تبدو مجالس إدارات معظم البنوك المركزية العالمية، فيما يشبه حالة الانعقاد الدائم، في ظل التطورات المتوقعة في الأسواق الدولية نتيجة احتمال إقدام "الاحتياطي الفيدرالي" الأمريكي، على رفع أسعار الفائدة للمرة الثالثة.
ودفعت حالة الترقب تلك بالمصارف المركزية إلى اتخاذ التدابير اللازمة لمواجهة تبعات القرار الأمريكي، الذي سيترك تأثيرات واضحة في الاقتصاد الدولي بشكل عام والاقتصادات الآسيوية بشكل خاص.
لكن محاضر الاجتماعات لعدد من البنوك المركزية الآسيوية، بل والتفاصيل المتسربة بشأن المحادثات الدائرة بين محافظي تلك البنوك، للتنسيق فيما بينهم لمواجهة التطورات المرتقبة، يكشف حالة من الارتباك وعدم وضوح في الرؤية بشأن الأبعاد النهائية لتأثير القرار الأمريكي المقبل برفع أسعار الفائدة في الاقتصاد الآسيوي.
وقال بيتر بروك، نائب رئيس دائرة العمليات المصرفية في مجموعة "نيت وايست" المصرفية، لصحيفة "الاقتصادية"، إن حالة الارتباك تلك تعود في جزء منها إلى حديث جانيت يلين محافظة "الفيدرالي الأمريكي"، عن استهدافها إعادة معدل الفائدة إلى وضعه "الطبيعي".
وأوضح أنه لا أحد على وجه التحديد يعرف ما هو المعدل الطبيعي للفائدة من وجهة نظر جانيت، وهذا يضفي غموضا على المستقبل، وتحديدا على المعدل الذي سيتوقف عنده "الفيدرالي الأمريكي"، فمع كل رفع لأسعار الفائدة هناك حزمة من الإجراءات يجب اتخاذها من المصارف الآسيوية لمواجهة الوضع الجديد، وهذا أمر مربك بالنسبة إلى البنوك المركزية الآسيوية الراغبة في التخطيط للمديين المتوسط والطويل.
ومع هذا، يرى الدكتور جيمس هال أستاذ اقتصادات شرق وجنوب شرق آسيا في جامعة كامبريدج، أن الارتباك يعود في جزء منه إلى عدم إمكانية الرصد الدقيق من قبل محافظي البنوك المركزية الآسيوية للتأثيرات السلبية، إذا ما واصل "الفيدرالي الأمريكي" رفع أسعار الفائدة.
وأشار هال إلى أن هناك نتائج إيجابية لهذا القرار، فتحليل المشهد الأمريكي لرفع أسعار الفائدة، يكشف أن "الفيدرالي" لا يقوم برفعها بأسرع من المتوقع، وهذا يوجد شعورا عاما بالارتياح لدى البنوك المركزية الآسيوية، وبأنها لن تتعرض لمفاجآت غير محسوبة، ولا شك أن زيادة
الفائدة الأمريكية أمر مرحب به من قبل الاقتصادات الآسيوية، لأنه يعني أن الأوضاع الاقتصادية في الولايات المتحدة في تحسن، وأن الأسواق تعاود الانتعاش، ما يشجع على زيادة الصادرات الآسيوية إلى الولايات المتحدة.
وأكد أن "تحسن الاقتصاد الأمريكي يعني زيادة قوة الدولار في مواجهة العملات الأخرى، ويترجم هذا اقتصاديا إلى أن تصبح السلع والخدمات الآسيوية أرخص ثمنا بالمقارنة بنظيرتها الأمريكية، وهذا يزيد من إمكانية نمو صادرات البلدان الآسيوية التي تعتمد على التصدير للخارج كمحفز للنمو مثل تايوان وكوريا الجنوبية وفيتنام واليابان والصين إلى حد ما".
لكن مارك تومسون، المختص الاقتصادي يعتقد أن الجوانب الإيجابية التي يمكن أن تحصدها الاقتصادات الآسيوية من رفع "الفيدرالي" أسعار الفائدة، ستتآكل جراء السياسات الحمائية للرئيس ترمب، ودعوته المستهلكين الأمريكيين إلى شراء المنتجات المحلية، وتهديده بفرض رسوم جمركية مرتفعة على السلع القادمة من الخارج خاصة من الصين والمكسيك.
ويرى تومسون، أن الخطر الأكبر الذي يمكن أن يصيب آسيا تحديدا الصين نتيجة رفع الفائدة الأمريكية هو الأعباء المالية الناجمة عن تراكم الديون، مضيفا أنه "يتعين على العديد من الشركات الآسيوية سداد ديونها بالدولار الأمريكي، وعندما كان معدل الفائدة الأمريكي منخفضا أو قريبا من الصفر توسعت معظم الشركات الآسيوية عن طريق الاقتراض من المصارف الأمريكية بأسعار فائدة منخفضة.
وتابع أنه خلال العقد الماضي زادت معدلات الديون والفوائد واجبة السداد من الشركات الآسيوية إلى المصارف الأمريكية، وهذه المشكلة تزداد حدة الآن ويمكن أن تنفجر لتأخذ الاقتصاد الدولي إلى أزمة مالية غير مسبوقة.