ما زال جدل المراقبين والمحللين متواصلا، حول خروج الرئيس الأمريكي دونالد
ترامب عن الموقف المعهود للإدارات الأمريكية المتعاقبة، بالتخلي عن حل الدولتين كخيار وحيد لحل الصراع العربي
الإسرائيلي.
وقال ترامب في مؤتمر صحفي عقده في واشنطن منتصف الشهر الجاري، بالاشتراك مع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين
نتنياهو، إنه لا يهمه حل الدولتين أو حل الدولة الواحدة، مؤكدا أنه سيكون سعيدا بالحل الذي تفضله "إسرائيل" والفلسطينيون معا.
إشارة الرئيس الأمريكي إلى حل الدولة الواحدة أثارت جدلا حول هذا الخيار الذي سبق أن طرحه
الفلسطينيون منذ بدايات الحركة الوطنية، بينما ترفضه "إسرائيل" بشكل قاطع، فقد وصف المحلل السياسي لصحيفة هآرتس العبرية، باراك رفيد، ما صدر عن ترامب بأنه يمثل ضربة قوية للفكرة الصهيونية، وشكك في أن يكون ترامب مدركا لمغزى أقواله. وقال في تعليق له في موقع الصحيفة؛ إن عددا غير قليل من الفلسطينيين الذين يدعمون الدولة الواحدة قد احتفلوا بأقوال ترامب، وإن هرتسل وبن غوريون يتقلبان في قبورهم.
فلسطينيا، قال رئيس المبادرة الوطنية الفلسطينية، مصطفى البرغوثي، إنه لن يكون هناك خيار سوى حل الدولة الواحدة إذا نجحت مساعي "إسرائيل" في تدمير حل الدولتين.
واستدرك بأن "الدولة الواحدة ليست هي دولة الأبارتهايد التي تمارس فيها إسرائيل اضطهادا عنصريا ضد الفلسطينيين، وتحاصرهم في معازل عرقية، بل هي التي تقوم على التساوي في الحقوق القومية والمدنية، وهذا يعني أن الدولة لن تكون يهودية، وقد يكون رئيسها فلسطينيا".
وأضاف البرغوثي لـ"عربي21" أن تغيير الرؤية الاستراتيجية الفلسطينية "لن يتم إلا بوحدة الصف الفلسطيني، وتوافق جميع القوى الفلسطينية، وليس بمبادرات فردية"، مؤكدا أنه "لن يتحقق حل الدولتين، ولا حل الدولة الواحدة؛ إلا بتغير موازين القوى".
لماذا دولة واحدة؟
من جهته؛ قدم الأكاديمي الفلسطيني والناشط في حركة المقاطعة الدولية، حيدر عيد، سببين للتمسك بخيار الدولة الواحدة؛ أحدهما سبب عملي "يرجع إلى أن إسرائيل ذاتها جعلت حل الدولتين مستحيلا، مما يوجب على قيادة الشعب الفلسطيني البحث عن حل بديل".
وتابع: "أما السبب الآخر فهو مبدئي، ويتمثل في أن خيار الدولة الواحدة يعد أفضل صيغة حتى الآن يمكن أن تحقق عدالة نسبية عبر إقامة دولة ديمقراطية لكل سكانها، على كامل تراب فلسطين التاريخية".
وقال عيد لـ"عربي21" إن "حل الدولتين عنصري بطبيعته؛ لأنه يفصل بين السكان على أساس هوياتهم الإثنية والدينية، كما أنه لا يأخذ بعين الاعتبار حقوق غالبية أبناء الشعب الفلسطيني، وهم اللاجئون الفلسطينيون في الشتات، بالإضافة إلى حوالي 1.4 مليون فلسطيني يعيشون داخل الخط الأخضر، وتعاملهم إسرائيل على أنهم مواطنون من الدرجة الثانية".
وحول إذا ما كانت أطروحة "الدولة الواحدة" غير واقعية؛ استحضر الأكاديمي الفلسطيني تجربة جنوب إفريقيا في التحرر من نظام الفصل العنصري، موضحا أن "نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا كان يتمتع بدعم قوي من النظام الدولي، وإن أحدا لم يكن يتصور في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي؛ أن نيلسون مانديلا سيخرج من السجن، وسيصبح أول رئيس لجمهورية جنوب إفريقيا الديمقراطية".
وأشار عيد إلى "تحول في الرأي العام الأمريكي، وتصاعد في تأييد فرض عقوبات على إسرائيل لمخالفتها الشرعية الدولية، وهو ما يؤشر إلى أنه سيكون هناك تأييد كبير لهذا الحل؛ ليس فقط في بلدان العالم الثالث، وإنما في أوروبا وأمريكا كذلك".
محاذير
أما الباحثة الفلسطينية في العلاقات الدولية، أماني السنوار؛ فرأت أن أطروحة الدولة الواحدة تنطوي على ضعف "يتمثل في أنها تفتح الباب للمشروع اليميني الإسرائيلي؛ بحكم أنه الطرف الأقوى في تحرير المصطلح وفرض الرؤية".
وقالت لـ"عربي21" إن "التصور الإسرائيلي بعد التخلي عن حل الدولتين؛ يقوم على ضم أراضي الضفة وشرق القدس، دون ضم السكان الفلسطينيين الذين سيبقون خاضعين للإدارة المدنية الفلسطينية، بينما سيتم تكريس السيطرة الأمنية والعسكرية لإسرائيل بصورة شرعية".
ودللت السنوار على رأيها بتغريدة على موقع "تويتر" لأوفير جندلمان، المتحدث باسم نتنياهو، قال فيها إن "العالم لم يعد متحمسا لحل الدولتين"، ولكنه أضاف أن "إسرائيل لن تقبل بضم مليوني فلسطيني إلى دولتها".
وخلافا لآراء مؤيدي حل الدولة الواحدة؛ ذهبت السنوار إلى القول بأن "من الحكمة الاستمرار في خطاب حل الدولتين الذي يجمع العالم عليه، بما فيه الأمم المتحدة واللجنة الرباعية، لأن هذا التمسك يساهم في إحراج إسرائيل، وإظهار استهتارها بالإجماع الدولي، ويؤكد عدم شرعية الاستيطان بوصفه النقيض لحل الدولتين".
خيار المواجهة
خارج ثنائية دولة واحدة أو دولتان، هناك رأي ثالث يرى في المواجهة خيارا حتميا في التعامل مع الاحتلال، وفي ذلك يقول المحلل السياسي إبراهيم المدهون؛ إن "أخطر ما في المشروع الصهيوني أنه مشروع إحلالي يقوم على ترحيل أو إبادة السكان الأصليين، واستيطان الأرض بآخرين وهذا النوع من المشاريع لا يقبل القسمة على اثنين"، على حد وصفه.
ويضيف المدهون لـ"عربي21" أن "الشعب الفلسطيني نجح في الاستمرار على أرضه، وبقي جزء كبير من السكان في مناطق فلسطين التاريخية، وهذا يعتبر أكبر قوة يمكن الاعتماد عليها لمراكمة قوة تستطيع استعادة الأرض وإخراج الأغراب وفرض المعادلات".
ويجمل المدهون فلسفة المقاومة بأن "المشرع الصهيوني لا يحمل بذور التعايش، والشعب الفلسطيني في المقابل مؤهل للمقاومة المسلحة، وفكرة تمسكه بأرضه واستعداده للتضحية وقدرته على الكفاح، تؤهله لاختيار طريق العمل المسلح كوسيلة أنجع لتحرير فلسطين"، كما قال.