قضايا وآراء

أمة وأحداث ونُيّام..!

محمد ثابت
1300x600
1300x600
أحد الأصدقاء الأكاديميين، ممن أسعد على المستوى الشخصي بلقائه، واتمتع بأدبه الجم في الحديث وفيض فكره النادر المتمتع بالوفاء لكل قيمة إنسانية خلقية قبل دينية.. دعا الرجل منذ أيام قليلة عبر وسيط ملائم لجمع عدد كبير من المختصين من أكاديميين وإعلاميين إلى "محاكمة الحضارة الغربية"، وعلى مدار أيام رحتُ متعجباً أرقب أفكار الجمع تترى، هل نحارب الغرب أم نلتفت إلى عيوبنا التي مكنته منا؟

وكان الرد جاهزاً من الطرف الآخر الممثل لفكرة الاستمرار على كل الأحوال، إذ قالوا وعادوا فأكدوا: أن علينا ان نكف تماماً عن فكرة جلد الذات هذه، وبالتالي الانطلاق نحو إدانة الإجرام الغربي.

في المنتصف تمثل صوت لأحد مفكري الأمة القليلين قائلاً بوجوب التمهل بعض الشيء، وعدم الانسياق وراء كل دعوة محببة إلى النفس، ويكفي أن ندين الممارسات الغربية ذات الكيل بمكياليين بشكل واضح حتى لا نستفز كل مفكريّ الغرب، وفيهم المعتدل الذي لا ينبغي علينا خسارته.. وكذلك الجزء المهتم بنا وبإنجازنا السابق.

وفيما راح أحدهم يكيل الاتهامات للرجل، مما اضطره إلى المغادرة المؤقتة، انبرى أحد العقلاء ليقول بأدب للمتجاوز: غفر الله لك زدت على الرجل وما قصد خيانة.. وكيف نحاكم أمة أخرى وهذه أخلاقنا فيما بيننا..

عندها توقف التفكير مني عند فاصلات كثيرة في حياتنا وواقعنا الحضاري اليوم، فاصلات وعلامات ترقيم تمادت حتى احتلت مساحات الجمل بل النص كله، أياً ما كان نوعه.. وفي المقابل يستخدم العدو كل ما أُوتي من مدافعه لضرب الأمة كلها في كبدها!

"1"

هل هذه الأمة اليوم عند مستوى الأحداث التي لا توصف لفرط جسامتها؟.. وهي محيطة بنا من كل جانب تكاد تعصف بها لولا موعود الله تعالى لها بعدم إفنائها، ولولا أن له تعالى حكمة في جميع ما يحيط بها، وإن ما نراه من سوء محيط ما هو إلا ابتلاء وتمحيص، ولكي تتذكر الملايين بل المليار وسبعة من عشرة أن لهم هدفاً في الحياة على غير النحو الذي يحيون عليه، وأن غايتهم من الدنيا ليست أن يأكلوا ويشربوا ويفعلوا كما تفعل الكائنات.

ولكن ما يحز في النفس بشدة وقسوة هو أن هذا الجيل الذي يمثله جيلي؛ ليس من المأمول أن يرى في حياته أفضل مما رأى، فلا حراك إلى الأمام، ولا حتى مجرد محاولة من أجل إحداث تغيير..

ولله دره الصديق القائل إن أصعب ما فعلته جماعة الإخوان المسلمين الآن بانفراط عقدها؛ هو ترك كل إنسان بخاصة أصحاب المشروعات إلى أنفسهم.. كل يعمل في ناحية ما يستطيعه بصورة فردية، فلا محاولة لجمع الجهود أو الرقي بها، وبخاصة لمن خرجوا من أوطانهم بالفعل.

"2"

تسألني النفس في مرارة:

ـ أي غرب ذلك الذي نريد محاكمته؟

والأمر جد بسيط، فلا فكرة المحاكمة على الأغلب لدى صاحب هذه الكلمات صحيحة، ولا حتى عدمها صحيح، بل إن الأمر لا يعدو أن يكون تخبطاً، أو قل محاولة للخروج من التخبط تغرقه في سبيل آخر، إن لدينا قضايا ماسة يا سادة تخص أمننا وسلامتنا بل وجودنا، وهي أهم بكثير من المحاكمات الاعتبارية، فهل رأيتم أمة جادة من قبل أحاطت بها حراب الأعداء من كل جانب، ووصلت إلى أقصى عمق ونقطة بها، فيما إحصائية بسيطة منذ أيام تقول إن عدد القنوات التي تم افتتاحها لتوجه بثها إلى المنطقة العربية في عام 2015 فقط.. تساوي 1230 قناة منها 1097 خاصة تبث المنوعات وتعتمد على مواد تعدها لها شركات إنتاج، فيما إجمالي القنوات العامة الفضائية العربية يساوي 27 قناة. والتقرير لاتحاد الإذاعات العربية بتونس!

لا يستوجب الأمر تفكيراً في محاكمة اعتبارية من الأساس، بل توقفاً وانطلاقا من جديد في تغيير المواقف والسياسات التي أودت بنا وبدولنا إلى هذه الهوة السحقية، فيما نحن نرقب جثث بني أوطاننا وهي تخرج إلى العلن ساعة بعد ساعة، ونفكر في توجيه سهم من فكر غير دقيق نحو الغرب!

"4"

كان من فساد التخطيط والإدارة السابق الذي يتعدى الأفراد إلى الأمة كلها؛ أن كانت الهجمة الشرسة هذه عليها معلنة.. نتداولها بصورة ناضجة منذ التسعينيات من القرن الماضي، بعد العراق، وكان قد بدأ الدور، قبل أن يأتي دور الدول العربية دولة.. دولة، وكل له سكين خاص.. و"أُكلتُ يوم أكل الثور الأبيض"، ولكن المسكّنات والمنومات أطاحت بعقول كان ينبغي أن تفكر في حل بدلاً من الانهماك في التيه.

أذكر محاضرة للراحل المستشار علي أبو جريشة رحمه الله، في مسجد عمر بن الخطاب بمدينة المنيا في عام 1990م، وصوته يجلجل قبيل غزو العراق:

ـ أبشر الحكام العرب بأن أمريكا توشك أن تغير أحذيتها فيهم!

وهو ما لم يحدث حتى اليوم!

"5"

بدلاً من تكريس الجهد لمعاهد بحثية تعالج مشكلاتنا المزمنة، وتدلنا خطونا على الطريق.. أو تعد دراسة حول طبيعة الشعب المصري الذي تهيأ الإخوان لحكمه في الأول من نيسان/ أبريل 2012م دون أن يعرفوا شيئاً عن أبجديات هذا الحكم، أفلم يكن أولى بهم النظر في نتيجة دراسة واحدة محكمة حول المصريين وطبيعة احترامهم للقوة؟
التعليقات (0)

خبر عاجل