كتاب عربي 21

تونس تتقدم أمنيا وتتراجع اقتصاديا

صلاح الدين الجورشي
1300x600
1300x600
تودع تونس بعد أيام سنة 2016، لكي تستقبل سنة جديدة. ورغم أن الظروف الاقتصادية والاجتماعية لم تتحسن كما كان يتوقع السياسيون الذين نجحوا في الانتخابات، ووجدوا أنفسهم يتربعون على مقاعد السلطة، إلا أن ذلك لم يمنع من أن الحالة الأمنية قد شهدت تحسنا ملحوظا خلال السنة الجارية. 

وكان أهم مؤشر على ذلك، هو نجاح تونس في تنظيم تظاهرة دولية ضخمة عن الاستثمار، شارك فيها أربعة آلاف شخص، من بينهم حوالي ألفي شخصية سياسية ومالية حظرت من خارج البلاد، ولم تتعرض لأي نوع من الأذى، رغم التهديدات التي أطلقتها بعض الجهات المتصلة بالتنظيمات الإرهابية.
 
لم يحصل ذلك من باب الصدفة، بل هناك عوامل موضوعية أسهمت في تحقيق هذه النتيجة النوعية والهامة في وضع إقليمي خطير، يشهد تصاعد لغة السلاح، في أكثر من دولة ومكان.

في مقدمة هذه العوامل، التحسن الملحوظ في أداء المؤسسة الأمنية، التي بدا واضحا كونها قد بدأت تستعيد عافيتها بعد سلسلة من الضربات التي تلقتها على التوالي، خاصة خلال السنة الماضية 2015. 

تلك السنة التي شهدت عملية متحف باردو، ثم لحقتها عملية سوسة الفظيعة التي ضربت القطاع السياحي في مقتل. 

وختمت تلك السنة، بالعملية النوعية التي وجهت ضد الأمن الرئاسي، وهو ما عدّ تحديا صارخا ومباشرا لأحد أهم القطاعات الحيوية داخل المنظومة الأمنية.

تراجعت الاشتباكات الأمنية إلى حدود النصف مقارنة بأرقام سنة 2015. كما أن عمليات المداهمة واعتقال عناصر موالية للشبكات الإرهابية كانت أوسع نطاقا، وأكثر عددا، حسبما كشفت عنه مصادر وزارة الداخلية. 

وجاءت أحداث بن غردان، وهي المنطقة الواقعة على الحدود التونسية الليبية، لتعطي نفسا جديدا ليس فقط للأمنيين، ولكن أيضا لكل الشعب التونسي. 

فبعد أن سيطرت مجموعة من المسلحين الذين قدموا من داخل التراب الليبي لمدة تجاوزت ثلاث ساعات على هذه المدينة الحدودية، تمكنت قوات الأمن والجيش بدعم من المواطنين المدنيين من السيطرة على الوضع، وقتل معظم عناصر المجموعة وإعادة الأمن إلى المدينة. 

فكانت تلك العملية بمثابة نقطة تحول جذرية في المجال النفسي والعسكري. وكشفت تلك الحادثة عن أن الأمنيين التونسيين قد توفرت لهم الخبرات الضرورية في إدارة المعركة مع هذه الجماعات المسلحة التي تلقت تدريبات عالية في مجال حرب العصابات والمدن. 

ويمكن القول بأن المؤسستين العسكرية والأمنية في تونس اكتسبت بعد خمس سنوات من المواجهات الخبرات الضرورية في هذه الحرب التي تخوضها لأول مرة منذ بناء الدولة الوطنية. 

وهو ما جعلها اليوم تعرف بشكل جيد عدوها وطرق عمله وتكتيكاته وعناصره القيادية وكوادره الوسطى إلى آخر ما يتطلبه العمل الميداني في مثل هذه المعارك.

العامل الثاني الذي لا يمكن التقليل من أهميته، يتمثل في التجهيزات التي حصلت عليها تونس في المجال العسكري والأمني. 

فتونس لم تكن مهيأة للدخول في حرب من هذا النوع. ولذلك عندما فرضت عليها هذه المعركة، كانت البلاد تفتقر لأسلحة وتجهيزات متطورة لمواجهة التنظيمات الارهابية. 

واستفادت الجماعات المسلحة من هذه الثغرة كثيرا. أما اليوم فقد تغيرت المعطيات الميدانية بشكل واضح، بعد أن تطورت التجهيزات ووسائل الحرب. 

دفع التونسيون جزءا هاما من قوتهم ومن ميزانياتهم الحيوية، مقابل حصولهم على تلك التجهيزات، إضافة لما تلقته البلاد من هبات ومساعدات نوعية، جعلت الوحدات الأمنية والعسكرية أكثر قدرة على التصدي للجماعات الإرهابية. 

بل يمكن القول إنها انتقلت من الحالة الدفاعية إلى الهجوم ووضع الكمائن، والقيام بعمليات استباقية التي كان لها الفضل الكبير على إرباك عدوها، وخلط الأوراق لديه. 

ونجحت الأجهزة الأمنية والعسكرية في عدم توفير الوقت للخلايا النائمة، إذ استعملت معها أسلوب المواجهات المسترسلة، وهو أسلوب من شأنه أن يفقد العدو القدرة على التركيز والتخطيط، وإحداث المفاجأة كما حصل طيلة السنوات الماضية.

لاشك في أن التطورات الميدانية الأخيرة التي شهدتها ليبيا والعراق وسوريا قد كان لها تأثير مباشر على الحالة التونسية. 

فالضربات القوية التي تلقاها تنظيم الدولة في جميع هذه المناطق، فتحت المجال للقول بأن هذه التنظيم يجد نفسه حاليا دون غطاء، ويعيش معركة وجود، إن لم نقل بأنه يخوض معركته الأخيرة. 

وبما أن حاملي الجنسية التونسية يتمتعون بمواقع هامة في صفوف هذا التنظيم، فإن هؤلاء قد تعرضوا خلال الأسابيع الأخيرة لمقتل عدد لا بأس به من كوادرهم الأساسية، وهو ما من شأنه أن يضعف صفوف هؤلاء داخل تونس وخارجها.

هذا هو المشهد كما يتجلى تونسيا مع نهاية سنة 2016. إذ يصعب التكهن بما ستؤول إليه الحال خلال السنة القادمة، إلا أن المؤكد هو أن الخطر الأمني قد تراجع ما جعل تونس تستوي مع فرنسا وإيطاليا هذه السنة في مجال المخاطر الأمني، بحسب أحد التقارير الدولية الموثوق فيها، وهو ما جعل التحدي الاقتصادي يحتل الآن المرتبة الأولى في المخاطر التي تواجه عملية الانتقال الديمقراطي في تونس.
التعليقات (0)