفقاره، وأن نهضة الاقتصاد الوطني في تجريده من كل ما يملك!
ولا شك أن هذا الكلام عن انخفاض شعبية السيسي، يتجاهل أن التعديلات الدستورية، يستدعي الأمر لإقرارها الاستفتاء الشعبي عليها، اللهم إلا إذا كانوا في قرارة أنفسهم يعتقدون أن تزوير التعديلات، أسهل من تزوير الانتخابات، فالمواطن الذي يرفض السيسي سيرفض تعديل الدستور ليبقي السيسي لعامين إضافيين!
عندي تصور خاص، حول الترويج لفكرة تعديل الدستور، هو أنها تأتي لشغل من قد يفكر في خوض الانتخابات القادمة بشكل جاد، ثم تكون المفاجأة في إعلان فتح باب الترشيح دون أن يستعد لخوضها، لتنحصر المنافسة بين السيسي وحمدين، أو أي حمدين يقع الاختيار عليه!
إنه تفكير المذعور الخائف من خياله