نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" مقالا للكاتب ستيفين إرلانغر، يحاول الإجابة فيه عن سؤال: هل تلفزيون
روسيا اليوم (آر تي) أقرب إلى "بي بي سي" أم "كي جي بي"؟
ويبدأ الكاتب مقاله، الذي ترجمته "
عربي21"، بوصف استوديوهات "آر تي"، القناة التلفزيونية والموقع الذي يعرف رسميا باسم "رشا تودي"، ويقول إنها قناة قمة في الحداثة ومطلة على نهر التايمز و"لندن آي" من الطابق السادس عشر، ويقول مديرها نيكولاي بوغاتشيخين، مازحا: "نطل على (إم آي 5) وقريبون من (إم آي 6)"، فرعي المخابرات الداخلية والخارجية.
وتعلق الصحيفة قائلة إن بوغاتشيخين كان يوجه سخريته للحكومات الغربية في أمريكا وأوروبا، التي تعد "آر تي" عميلا لسياسات الكرملين وأداة يستخدمها الرئيس الروسي فلاديمير
بوتين مباشرة لتقويض الديمقراطيات الغربية، بالتدخل في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، مشيرة إلى أن المسؤولين الأمنيين الأوروبيين يقولون إنهم يحاولون تكرار ذلك في هولندا وفرنسا وألمانيا، حيث تجري كلها انتخابات في وقت لاحق من هذا العام.
ويستدرك الكاتب بأن "الغرب لا يجد ذلك مضحكا، حتى أن روسيا تصر على أن (آر تي) ليست سوى شبكة عالمية مثل (بي بي سي) و(فرانس 24)، بالرغم من أنها تطرح (وجهة نظر بديلة) للاعلام الذي تسيطر عليه الوسائل الغربية، وترى العديد من الدول الغربية أن (آر تي) تمثل حملة تضليل إعلامي مصممة بشكل جيد، تزرع بذور الشك حول المؤسسات الديمقراطية؛ بهدف زعزعة الاستقرار في الغرب".
ويشير المقال إلى أن إدارة باراك اوباما والمخابرات الأمريكية هما كانتا أول من لفت انتباه الغرب إلى "آر تي" في كانون الثاني/ يناير، بأنها عبارة عن حملة لبوتين "لتقويض الثقة بالعملية الديمقراطية في الولايات المتحدة"، ونزع المصداقية عن هيلاري كلينتون، من خلال قرصنة نظام الحاسوب التابع للحزب الديمقراطي، والحصول على رسائل البريد الإلكتروني، وتقديم الدعم لدونالد
ترامب، الذي قال عندما كان مرشحا إنه يسعى إلى تحسين العلاقات مع روسيا.
وتذكر الصحيفة أن المخابرات أصدرت تقريرا، تقول فيه إنه تم تنفيذ الهجوم من خلال الاستخدام المستهدف لمعلومات حقيقية، بعضها متوفر وبعضها تم الحصول عليه من عمليات قرصنة، وكتابة "تقارير إخبارية كاذبة"، تنشرها وسائل إعلام ممولة حكوميا، مثل "آر تي" وشقيقتها وكالة "سبوتنيك"، وتم تضخيم هذه التقارير ونشرها على وسائل التواصل الاجتماعية، بعضها عن طريق روبوتات ترسل آلاف الرسائل على الـ"فيسبوك" و"تويتر".
ويلفت إرلانغر إلى أن الانطباع لدى الكثير من الأمريكيين بأن "آر تي" هي أداة تدخل روسي تزايد عندما دخلت برامجها على برامج "سي-سبان"، التي تغطي وقائع مجلس النواب على الإنترنت في شهر كانون الثاني/ يناير، مستدركا بأن "سي- سبان" قالت إن ما حصل كان خطأ فنيا وليس قرصنة.
ويقول الكاتب: "يمكن أن تكون مشاهدة تلفزيون (آر تي) تجربة متعبة، أخبار سريعة، ورسومات من الدرجة الأولى، ومقابلات مع أنواع مختلفة من الناس المعروفين وغير المعروفين واليساريين واليمينيين، وتتضمن قائمة المفضلين لديهم جوليان آسانج من (ويكيليكس)، ونعوم تشومسكي الليبرالي المنتقد للسياسات الغربية، وأصوات شاذة، مثل الممثلة باميلا أندرسون، والمهووسين الذين يعتقدون بأن واشنطن هي مصدر كل شر في العالم".
وتستدرك الصحيفة بأن الصفة الملازمة لتلفزيون "آر تي" هي الشك في الروايات الغربية والأمريكية، والدفاع عن روسيا وبوتين.
وينوه المقال إلى أن المحللين يختلفون بشأن تأثير "آر تي"، فالبعض يحذر من المبالغة في تأثيرها مشيرين إلى نسبة المشاهدة الضئيلة التي تحظى بها، مستدركا بأن التركيز على نسبة المشاهدة قد يكون مضللا في رأي بيتر بوميرانتسيف، الذي كتب كتابا قبل ثلاثة أعوام، وصف فيه استخدام روسيا للتلفزيون للدعاية، وقال: "نسبة المشاهدة ليست الأمر الرئيسي بالنسبة لهم.. هذه حملات لبسط النفوذ المالي والسياسي والإعلامي".
ويكشف إرلانغر عن أن "آر تي" و"سبوتنيك" تدفعان هذه الحملات بتقديم المساعدة في خلق المادة لآلاف التقارير الإخبارية الكاذبة، وتقديم وسيلة أخرى للمواد التي يتم الحصول عليها عن طريق القرصنة، التي يمكن أن تخدم المصالح الروسية، بحسب بن نيمو الذي يقوم بدراسة عن "آر تي" لمعهد "أتلانتك كاونسل".
ويقول الكاتب إنه "مهما كان أثر (آر تي) فلا شك أنها حالة للدعاية الحديثة المعقدة التي تستحق الدراسة، فهي شبكة تلفزيون حديثة تكسوها مشاهد رائعة، وفيها مقدمون ظرفاء ومزرعة للمحتوى الذي يغذي اليمين المتطرف في أوروبا، ويجد المشاهد صعوبة في التمييز بين ما هو صحافة وما هو دعاية، وبين ما هو (أخبار كاذبة) وما هو حقيقي".
ويذكر إرلانغر مثالا على برامج "آر تي" أنه "في إحدى الليالي عرضت القناة تقريرا عن رفض بريطانيا شجب انتهاك حقوق الإنسان في البحرين، وتقريرا آخر حول (الإعصار الناري)، الذي اجتاح وسائل
الاعلام الرئيسية حول حوار المدعي العام مع السفير الروسي في أمريكا، وعن (تحرير) تدمر على يد الجيش السوري بمساعدة الطيران الروسي، ومقابلة مع السفير البريطاني السابق لسوريا والناقد للولايات المتحدة بيتر فورد، وتقريرا حول البروفيسور البريطاني المشتكي من تراجع مستوى الحياة في بريطانيا، بالإضافة إلى أن موقع التلفزيون يحتوي على فيديوهات أكثر غرابة أيضا".
وتنقل الصحيفة عن بوغاتشيخين ومديرة اتصالات "آر تي" في موسكو، آنا بيلكينا، قولهما إن من غير المعقول الجمع بين جهود "آر تي" لتقديم "وجهة نظر بديلة لما يقدمه الإعلام الرئيسي"، وظاهرة الأخبار الكاذبة والدعاية على الاعلام الاجتماعي، وتقول بيلكينا: "إن هناك هستيريا حول (آر تي).. حيث أصبحت مختصرا لكل شيء"، وتستدرك بأنه بالرغم من ظهور اسم المحطة في تقرير استخباراتي أمريكي، إلا أن ذلك كان قبل أربع سنوات، وكان في ملحق من 7 صفحات من تقرير من 13 صفحة تمت الإشارة إليه في حاشية في صفحة 6 من التقرير.
وبحسب المقال، فإن بيلكينا أنكرت تماما محاولة "آر تي" التلاعب في الانتخابات الديمقراطية في أي مكان، وقالت إننا نتأكد من كل شيء بسبب التدقيق المسلط علينا، مشيرا إلى أنه بالنسبة لتلفزيون "آر تي" ومشاهديه، فإن القناة تحاول أن تشكل بديلا لما يرونه النخبوية الغربية الراضية عن نفسها، وعن الليبرالية الجديدة، ممثلة لما سماه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف حديثا "النظام العالمي ما بعد الغربي"
وتختم "نيويورك تايمز" مقالها بالإشارة إلى قول بيلكينا إن الشبكة بشعارها الذي وضعته شركة إعلانات غربية، تحاول أن تملأ فراغا متخصصا، وتضيف: "نريد أن نكمل الصورة بدلا من أن نضيف لغرفة صدى أخبار وسائل الإعلام الرئيسية، وبهذه الطريقة نجد المشاهدين".