استغل عبد الفتاح السيسي العمل الإرهابي الذي استشهد فيه 29 موناطنا مصريا قبطيا في محافظة المنيا، بينما كانوا في طريقهم إلى دير الأنبا صموئيل المعترف، ولقد أعلن داعش مسؤوليته عن هذا الهجوم الإرهابي، وهو الهجوم الرابع منذ كانون الأول/ ديسمبر الماضي ضد أهداف مسيحية.
وبعد حدوث الهجوم بساعات قليلة، وجهت القوات الجوية المصرية ضربة عسكرية على أهداف في مدينة درنة الليبية؛ لأعضاء مجلس شورى درنة، وخرج السيبسي يزف للشعب المصري أنه قام بالانتقام والثأر لضحايا العمل الإرهابي. وكما هو متوقع، وجدنا البابا تواضروس ورجال الدين والموالين للسيسي من سياسيين وإعلاميين؛ يشرحون لنا عن العمل الفذ والقدرة العسكرية التي قامت بتحقيق أهدافها في تدمير معسكرات الإرهاب في ليبيا. وتكرر الهجوم الجوي المصري لمدة ثلاثة أيام متتالية" ثم بدأت طائرات حفتر في اليوم الرابع بعمليات قصف لدرنة. وعلينا الآن الربط بين تلك الأحداث وربطها بالتطورات السياسية في الأسابيع الأخيرة قبل وقوع الحادث الإرهابي.
جاء نظام السيسي الدموي، وهو يلوح بأنه سيجلب الأمن والحماية لكافة المصريين، بالإضافة للنهوض بمصر وشعبها اقتصاديا وإخراجها من أزماتها المزمنة، ولكننا نتابع لما يقرب من أربع سنوات أن هذا كان وهما وخداعا ومشاريع فضفاضة، وخاوية من أي دسم يفيد في العمالة أو في حماية الشعب، السيسي ونظامه لهم أجندة واضحة وهي السيطرة على الحكم وتحقيق مخطط وضع لهم. ولنترك تلك التفاصيل، ونستنتج أن النظام وصل بنا لزيادة الأزمة الأمنية والسياسية بحجم لم نتصوره من قبل، فبدأت تنتشر العمليات الإرهابية من سيناء إلى الإسكندرية، وحتى المنيا في قلب الدلتا، والنظام الأمني يركز على غلق المواقع الالكترونية ويصنف بالمئات أسماء تُدرج تحت قائمة الإرهاب، ولكنه يفشل في حماية المواطن المصري في وضح النهار، بدون وجود خطط أمنية لحماية المواطن أو الدولة.
نبدأ بزيارة رسمية يقوم بها اللواء المتقاعد خليفة حفتر للسيسي، وطلب السيسي رفع حظر التسليح عن ليبيا وبالذات عن حفتر، وتلى ذلك زيارة رسمية معلنة وهى الأولى من رئيس الأركان المصري محمود حجازي إلى حفتر في ليبيا، ولكن بدون إعلان مضمون أو نتائج لتلك الزيارة، لكن من الواضح أن نظام السيسي بدأ في دعم أكبر لحفتر في مخطط ظهر جليا مع وقوع الهجوم الإرهابي في المنيا، ومع قرار قصف درنة على مسافة 1500 كيلومتر من المنيا، فهل هذا العمل الإرهابي مدبر لأخذ الذريعة لقصف درنة؟ لن نعرف الرد حاليا وقد لا نعرفه أبدا!
بربط تلك الخيوط، فسنجد حفتر يسيطر على الجزء الشرقي من ليبيا مع عدم قدرته على احتلال أو إخضاع درنة، وهو مستمر في محاولاته دون جدوى، بالرغم من أنه يحاصرها منذ نجاح مجلس شورى درنة في هزيمة تنظيم الدولة "داعش" وهروب بعض عناصر داعش من درنة بعد الهزيمة، وذلك تحت غطاء من قوات حفتر (عملية الكرامة)، ومع وجود دلائل لثوار درنة في تورط حفتر مع داعش وحماية من هرب وتسهيل تواجدهم في مناطق مختلفة في منطقة يسيطر عليها حفتر حاليا.
ظهرت تلك التفاصيل على لسان العقيد مفتاح حمزة، قائد محور الحيلة في درنة والذي تعاون مع ثوار درنة في هزيمة تنظيم داعش بعد حرب ضارية لمدة ثمانية أشهر؛ انتهت بتحرير درنة من تلك العصابات الداعشية، واستشهد خلالها المئات من ثوار ليبيا لتحرير درنة. يروي التحقيق الخاص الذي تم عرضة على قناة الجزيرة منذ عدة أيام في فيلم "الرمال المتحركة.. درنة" تلك الأحداث الموثقة، وعلينا الربط بينها وبين ما يحدث على الساحة الليبية الآن، في ظل استمرار قصف درنة. فما هو الغرض من ذلك؟
إن صمت المجتمع الدولي عن هجوم مسلح على دولة ليبيا يعتبر أمر مريب، فهي دولة مستقلة وعضو في الأمم المتحدة وذات سيادة. فهل أعطت الدول الغربية الضوء للسيسي لمساعدة حفتر وزيادة شق الصف الليبي المتصدع؛ في حين كان الجميع يأمل في نجاح حكومة الوفاق الوطني الليبية في التوافق على إنهاء الأزمة الليبية، ويتضح الآن أن السيسي يساند مخطط حفتر لزيادة رصيده، لكي يحتل درنة ويفرض سيطرته على شرق ليبيا، وهذا سيزيد من رصيده التفاوضي مع فايز السراج وطرابلس.
يقوم السيسي كذلك بقذف منطقة الحدود الليبية السودانية مع مصر، وهناك صراع ليبي على تلك المناطق الجنوبية من ليبيا، بالإضافة للمشاكل الجديدة مع السودان على حلايب وشلاتين، واتهام السودان لمصر بإمداد الحركات المناهضة للحكومة في إقليم دارفور بالسلاح. هذا مع استمرار انتشار العمليات الإرهابية في سيناء ووقوع العديد من الشهداء من رجال الأمن غير المدربين أمام داعش.
الصورة أصبحت واضحة أن نظام السيسي فشل بامتياز في توفير الحماية من الهجمات الإرهابية في كافة أنحاء مصر، ولكن النظام يحاول إظهار القوة بقصف معسكرات خارج مصر، في محاولة لخداع الشعب المصري، وبالذات الأقباط، بأن النظام يثأر من مرتكبي العمليات الإرهابية في الداخل، وذلك بتنفيس الغضب الشعبي الداخلي، والذي لن يقتنع بما يفعلة النظام العسكري الدكتاتوري في مصر، والذي لا يستطيع أحد محاسبته على أعماله.
النظام مستمر في مواجهة أي معارضين سياسيين جدد، مع استمرار حبس عشرات الآلاف في سجون مصر بغض النظر عن الأيدولوجيات للمعارضين، ويركز في الفترة الأخيرة على كل من يفكر في الدخول في انتخابات 2018، التي ترعب السيسي ولا يجد علاجا لها حاليا إلا التنكيل بمن يفكر أن تلك الانتخابات مفتوحة للمعارضة، والتي سيفكر السيسي فيها وسيخرج لنا بأفكاره التي من الصعب توقعها حاليا.
ولا يمكننا التغاضي عن فرصة رمضان للسيسي، لكي يشغل الشعب المنشغل في المسلسلات والفوازير بصراعات خارجية وداخلية، وسنجد أن برلمان العسكر يمرر بيع الجزر للسعودية وتسليمها لهم مع مرور أربع سنوات على سيطرة السيسي على الحكم في مصر ووعوده بأنه سيجعل مصر "أد الدنيا"!
لقد حان الوقت لتخلي من خُدع في السيسي عنه، والتوافق مع الجميع أنه جاء لإفشال مصر التي نعرفها والتقليل من شأنها وشأن القوات المسلحة، كذلك يجب رفض السيسي في 2018 وإبعاده وإبعاد العسكر عن الحكم السياسي لمصر وعن منظومة التحكم الاقتصادي لهم كذلك؛ لأن مصر في طريقها لتصبح دولة فاشلة لا تستطيع دفع ديونها ولا تستطيع توفير احتياجات الشعب المصري.