استبعد أمين عام
جبهة علماء الأزهر، يحيى إسماعيل، أن يكون هناك صراع بين شيخ الأزهر، وبين السلطة في مصر، معتبرا الحديث عن ذلك مجرد تكهنات صحفية، فـ"الأزهر جزء من الدولة" وفق قوله.
وقال أستاذ الحديث وعلومه بجامعة الأزهر، في حوار خاص مع "
عربي21" إن "الأزهر برسالته وليس بأشخاصه، وإن رسالته امتداد لرسالة النبوة التي نظمت أمور المسلمين في الدنيا والآخرة".
وحمّل إسماعيل الأنظمة الحاكمة في مصر منذ عهد الرئيس الراحل
جمال عبدالناصر؛ مسؤولية تهميش دور الأزهر في حياة المسلمين، وجعله مجرد مؤسسة تابعة للدولة، كاشفا عن سعي سلطات الانقلاب إلى إلغاء التعليم الأزهري، وقصره على الدراسات العليا لطلبة الماجستير والدكتوراه.
وكان وزير أوقاف الانقلاب، محمد مختار جمعة، قد طالب في آب/ أغسطس 2015، بإدراج جبهة علماء الأزهر ضمن قوائم الكيانات الإرهابية، باعتبارها موالية لجماعة الإخوان المسلمين، وقال في بيان له، إن "الجبهة تسيء للدين والوطن، وتستغل اسم
الأزهر الشريف، وهو منها براء".
وتعد "علماء الأزهر" جبهة مستقلة، تأسست في القاهرة عام 1946 على يد مشايخ كبار في الأزهر، ودخلت منذ ذلك التاريخ في مناكفات ومواجهات مع الدولة تارة، ومع الأزهر تارة أخرى. وفي مطلع تسعينيات القرن الماضي؛ جرى تنسيق في كثر من المواقف بين الجبهة والأزهر في عهد شيخ الأزهر جاد الحق علي جاد الحق، أبرزها الموقف المعارض لقرار وزير التعليم آنذاك بمنع ارتداء طالبات المدارس النقاب.
وإلى نص الحوار..
هل تعتقدون أن هناك صراعا بين السلطة في مصر، وبين الأزهر؟
لا يوجد صراع بين السلطة والأزهر الرسمي؛ لأن شيخ الأزهر رجل دولة، ويعمل ما فيه مصلحة الدولة، فالأزهر جزء من النظام، وميزانيته من ميزانية الدولة، وليس له أية استقلالية.
إذن؛ لماذا يثار بين الحين والآخر أن هناك توترا بين السلطة والأزهر؟
لعلها تكهنات صحفية، و"فرقعات" إعلامية، ليس أقل ولا أكثر.
كيف ترى موقف الأزهر مما سُمي بـ"فتنة الطلاق الشفهي"؟
ما يحدث هو تجديد لمحاولات سابقة من السلطة للتدخل في شؤون الأزهر، حيث استطاع بابا الأقباط السابق شنودة أن ينفذ لقلب الرئيس الراحل أنور السادات بعد حرب 1973، ويوهمه أن تيسير أمر الطلاق وراء خراب البيوت في مصر، وكاد أن يصدر ما كان يسمى بـ"قانون جيهان"، وكان ينص على أن الزواج بالثانية يعد إضرارا بالأولى، وعند وقوعه تستقل الشقة، وأن الطلاق لا يقع إلا أمام القاضي. وكاد أن ينجح في ذلك، لولا وقفة الإمام محمد الغزالي، التي كلفته منصبه وعمله في مصر، ما دفعه إلى الخروج منها.
كيف تقرأ بيان هيئة كبار علماء الأزهر حول الطلاق الشفهي؟
بيان الهيئة هو بيان كاشف للحقيقة، وليس مؤسسا لها، فالحقيقة أن الطلاق مرتان، وفق الشرع، وشيخ الأزهر أستاذ منطق وليس أستاذ فقه، ولا يمكنه إصدار فتوى بهذا الصدد، وقد أبرأ كبار علماء الأزهر إلى الله، وأدوا ما عليهم.
بعض المراقبين يقولون إن هناك قضايا في الوطن كان أولى أن يجتمع كبار العلماء لها، ويصدروا فيها رأيا حاسما.
معك حق، وهم يسألون عن سبب هذا، والعجز لا يبرر العجز، فكونهم عجزوا أو صمتوا في مواقف كان يجب أن يتحدثوا فيها؛ لا ينبغي أن يستمروا صامتين في غيرها إن استطاعوا الكلام. وهم يسألون عن الصمت تجاه ما يحدث من مجازر بحق المسلمين في طول الأرض وعرضها.. هذا تقصير بلا شك، والمؤسسات تُحمد بأسباب، وتذم بأسباب، وليس هناك معصوم.
هناك من يحمل الأزهر مسؤولية ما يحدث من "إرهاب" في العالم؟
الأزهر يقال فيه هذا ولا يقال في الكنيسة، فالأزهر مكبل بقيود الوظيفة، بخلاف الكنيسة التي لم تمس أوقافها بسوء، ولم يؤمم لها درهم ولا دينار، ولا حجر ولا دار. أما الأزهر فأملاكه أمِّمت، وتحول العلماء إلى موظفين، وضم (الرئيس الراحل جمال) عبدالناصر أموال الأوقاف إلى وزارة الزراعة، فتحولوا إلى موظفين مأمورين.
هل هناك ما يدعو إلى العنف والرجعية في مناهج الأزهر، كما يقال؟
شيخ الأزهر
أحمد الطيب، وعبدالحليم محمود، ومن سبقهم من علماء ومشايخ الأزهر؛ هل دعوا إلى الإرهاب.. إن جميع العلماء الذين رضي عنهم النظام، ورضوا عنه؛ كلهم خريجو هذه المناهج، فمن أين جاءهم الإرهاب؟
إن الإرهاب يأتي من محاربة الإسلام، وتجفيف منابعه، ومن فتح أبواب الأزهر لكل من هب ودب، وفي هذا محاولة لتقطيع أوصال الأزهر.
وهذا الافتراء تجنٍّ على رسالة الأزهر، وليس تجنيا على الموظفين. وهناك فرق بين أزهر الرسالة، وأزهر الموظفين، فأزهر الموظفين الذين يحرصون على عروض الدنيا على حساب دينهم، ويسكتون عن الحق، ويخرسون عند النوازل؛ فهذا ليس جناية عليهم.
وأما أزهر الرسالة؛ فهو كما هو، له رجاله، وأعلامه، ومن الجناية والجرم لهم أن يرموا بهذه النقائص وهم أحياء يرزقون.
لماذا تعتقدون أن الأزهر تم تهميشه؟
هذه هي الحقيقة، فقد بدأ تقليم أظافر الأزهر عندما انقلب محمد علي والي مصر، الذي تآمر على عمر مكرم الذي ألبسه قيادة مصر، وفرض ضرائب على أوقافها، ثم نفاه إلى دمياط، واستعمل بعدها شيوخ الأزهر لديه بالأجر.
لهذا نطالب أن ترد أموال الأوقاف إلى أصحابها، كي يسترد الأزهر استقلاليته وقراره.
متى تعتقدون أن يعود الأزهر لممارسة دوره الوطني؟
عندما تكون هناك حركات وطنية، فالأزهر مكبل ومسجون، ولا يملك قراره.. فهل سمعت عن موظفين يقودون أو يؤسسون حركة وطنية، وهم لا يحق لهم أن يكون لهم رأي مخالف للسلطة؟
والخطوة الأولى؛ أن يساعد العالم الأزهر أن ترد له حقوقه وأوقافه مثل الكنيسة، كما قلت مرارا وتكرارا، وأغضب هذا كثيرين.. نطالب باسم الديمقراطية أن تساوى الأغلبية بالأقلية.
لماذا يسمح بالتهجم على الأزهر في الإعلام والصحافة؟
الهجمة في الإعلام هي هجمة على الإسلام كله، فالجهاد أصبح إرهابا، وحركات الجهاد والمقاومة في فلسطين باتت تسمى حركات إرهابية، والبعض منا يعامل هؤلاء المرابطين والمجاهدين كأنهم أعداء، ويعاملون الإسرائيليين على أنهم أصدقاء.
وقد قال الإنجليز قديما، منذ الحرب العالمية الأولى "طالما أن هناك ثلاثة أشياء موجودة فلا مطمع لنا في الشرق؛ الكعبة والقرآن والأزهر"، فالأزهر يمثل الإسلام السني في العالم كله.
هل هناك نية مبيتة لتقويض دور الأزهر التعليمي؟
الخطة التي يسيرون عليها هي خطة المندوب السامي البريطاني إبان الاحتلال الإنجليزي، لورد كرومر، والتي وضعها لضم الأزهر إلى وزارة المعارف، والتي تسمى الآن وزارة التربية والتعليم.
وهناك خطة لجعل الدراسة في الأزهر مقتصرة على الدراسات العليا فقط، ومنع التعليم الابتدائي والإعدادي والثانوي، وهم يسيرون نحو هذا الاتجاه، وحققوا نجاحات، فعندما يرفع شرط النجاح في القرآن الكريم لمن يريد التسجيل في الدكتوراه والماجستير؛ سنرى أساتذة جامعة في التفسير لا يحفظون القرآن.
ما هو الدور الذي يجب أن يلعبه الأزهر، وخاصة عندما تمر الأمة بأحداث جسام، كانقلاب 3 تموز/ يوليو؟
الأزهر لم يؤخذ رأيه في ما حدث، ومن حضر بيان الإعلان عن خطة الطريق هو شخص لا يمثل إلا نفسه، ولم يُجمَع علماء الأزهر لشيء، فشيخ الأزهر لا يمثل الأزهر في موقفه من أحداث تموز/ يوليو، وإنما يمثل نفسه.
والأزهر جزء من الأمة، وحامل رسالة، ولا مكانة له ولا كرامة؛ ما لم يقم بدوره عمليا وعلميا. ولقد نزعت من الأزهر الناحية العملية، وحوصر من الناحية العلمية، وتستأصل منه أجنحة العلم. والأزهر قلب الأمة وجزؤها النابض، ولا بد أن يسترد مكانته لتسترد الأمة عافيتها.
والإسلام دين شامل، والنبوة هي التي أسست الدولة، وليست الدولة من أسس النبوة، فالنبوة سابقة على النظام والدولة، والأزهر وريث النبوة في رسالته.