جمعتنا الخيمة مع فضيلة الشيخ
رائد صلاح ستة اشهر، منذ 19.11.2015 حتى 8.5.2016، كانت أياما رأينا فيها وتعلمنا الكثير، ولكن أجمل ما فيها كان لقاؤنا اليومي مع فضيلة الشيخ رائد، ذاك اللقاء التلقائي الأخوي غير الرسمي الذي تطغى فيه معاني الأخوة والحب في الله والتضامن والتآلف والتكاتف على كل معنى، وجمعنا مع فضيلته في أيام خلت كثير من العمل الدعوي والسياسي والإعلامي في ميادين عدة. واليوم يجمعنا مع فضيلته على أبواب سجن نفحة رمضان والقرآن، والصيام والقيام، وتجمعنا النفحات الإيمانية والروحانية، وإن كان منسوبها لدى كلٍّ منا مختلف باختلاف الظرف والوضعية فأنى لمن يرتع في نعم الحياة وملذاتها، مثلنا، أن يحصل معشار من يدفع ثمن الموقف والمبدأ وينوب عن الأمة في سجنه الصحراوي شديد الحر في أيام الصيف الحارة هذه، وحرارتها في النقب ليست كحرارتها في الجليل والمثلث.. أقول انَّى لمثلنا أن يحصل معشار ما يحصله من وضعه ذاك، وهو أخونا الشيخ رائد.
جمعتنا على مائدة إفطار رمضان العشرين نفحات سجن نفحة الصحراوي، وهو الأقرب لمصر منه الى أي بقعة أخرى في بلادنا، وربما في ذلك إشارة إلى وحدة الظلم عبر خطي الحدود بين حكام البلدين الآن، لكن أقول جمعتنا في ذلك اليوم نفحات نفحة والتقت أرواحنا أيما لقاء، لقاء محبة، ولقاء شوق، ولقاء عهد ووفاء، على صلاة تجمعنا، وعلى صيام يوحدنا، وعلى قيام يلمنا، وعلى دين ينتظمنا فنألفه ويألفنا.
أخي الشيخ رائد دائما علمت أنني أحبك كثيرا، لكنني لم اكن أدرك ولم أكن أعلم أن الكثير هذا لا يمكنني تحديده ووصفه بعد إذ افتقدك منذ 8.5.2016، ولم أكن أعلم مقداره، لكنها الأقدار، أخي، تلك التي ساقها الله لنا فكنت أنت هناك جسدا بين أسوار سجن "ريمون" في مجمع سجون نفحة، لكنك روحا وعقلا ودينا وخلقا أنت مع أهلك ومع شعبك ومع أمتك ومع أقصاك ومع ثوابتك ومع محبيك، كنت وما تزال الغائب الأكثر حضورا في قلوب أهلك وعقولهم وحياتهم، ما تزال حاضرا في قلوب الأطفال الذين لم يدركوا بعد من الحياة سوى ألعابهم الصغيرة، ينظرون الى الصحف بين أيدي والديهم فيشيرون الى صورتك في محبة وشوق لك.
لله درك، أخي الحبيب، لله درك، من أين حصلت على كل ذلك وكيف؟ ما سرك مع الرحمن جعلك تحظى بكل ذلك الحب في قلوبنا؟ هل هو تواضعك التلقائي غير المصطنع؟ هل هو حرصك على عدم الخوض في أعراض الناس وزجر من قد يزل لسانه في غيبة أو ما شابه؟ هل هي محبتك الخير لكل أهلك وشعبك بغض النظر عن انتماءاتهم ومشاربهم حتى لو ناصبوك العداء تدعو لهم بالخير والهداية؟ هل هو حرصك على خدمتهم تحت كل الظروف مهما اسودت وادلهمت؟ هل هو يقينك بالله أن بعد العسر يسرا مهما كان العسر عسيرا؟ هل هي ثقتك الكبيرة في الله وقدره وأنه لا بد "جاعل لما ترى فرجا ومخرجا، وإن الله ناصر دينه"؟ هل هي ابتسامتك في وجه الجميع أيا كانوا؟ تلك الابتسامة التي تفتح مغاليق القلوب لدى كل أبناء شعبك وتلك التي تغيظ شانئيك وأنت تقف على أبواب سجونهم بكل كبرياء على الظلم مهما هملج وصولج.
أخي، جمعتنا أيام من عمرنا سفرا وحضرا واعتصاما ونشاطا وعملا، فرأينا فيها ما رأينا من أنفسنا ومن الناس منهم المحب ومنهم الحاسد أو الشانئ الذي لا يلبث ان ينقلب الى محب، وقد شهدت من المواقف الشاهدة والدالة على ذلك ما شهدت، ومنها ما كان في آخر أيام الخيمة عندما زارنا أحد الوفود الكريمة الكبيرة، فأبى أحدهم أن ينزل من الحافلة لاتخاذه موقفا منك، لا لأنه رآك سابقا كان الموقف، ابدا، إنما لموقف سياسي هو وأنت نقيضان فيه، لكنه وبعد أن أقنعه أحد زملائه بأن ينزل من الحافلة مع الوفد وإذ به يطلب حق الحديث فيدلي بحديث فيه من الروعة والجمال ما فيه، ولما خرج قال لأحد من رافقوه وأقنعوه: لقد دخلت وما من رجل أبعد عن قلبي من هذا الرجل، ولكنني خرجت من عنده، وأنا لأول مرة القاه وجها إلى وجه وأسمعه وأحدثه، لقد خرجت من عنده وما من رجل أحب اليَّ منه، لله درك ما سر هذه الخلطة؟ وما سرك مع الله يجعل قلوب الناس تحبك على هذه الشاكلة.
أخي الشيخ جمعنا سجن نفحه أنت داخل أسواره تتناول إفطارك الملوكي الذي ربما يكون كما كتبت في مذكرات سجن سابق رأس بصل وحبة فليفلة وحبة بندوره وقليل من المقلوبة تصنعها في غرفتك إن كان مسموح لك، لست أدري، كما في سجنيك السابقين، أما نحن فقد كنا خارج الأسوار نتناول إفطارنا وفيه ما لذ وطاب من المأكول والمشروب، والأمور نسبية، لكنها هي نفحات يوم اقتربنا فيه إليك بعد أن بِنَّا عن بعضنا قسرا لمدة شهر و17 عشر يوما.
أخي الشيخ رائد واسمح لي إن ناديتك في مقالي هذا بلفظ أخي وقد رفعت فيه كل تكليف ورسميات هي أصلا كانت غائبة في أيام سابقة مضت، نحن بانتظارك، أهلك ومحبوك وشعبك وأمتك وفي مقابل كل هؤلاء أمك التي رغم الجيل والسنون لكنها ما تزال،أدام الله عليها الصحة والعافية، تذرع المسافات كثرت أو قلت تودع الى لقاء أو تستقبل وتدعم وتؤازر وترافق "صغيرها" الكبير في كل طريق.
لك منا كل الحب والوفاء